الأستاذ في القانون الدولي والعلاقات الدبلوماسية. يوسف بن عثمان الصغيريكتب: الكلمة أمانة لا خيانة و المعارضة رسالة لا وسيلة - صوت الضفتين

الأستاذ في القانون الدولي والعلاقات الدبلوماسية. يوسف بن عثمان الصغيريكتب: الكلمة أمانة لا خيانة و المعارضة رسالة لا وسيلة

إلى من يقدّمون أنفسهم كإعلاميين ومعارضين، ويختبئون خلف لافتات حرية التعبير والديمقراطية، متى شاءوا، ويخلعونها متى تعارضت مع المصالح:

اعلموا أن المعارضة ليست رخصة مفتوحة للإساءة، ولا تصريحًا دائمًا للابتزاز، ولا بطاقة مرور للطعن في الدولة ومؤسساتها كلما تغيّرت الأجندات أو انخفضت نسب المشاهدة. فالكلمة مسؤولية قبل أن تكون حقًا، والمنبر أمانة قبل أن يتحول إلى بضاعة في سوق المزايدات السياسية.

حين يتحول الإعلام إلى منصة للسبّ والتشهير، وتُستبدل المعلومة بالإشاعة، والتحليل بالتحريض، والنقد بالتخوين، فلا تتحدثوا كثيرًا عن “الإعلام الحر”. ما نراه عندها ليس حرية رأي، بل فوضى رأي، وليس معارضة وطنية، بل ضجيجًا عالي الصوت ضعيف الحجة. لا الدستور وُضع ليحمي هذا السلوك، ولا الحرية شُرعت لتُستخدم كسكين في خاصرة الوطن.

أنتم تعلمون — أو يُفترض أنكم تعلمون — أن الفرق واضح بين النقد الذي يهدف إلى التقويم، والهجوم الذي لا يتقن سوى الهدم؛ بين كشف الاختلالات، وبيع أسرار الدولة في مزاد علني تحت مسمى “سبق إعلامي”؛

بين معارضة تسعى للإصلاح، وأخرى تعيش على الأزمات وتتغذى على الفوضى. ومن يخلط بين هذه الخطوط الحمراء لا يفعل ذلك سهوًا، بل عن سابق إصرار وترصد. لا تُحمّلوا الدولة فشل خطابكم، ولا تتذرعوا بالحرية لتبرير هذا الانحدار الأخلاقي.

فالإعلام الذي يفقد شرف الكلمة يتحول إلى آلة تضليل، والمعارضة التي تُضعف الوطن لا يمكنها الادعاء — ولو بالصوت العالي — أنها تمثل الشعب. الوطن ليس ساحة لتصفية الحسابات، ولا ورقة تفاوض، ولا مادة خام للتجارة السياسية الموسمية. إن كنتم معارضين حقًا، فعارضوا بشجاعة ومسؤولية، لا بالهمس في الغرف المغلقة والصراخ على الشاشات. وإن كنتم إعلاميين، فقولوا الحقيقة كاملة — لا نصفها المفيد لكم — أو وفروا علينا هذا الادعاء.

أمّا اللعب على الحبال، وارتداء ثوب الوطنية نهارًا، ثم اغتيالها ليلًا عبر المنصات، فلن يصنع معارضة محترمة ولا إعلامًا يُؤتمن، بل يكشف زيف الخطاب عاجلًا أم آجلًا… مهما طال العرض وكثرت الإعادات. وفي الختام، نعم، قد تكون هناك إخلالات وتجاوزات داخل السلطة الحالية، من القاعدة إلى قمة الهرم، وهذا أمر لا ينكره عاقل ولا يُحرّم نقاشه أو نقده ضمن الأطر المسؤولة. لكن ذلك لا يخول لأي فرد أو مجموعة — مهما كان انتماؤها أو أيديولوجيتها — أن تُشوّه الوطن، أو تمسّ من أمنه الداخلي والخارجي، أو تتجاوز إلى تشويه الأعراض والمساس بالكرامة الإنسانية. فحين يُكسر هذا الخط، لا يعود الأمر معارضة ولا إعلامًا، بل عدوانًا صريحًا على المجتمع بأسره. وفي نهاية المطاف، كلّنا زائلون، وتبقى تونس فوق كل اعتبار، أكبر من الأشخاص، وأسمى من الحسابات، وأبقى من كل خطاب عابر

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

French