إمام مغربي يتحدى وزير داخلية فرنسا..”من يضحك أخيرا يضحك كثيرا”؟!
أوقفت محكمة إدارية فرنسية أمس الجمعة تنفيذ أمر وزير داخلية فرنسا جيرالد دارمانا بترحيل الإمام والداعية المغربي حسن إكويوسن ،اتهمته الحكومة بالحض على الكراهية وتقول إنه يمثل تهديدا للمجتمع. حيث أعلن وزير الداخلية الثلاثاء الماضي، حصوله على موافقة المغرب بأصدار “تصريحاً قنصلياً، لطرد حسن إكويوسن قبل 24 ساعة”.. وذكّر دارمانا ضمن أسباب طرد الإمام المغربي، “أن المعني أدلى بتصريحات معادية للسامية ، ومعادية للأجانب بشكل علني، ومعادية للمثليين ، ومناهضة لحقوق المرأة وللمساواة بين المرأة والرجل، بشكل علني وأطروحاته تآمرية كذلك وصفه الهجمات الارهابية التي ضربت فرنسا عام 2015 بالهجمات الزائفة ومن ثم ما من سبب يبرر بقاءه على التراب الوطني”. ورفضت السلطات تجديد إقامة الإمام بسبب ما تعتبره خطابه الإشكالي وقرر والد حسن إيكويوسن المولود في فرنسا والمقيم في لورش بشمال البلاد لدى بلوغه سن الرشد عدم اختيار الحصول على الجنسية الفرنسية. وهو يحمل مذاك الجنسية المغربية. وقد بقي في فرنسا منذ ذلك الحين بموجب تصاريح إقامة. فيما تلقى الداعية دعم معظم مساجد البلاد الذين أكدوا أنه ضحية “خطأ واضح في التقييم.
متابعة : خالد سعد زغلول.باريس
وأسرعت محامية المتهم لوسي سيمون، بتقديم طلبا مستعجلا للمحكمة ، قائلة إن “الحق في الإنصاف الفعال مكفول بموجب الدستور، ولا يمكن طرد السيد إكويسن قبل أن يحكم قاض محايد في شرعيته أو إحالة قضيته على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ولكن سبق أن رفضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الخميس طلبا بتعليق إجراء طرد الإمام من فرنسا إلى المغرب، وأبلغت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومقرها ستراسبورج الأربعاء الماضي بالقضية بموجب المادة 39 من نظامها التي تسمح لها بإصدار أمر باتخاذ “تدابير مؤقتة” عندما يتعرض مقدمو الطلبات “لخطر حقيقي بحدوث أضرار لا يمكن إصلاحها”. وقالت المحكمة في بيانها “نظرا لخطورة التهديد على النظام العام، اعتبر الوزير (الداخلية) أنه لم يتم المساس بحقه في الحياة العائلية بصورة غير متناسبة”.
محكمة باريس تحرج الوزير وترفض طرد الإمام
أمرت محكمة باريس وزير الداخلية بمراجعة قضية إيكويوسن في غضون ثلاثة أشهر وبأن يرد إليه تصريح الإقامة الصادر له على الفور. وقبلت المحكمة طلب محامية الإمام لوسي سيمون واعتبرته لا يشكل أي تهديد للنظام العام أو للدولة وطعنت في جميع التظلمات التي ذكرتها ممثلة وزارة الداخلية. وقضت المحكمة بأن هذا القرار يتدخل بشكل غير متناسب في الحياة الخاصة والعائلية للإمام باستثناء الأقوال القديمة عن ربات البيوت والتي تعتبر تمييزية وقالت بأن الوزير يملك أجندة سياسية والعدل لن يتأثر بذلك.
بيان الوزير قرار محكمة باريس الإدارية بشأن طرد السيد إكيوسن
أصدر وزير الداخلية الفرنسية بيانا فور قرار المحكمة حصلنا على نسخة منه قال فيه: ” على الرغم من الرأي الإيجابي الصادر عن لجنة الطرد ، على الرغم من ترؤسها من قبل قاضي الصلح للأمر القضائي وتأكيد شرعية التدبير من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ، إلا أن المحكمة الإدارية في باريس علقت للتو ، تنفيذ قرار طرد السيد حسن إكيوسن في أمر مؤقت ،
وفي ضوء هذا القرار ، يعلن جيرالد دارمانا ، وزير الداخلية وأقاليم ما وراء البحار ، العزم على محاربة أولئك الذين يبدون وينشرون تعليقات ذات طابع معاد للسامية ومخالفة للمساواة بين المرأة والرجل ، وأرسل نداء إلى المجلس الدولة لاستأنف الحكم”.
بيان رئيس مسلمي فرنسا
فيما أعلن رئيس منظمة مسلمي فرنسا أكبر تجمع للجالية الاسلامية في البلاد الدكتور محسن إنقزو في بيان، حصلت “صوت الضفتين” على نسخة منه قال فيه: “بفرح وصفاء وثقة تلقيت هذه المعلومات حول قرار تعليق الحكم ، مرة أخرى ، تنقذ العدالة الفرنسية جمهوريتنا من التعسف. لكن الطريق لا يزال طويلا ومليئا بالمزالق. نستمر في زخم وروح المواطنة . أما حسن ، فكما قلت ، سيخرج من هذه المحنة أقوى وأكثر تقديراً. شكراً لكم جميعاً على دعمكم الصادق والأخوي ولا سيما لأخينا الحاج بريز على الدعم الروحي للغاية. هذا مجد لحسن أبارك لفريقه ومبروك لمحاميته.
حقوق الانسان تنصفه أيضاً
أصدرت رابطة حقوق الإنسان الفرنسية بيانا ، حصلت “صوت الضفتين” على نسخة منه استنكرت فيه قرار الحكومة الفرنسية بطرد الإمام المغربي، وقالت المنظمة غير الحكومية إن كلاً من وزير الداخلية جيرالد دارمانا وحاكم منطقة فرنسا العليا ، جورج فرانكويس لوكليرك ، رفضا تجديد تصريح إقامة الإمام الفرنسي المولد.
وأشارت المنظمة غير الحكومية إلى أن الإمام ، الذي يعيش في فرنسا منذ ولادته ، بموجب تصريح إقامة تم تجديده دون أي مشكلة عند كل طلب. ودافعت رابطة حقوق الانسان عن الإمام قائلة إن سلوك حسن إكويوسن لم يتغير بين الفترات التي سبقت التجديد السابق أو بعده ، وأن أسباب رغبة الحكومة الفرنسية في طرده تعود إلى عشرين عامًا. على الرغم من أن الإمام لا يشكل أي تهديدات أمنية ، فإن السلطات تريد طرده لإرضاء الوزير الذي يعطي مرة أخرى تعهدات لليمين المتطرف”.
كما دعت إلى احترام معتقدات حسن إكويوسن كمسلم ، وشددت على أن الإمام لم يواجه بعد أي تهم جنائية.
فيما يسيطر اليوم الفرح والثقة على عشيرة إكويوسن ،قال أصحابه المقربون “نحن سعداء جدًا بهذا القرار ومرتاحون. سيتمكن حسن إكويوسن من الدفاع عن نفسه بناءً على الأسس الموضوعية. كانت ومازالت لدينا ثقة في العدالة الفرنسية”.
في المقابل تلقى أعضاء اليمين المتطرف الخبر بحزن شديد وانتقدوا بسوء التنسيق فيما بين وزيري الداخلية والعدل حتى أن زعيمة التيار الشعبوي مارين لوبن( مؤسسة ورئيسة حزب التجمع الوطني) وصفت قرار المحكمة بأنه دليل على جبن الحكومة وهي تأسف على ذلك وهي تبدو في مقدمة الساخطين ، استنكرت وتشكيلاتها اللوبينية “عجز” وزير الداخلية فيما كان جوردان بارديلا ، المرشح لرئاسة الجبهة الوطنية ، شديد الضراوة. واتهم بشكل خاص دارمانا بـ “الاستهزاء بفرنسا” وبتقديم “النصر لمناضلي الإسلام السياسي الذين يتحدونها”.
“خطأ في التقييم”
لقد أثار إعلان وزير الداخلية طرد الإمام سلسلة من الاحتجاجات واشعل الغضب في جموع المسلمين والحقوقيين الفرنسيين على السواء. ففي بيان، قدم 40 مسجدًا في شمال فرنسا وأكثر من 300 ألف مسلماً دعمهم للإمام حسن إيكويوسن، مؤكدين أنه ضحية “خطأ واضح في التقييم”. لكن وزير الداخلية رأى أن “هذا الإمام ألقى منذ سنوات خطاب كراهية ضد قيم فرنسا يتعارض مع مبادئها للعلمانية وقيم الجمهورية الفرنسية”.
ولم يكن طرد الإمام البالغ من العمر 57 عاما وهو أب لخمسة أبناء بالغين، ممكنا قبل قانون الانفصالية لكن بسبب نشاطه على شبكات التواصل الاجتماعي وخصوصا على قناة يوتيوب حيث يتابعه 669 ألف شخص، بينما يتابع صفحته على فيس بوك 400 ألف شخص ويملك قاعدة شعبية كبرى لدى شباب المهجر العربي في فرنسا. وقد شددت حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون القوانين لمواجهة ما تعتبره مؤشرات على انتشار التطرف، غير المرتبط بالعنف غالبا، في التجمعات الإسلامية في البلاد. وأشارت إلى كونها لن تقبل رفض بعض الرجال المسلمين مصافحة النساء، ومطالبة الفتيات بارتداء النقاب، وانتشار المدارس الإسلامية.
انتقدت الجالية المسلمة في فرنسا بشدة “قانون الانفصال” ، بحجة أنه يستهدف الأقلية المسلمة في البلاد. كان القانون جزءًا من برنامج ماكرون لمكافحة الإرهاب بعد الهجمات الشنيعة في فرنسا العام الماضي ، لكن العديد من المراقبين وصفوه بأنه أحد أفضل الدلائل على التأرجح إلى اليمين المتطرف في المجتمع الفرنسي وتشدد الخطاب السياسي.إذ وجهت عريضة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون بهذا الخصوص. وطالبته شخصيات ثقافية وحقوقية فرنسية شهيرة ،بوقف قرار الطرد في حق الإمام المغربي بمنطقة الشمال. ويقود هذه العريضة كل من الصحفي فؤاد البحري، والكاتبة الجامعية ماري آن بافو، والمؤرخ الفرنسي الشهير فابريس ريسبوتي، والروائي فرانسوا كيز، بالإضافة إلى شعراء ونقاد سينمائيين وكتاب يهود بل وثلاثة حاخامات.
وأكدت العريضة، أن التهديد بالطرد، الذي أصدره دارمانا، ضد الإمام دليل على وجود عقبات أكثر خطورة أمام سيادة القانون وتصنيف الجمهورية الفرنسية للأعداء الداخليين.
وأوضح الموقعون على العريضة، أن مسألة التموضع العقائدي والديني للإمام الذي يثيره وزير الداخلية ، لا تهم كثيرا في الحقيقة. مشددين على أن التهديد بالطرد الذي أعلنه الوزير ، هو تنفيذ لتفاقم الترسانة التشريعية العنصرية، وتحديدا المعادية للإسلام التي تم التصويت عليها وإصدارها في عهد ماكرون مع قانون الانفصالية سيء الصيت.
حجة متوازنة وحضور هائل لأنصار إمام الشمال
لكن القضية لم تنته بعد، إذ يتوجب على مجلس الدولة ، الذي ينظر في استئناف من قبل جيرالد دارمانا ، أن يصدر حكمه في غضون خمسة عشر يومًا ويقرر تأكيد أو إلغاء تعليق الطرد .ولكن هذا أول انتصار للإمام حسن إكويوسن وأنصاره ، أما الخاسر الأكبر في هذه القضية فهو جيرالد دارمانا. الذي اتخذ هذا الاجراء كدليل على سياسة صارمة ومتشددة ضد “الخطاب المنحرف” كما اسماه الوزير المنبثق من رجال الدين الاسلامي.
لكن الرجل لا يملك خطابا منحرفا ولكن وزير الداخلية يخشى أن يتحول إلى طارق رمضان جديد له ملايين المتابعين وبإمكانه التأثير على الساحة الفرنسية والأوروبية ولن تتمكن السلطان من السيطرة على الموقف بعدما أصبح ينتشر في جموع المسلمين كالنار في الهشيم..لذلك وقع قرار المحكمة على دارمانا بمثابة ” دش بارد ” في عز حر الصيف الفرنسي حيث كان الإمام بناء على تعليماته على وشك الطرد الفوري من الأراضي الفرنسية إلى المغرب ، بلده الأصلي. بل كان يتباهى في البرلمان خلال استجواب نائب يميني متطرف ( من حزب التجمع الوطني) قائلاً له :”لقد وقّعت بنفسي على أمر الطرد الوزاري للسيد حسن إكويوسن مشيرا إلى أنه لن يكون بإمكان المعني بالأمر العودة إلى فرنسا ،معتقدًا أن الإمام ليس لديه ما يفعله على التراب الفرنسي لتراكم التصريحات التي ادلى بها منذ حوالي عشرين عامًا. وقد تم إدراجه في ملف المطلوبين. وضع يعتبر غير متناسب على الإطلاق بالنسبة للعديد من القادة المسلمين المؤثرين في المشهد الإسلامي في البلاد الذين أعربوا عن دعمهم له. بينما اكتفى وزير الداخلية لاستأنف هذا القرار أمام مجلس الدولة.
بيد أنه مازال جدل طرد الإمام المغربي، من قبل وزير الداخلية مستمرا، ومازالت أطوار القضية مشتعلة ومازالت منظومة الإسلام في فرنسا تحتاج إلى إعادة ترتيب البيت والاسراع في تنظيم لقاءات بين رموزها ووزير الداخلية الذي يشرف على إدارة الاديان في بلد علماني بامتياز، حيث يأمر فيه الدستور بعدم تدخل الدولة في شؤون الدين وهذا تناقض غريب في بلد حقوق الإنسان!!
إشكالية أخرى تكمن عدم فهم الدولة الفرنسية للديانة الإسلامية فهناك ثوابت في العقيدة لا نستطيع تغييرها خصوصا في الشريعة والسنة النبوية الا ان بعضها تم حذفه وفق معطيات العصر كقطع يد السارق ورجم الزاني الخ لكن المباديء الدينية يجب ان تعيها فرنسا كي لا تصدم بالمسلمين والا سيضطر دارمانا لطرد نصف أئمة فرنسا..ويبقى سؤال :هل تنتصر العدالة أم تنتصر السياسية في فرنسا؟ هذا ما ستظهره الأحداث القادمة وإن غداً لناظره قريب.