يدعي بأنّه رجل دين مسلم ويروّج للدعاية الإسرائيلية، من هو “إمام السلام”؟
يرتدي العمامة ويضع صورة المسجد الأقصى كغلاف لصفحته على منصة إكس، التي اقترب عدد متابعيها من المليون، يكرس خطابه باللغة الإنجليزية لدعم الدعاية الإسرائيلية الرسمية ويتخذ الإصلاح الديني شعارًا له، لكنه يعدّ المسلمين تهديدًا وجوديًّا للحضارة الغربية. محمد توحيدي، المقيم في أستراليا، يعرف نفسه كـ “مصلح إسلامي” ويلقب نفسه “إمام للسلام” وهو ناشط مهتم بالقضايا المتعلقة بالمسلمين.
تكشف المراجعة لحساب توحيدي أن فئة كبيرة من المتفاعلين مع منشوراته هم أشخاص ينتمون إلى اليمين المتطرف ومن يروجون لخطاب الكراهية وآخرين من الصهاينة المتطرفين، ويروّج توحيدي بشكلٍ منظم ومنذُ سنوات لمعلومات مضللة واسعة حول العالم الإسلامي، بالإضافة لتشويه صورة حركات التحرر والعدالة الاجتماعية.
أصبحت شخصية محمد توحيدي محور اهتمام وسائل إعلام غربية عدة، إذ جرى تقديمه كمرجع في الإسلام، ويستخدم توحيدي تقنيات الدعاية والخطابة مستندًا إلى أرضية وقنوات وفرتها له قنوات مقربة من اليمين المتطرف لنشر خطابه المثير للجدل.
العلاقة بين محمد توحيدي واليمين المتطرف
بالرغم من أن توحيدي يعرّف نفسه على أنه داعية إسلامي، إلا أنّه منغمس بنشاط في دعاية اليمين المتطرف المعادية للمسلمين، وينشر بكثافة حول ما يسميه خطر هجرة المسلمين إلى الدول الغربية، وتلقى هذه التصريحات اهتمامًا كونها تأتي على لسان ما يفترض أنه داعية مسلم، وتوظفها أحزاب يمينية متطرفة مثل حزب “استردوا أستراليا” Reclaim Australia.
يستخدم توحيدي مكانته المفترضة كعالم دين مسلم لمهاجمة المسلمين، وساهم اليمين المتطرف في تحسين صورته وتعزيز هذه المكانة المفترضة إعلاميًا. ففي عام 2018 استضاف مؤسس رابطة الدفاع الإنجليزية، تومي روبنسون، وهو ناشط إنجليزي مناهض بشدة للمسلمين، توحيدي ووصفه بأنه “أشهر إمام في العالم” وقال إنه يحظى بتقدير واسع في العالم الإسلامي ومعروف بمناقشاته الصريحة حول الدين الإسلامي، وتم استخدام توحيدي في مرات عديدة من قبل اليمين المتطرف بوصفه شاهدًا من داخل المجتمع الإسلامي كاستضافته، على سبيل المثال، من قبل السياسية الأسترالية المناهضة للمهاجرين بولين هانسون.
أصبح توحيدي نجمًا على وسائل إعلام عديدة بالرغم من ترويجه لمعلومات لا تستند إلى أي دليل. وفي فبراير/شباط 2017، بثت القناة الأسترالية السابعة برنامجًا استضافت فيه توحيدي، وروج فيه لمعلومات كاذبة وادعى أن هنالك خطة سرية للمسلمين في أستراليا لإقامة الخلافة على الأراضي الأسترالية.
يروّج توحيدي لخطاب الإسلاموفوبيا في الغرب وطالب مرارًا بحظر بناء المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية، وإنشاء هيئة تحقيق مختصة فقط في قضايا المسلمين. كما تجدر الإشارة إلى أن توحيدي أدلى بتصريحات متناقضة مع عمله كداعية مثل قوله إن الدين الإسلامي هو دين لا يمكن إصلاحه، وهذا الخطاب يثير شكوكًا خاصة عندما يصدر من قبل شخص يدعي أنه شخص ديني إصلاحي.
التضليل والترويج للدعاية الإسرائيلية
في شهر ماي 2019، استضاف دوف هيكيند وهو عضو سابق في جمعية نيويورك وناشط مؤيد لإسرائيل، توحيدي في محاضرة موجهة لمجموعة من اليهود وعرّفه للجمهور على أنه “بطل”. تحدث توحيدي في بداية المحاضرة أن المسلمين يخطئون في اعتبار القدس موقعًا مقدسًا، وأضاف “المسلمون الذين يقاتلون من أجل فلسطين في حيرة من أمرهم” لكن “فلسطين أرض يهودية”.
وبالرغم أنه ينشر صورًا للقدس والمسجد الأقصى في حسابه على موقع إكس، كنوع من الإعجاب بهذا التراث الاسلامي، إلا أنه يعيد نشر ادعاءات متناقضة في منشورات أخرى حول يهودية القدس ففي حديث له في نادي “الروتاري” في أديلايد الأسترالية كرر أن “فلسطين هي أرض يهودية وقال إنه لا يمكننا تغيير التاريخ ومن الأفضل أن نتقبل ذلك ونكون صادقين اتجاه الحقيقة والتاريخ”.
وبمراجعتنا لموقع توحيدي وجدنا بيانًا واضحًا يؤكد آراءه السابقة ومقالات عديدة تشير لاعتباره فلسطين أرض يهودية فقط، وأن القدس ليست مدينة إسلامية مقدسة في السياق الإسلامي التقليدي.
تمتلئ صفحته بمشاركات لمنشورات من صفحات إسرائيلية رسمية كصفحة الجيش الإسرائيلي وصفحة إسرائيل التابعة لوزارة الخارجية، ويعجب العديد من الإسرائيليين خاصة من اليمين المتطرف بمنشوراته ويعيدون مشاركتها. كما ينشر توحيدي مقالات عديدة يروّج فيها للسردية الرسمية الإسرائيلية مثل كون دولة إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وبدورها تنشر صفحات ووكالات إخبارية إسرائيلية آراء توحيدي وتروّج لها.
يهاجم توحيدي بانتظام مؤيدي القضية الفلسطينية، وعلى سبيل المثال، كرّس بعض خطاباته لتشويه صورة عضوتي الكونغرس المسلمتين إلهان عمر ورشيدة طالب، واتّهمهما مرات عدة بدعم “الإرهاب” وما سماه “تمرير أجندات حركة حماس في الكونغرس الأميركي”، كما خصص توحيدي في صحيفة ذا تايمز أوف إسرائيل مقالًا اتهم فيه عضو الكونغرس إلهان عمر “بدعم الجهاديين في كشمير”.
كما سبق أن نشر توحيدي عدة ادعاءات مضللة على صفحته في موقع إكس، كانت قد تداولتها صفحات إسرائيلية مثل الترويج لموقع مزور لحركة حماس سبق أن كشف مسبار عدم صحته في تحقيق. كما يروّج توحيدي بشكلٍ منظم لسردية مفادها أنّ تأييد القضية الفلسطينية هو تأييد للإرهاب، كما أعاد نشر تغريدات إسرائيلية مضللة مثل مزاعم أنّ الفلسطينيين يفبركون مشاهد موتهم، ونشره لادعاءات سبق أن كشف مسبار عدم صحتها، مثل ادعاء أن جثث الفلسطينيين تتحرك داخل الأكفان.
الجدير بالذكر أن توحيدي ناشط في الكتابة والترويج لـ”اتفاقات السلام”، إذ ظهر في مناسبات عدة ذات صلة، منها اجتماع ضم العشرات من الدبلوماسيين ورجال الدين ورجال الأعمال والأكاديميين في روما في قمة القيادة العالمية لاتفاقات أبراهام للسلام، وهو ما يطرح شكوكًا إذا ما كان يقوم بنشاط سياسي منظم.
هل توحيدي شيخ مزيف؟
يدعي توحيدي أنه حاصل على درجة الماجستير من جامعة المصطفى، ولكن عندما سُئلت الجامعة عن مؤهلاته الأكاديمية، نفت ذلك وذكرت كتابيًا في بيان أنه فشل في إكمال درجة البكالوريوس، وترك الدراسة بعد عام واحد فقط.
وفي حين يجري تقديم توحيدي على أنه صوت يمثل المسلمين يظهر تحقيق نشرته شبكة ABC الأسترالية، أن توحيدي ليس إمامًا، ولم يتم الاعتراف به كإمام من قبل مجلس الأئمة الوطني الأسترالي أو ما يعادله في جنوب أستراليا. وأنه ليس تابعًا لأي مسجد أو مركز صلاة أسترالي، ولكن تكثيف ظهوره الإعلامي ساهم في زيادة التعامل معه كمرجع لقضايا المسلمين، وكشف تحقيق آخر نشرته “ذا إنترسبت” أنه لا يعدو كونه رئيسًا لجمعية إسلامية في أديليد الأسترالية كان قد أسسها بنفسه، كما نقل التحقيق أنه كذب بخصوص أوراقه العلمية وتدريبه الديني الذي ادعى أنه حصل عليه في قم في إيران، والذي لم يثبت حصوله عليه.
يرأس توحيدي منظمة تدعى “الرابطة الإسلامية في جنوب أستراليا” والتي أشار تحقيق ABC الأسترالية أنه ربما تعمد اختيار هذا الاسم كي يتشابه مع الهيئة الرئيسية الفعلية التي تُمثل المسلمين في جنوب أستراليا، وهي “الجمعية الإسلامية في جنوب أستراليا”. وذلك كوسيلة لاكتساب شرعية من خلال خلق نوع من البلبلة بين التسميات.
المنتدى الإسلامي الأميركي للديمقراطية، نشر سلسلة من المقالات تتهم توحيدي بأنه ليس إمامًا إصلاحيًا، وقالت إن هنالك شكوكًا حول صدقيته كإمام إسلامي على الرغم من مواقفه الرافضة للإرهاب، واتهمته المنظمة بأنه رجل دين راديكالي من الطائفة الشيعية ويتخذ مواقف متشددة تجاه الطائفة السنية فقط.
في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أصدرت المحكمة العليا في ولاية فيكتوريا الأسترالية قرارًا يلزم توحيدي بدفع مبلغ 20 ألف دولار كتعويض عن اتهامات كاذبة أدلى بها على منصة إكس، ضد شخص يدعى مصطفى عوض والذي اتُهم من قبل توحيدي “بالترويج لتنظيم داعش”. كانت الاتهامات تتضمن افتراضًا بأن عوض استخدم وظيفته كمحام ووكيل للهجرة لجلب ما سماهم توحيدي “الإرهابيين” إلى أستراليا. كما كان أتباع توحيدي على وسائل التواصل الاجتماعي يبلغون عن عوض زاعمين أنه “متطرف”، مع التشهير بسمعته مثل نشر رقم هاتفه وعنوان بريده الإلكتروني وملفات عمله الشخصية.
مخاطر محتوى توحيدي
إن المحتوى الذي يقدمه توحيدي وبالرغم من طابعه المضلل، ما زال يحقق انتشارًا متزايدًا كونه يعمل تحت شعار النقد الداخلي للدين، وهو ما يزيد من التفاعل مع المحتوى، إذ يلتف المتابعون حول هذا النوع من النقد كونه ينقل تجربة شاهد داخل المجموعة، مما يزيد من موثوقيته، ويقلل من احتمال مراجعة المعلومات من قبل المتلقي العادي، وما يؤدي بالمحصلة لجعل المعلومات غير المستندة إلى دليل أكثر قابلية للتصديق. ويزيد من الاعتقاد لدى المتلقي في أن هذا النوع من الخطاب يتسم بالحياد كون من يقدمه ينتقد جماعته الخاصة التي من المفترض أنها تمثل مصالحه، ويجذب هذا النوع من المحتوى أطرافًا قد تعمل على توظيفه سياسيًّا، خاصة ضمن السياسات الشعبوية واليمينية ومروجي خطاب الكراهية، كونه يحقق لهم أغراض التباين والتنوع في مصدر المعلومة، وبالمحصلة مزيد من الترويج والانتشار للمحتوى.
كما يزيد هذا المحتوى من اهتمام وسائل الإعلام كونه يقدم نمطًا جديدًا وغير معتاد من المعلومات. وبالنتيجة يمنح المحتوى غير الدقيق انتشارًا أكبر، وخاصة في ظل استمرار وسائل إعلام في استضافة توحيدي وعدم إجراء تدقيق مباشر للمعلومات التي يطرحها.
المصدر:مسبار