‘حقّ الملح’.. أصل الحكاية وتسميتها…

في الأيام الأخيرة من رمضان، وبينما تستعد العائلات لاستقبال العيد، تبقى بعض العادات والتقاليد صامدة، رغم تغيّر أنماط الحياة واندثار كثير من الممارسات القديمة.
ومن بين هذه العادات التي لا تزال تُحافظ على مكانتها في البيوت التونسية، عادة “حقّ الملح”، التي يحرص الكثيرون على إحيائها كلّ عام، متناقلين تفاصيلها من جيل إلى جيل، كرمز للمودة والتقدير في ختام الشهر الكريم.
ما قصّة هذه العادة؟
يُعد “حق الملح” من العادات المتوارثة في عدد من الدول العربية، وبالأخصّ في المغرب العربي، حيث يُعبّر الزوج عن امتنانه لزوجته وتقديره لجهودها في رعاية المنزل والأبناء طوال شهر رمضان المبارك، من خلال تقديم هدية ذات قيمة في اليوم الأوّل من العيد أو في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل.
وتُعتبر عادة “حقّ الملح” بمثابة تعبير عن امتنان الزوج لجهود زوجته، وهي أيضا رمز لعمق العلاقات الأسرية، حيث يُؤكّد المختصّون الاجتماعيّون على أنّها تحمل في طياتها تقديرا متبادلا بين الزوجين وتُظهر الأواصر القوية بينهما.
وتختلف هدية “حقّ الملح” من زوج لآخر، حيث يُفضل البعض تقديم قطعة من الذهب أو مبلغ مالي، بينما يختار آخرون هدايا عينية مثل الأجهزة المنزلية أو الملابس. هذه الهدية، مهما كانت بسيطة، تظل تعبيرا عن الاعتراف بمجهودات الزوجة، وتُعزّز العلاقات الأسرية في زمن تزداد فيه المسافات بين أفراد العائلة.

ما أصل التسمية؟
يُشير مصطلح “الملح” في بلاد المغرب العربي إلى “العشرة”، أيّ أنّ هذه الهدية تُمثّل اعترافا بحقّ العشرة بين الزوجين. وهناك تفسير آخر يقول إنّ هذه العادة سُميت بهذا الاسم بسبب أنّ الزوجة في بعض الأحيان كانت تضطر إلى تذوق ملوحة الطعام أثناء صيامها على طرف لسانها، دون أن تبتلعه، وذلك للتأكّد من أنّ ملوحة الطعام معتدلة.
وتقتضي التقاليد أن تتزين الزوجة في أول أيام العيد، وتبخر منزلها، وترتبه قبل استقبال زوجها العائد من صلاة العيد. ثم تُقدّم له فنجان قهوة إلى جانب حلويات العيد، لكن هذا الفنجان لا يُرد خاليًا، إذ يقوم الزوج بعد انتهائه من شربه بوضع هدية بحسب استطاعته.
وتعتبر هذه العادة، كما أشرنا سابقا، تعبيرا عن تقدير الزوج لزوجته في صباح عيد الفطر المبارك، وهي تكريم خاص لها. وفي الماضي، كانت الهدايا التي تُقدم في هذه المناسبة تتنوع بين قطعة ذهبية أو حتّى قماش حريري يُصنع منه ما يُسمى “محرمة الفتول”. ذلك الاعتراف بالتضحيات التي بذلتها الزوجة طوال شهر رمضان.
أمّا عن الملح، فإنّه يعود إلى رمزية عميقة في العديد من الثقافات، حيث كان الملح يُعتبر عنصرًا أساسيًا في الحياة اليومية، ليس فقط للطهي، بل أيضًا كرمز للحفاظ على العلاقة المستدامة بين الأشخاص. ففي العصور القديمة، كان الملح يمثل الصدق والوفاء، وكان يُستخدم للحفاظ على الطعام، مما جعل له علاقة قوية بفكرة الحفاظ على العلاقة بين الزوجين.