نشيدان يحكيان قصة واحدة : فدائي الفلسطيني وحماة الحمى التونسي ... حين تغني الشعوب كفاحها - صوت الضفتين

نشيدان يحكيان قصة واحدة : فدائي الفلسطيني وحماة الحمى التونسي … حين تغني الشعوب كفاحها

بقلم:نزار الجليدي

في زحمة أصوات البنادق، وعبر ظلال الاستعمار والاحتلال، لم تكن الشعوب تُعبر فقط بالسلاح، بل غنت، وهتفت، ورددت أناشيدها كما لو كانت تقرأ بيانها الأول للعالم. من بين هذه الأناشيد الخالدة، يتصدر النشيد الوطني الفلسطيني “فدائي” والنشيد الوطني التونسي “حماة الحمى”، ليشكّلا معًا ملامح وجدانٍ عربيٍ مقاوم، لا يزال ينبض حتى اليوم.

في كليهما، فلسطين وتونس، ثمة وجع طويل، وتاريخ من النضال، وصرخة حرية لا تخبو. كتب الشاعر المصري سعيد المزين “فدائي” كأنما يُصيغ قسمًا أبديًا على أن الأرض لا تُحرر إلا بالتضحية، فيما صاغ الشاعر التونسي مصطفى صادق الرافعي كلمات “حماة الحمى” لتكون صدىً لروح مقاومة شعبٍ أبيّ قاوم الاستعمار الفرنسي واستعاد كرامته الوطنية.

“فدائي” ليس مجرد نشيد وطني لفلسطين، بل هو مرآة لتاريخها، صوت الفتى الذي رفع الحجر، وصورة الأم التي زغردت لابنها الشهيد. هو وعد من لا يملك سوى دمه، بأنه سيحيا فدائيًا، ويموت واقفًا. أما “حماة الحمى”، فهو صوت الأمة الصامدة، زئير الثائرين في الجبال، الذين أقسموا أن تونس لا تكون إلا حرة، لا تُستباح ولا تُباع.

كلا النشيدين يجتمعان على ثلاثة مفاصل أساسية: الدم، القسم، والكرامة. ففي تونس، تُقدس الأرض بدم المقاومين من علي بن غذاهم إلى الحبيب بورقيبة ورفاقه، وفي فلسطين، لا يُصان التراب إلا بالقتال المستمر. نشيد “حماة الحمى” يحمل بعدًا سياديًا يعلو فيه نداء الوطن فوق كل شيء، بينما “فدائي” يتحدث بلغة الانتماء الشخصي، حيث “أنا” الفدائي تصبح “نحن” الوطن.

ثمّة موسيقى خفية تربط النشيدين، موسيقى الثورة، لا تلك التي تُعزف بالآلات، بل تلك التي تعزفها القلوب التي لا تقبل الذل. من ساحات المقاومة في القصبة وبنزرت إلى سجون النقب وعوفر و”ركيفت”، يتواصل لحنٌ واحد: أن الحرية لا تُوهب، بل تُنتزع.

لقد علّمتنا تونس أن النشيد سلاح، وأن القصيدة قد تسقط مستعمرة. واليوم، تُذكّرنا فلسطين أن “فدائي” ليس نشيدًا للجنود، بل لكل من يرى في الحرية فرض عين.

في النهاية، لم يكتب الفلسطيني نشيده ليغني فقط، بل ليُبقي على جذوة الثورة مشتعلة. ولم ينشد التونسي “حماة الحمى” عبثًا، بل ليكون صدىً لمعركة من أجل السيادة والانعتاق من المستعمر.

هكذا يلتقي نشيدان، لا على لحن فقط، بل على هوية مشتركة لشعبين لم تُكسر إرادتهما. فحين يغني الفلسطيني “فدائي”، يسمعه التونسي وكأنه يردد “حماة الحمى”، وحين يتغنى التونسي بنشيده، يشعر أن روح فلسطين تُكمل النشيد.

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *