الكاتب و المحلل السياسي نزار الجليدي يكتب /أسبوعان على طوفان الأقصى... من خسر و من فاز؟ و كيف تغير العالم؟ - صوت الضفتين

الكاتب و المحلل السياسي نزار الجليدي يكتب /أسبوعان على طوفان الأقصى… من خسر و من فاز؟ و كيف تغير العالم؟

 

لم تعد غزة نفسها قبل السابع من أكتوبر و بعده فبين قطاع و ضفة مر اسبوعان من الخراب و الدمار. القنابل و الصواريخ انهمرت كالمطر على الفلسطنيين، لم تفرق بين الأطفال و النساء و الشيوخ و دمرت كل شيء في طريقها تاركة وراءها قتلى و جرحى و بيوتا هدّمت و اقتصادا ينزف على الجانبين.

قلوب العالم تألمت لأجل هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين فقدوا بيوتهم و ذويهم أو فقدوا حياتهم. فثلث الضحايا الفلسطنيين من الأطفال.

الشوارع في غزة تحولت إلى مقابر جماعية فلا تجد فيها سوى القنابل و القتلى. فالصواريخ الاسرائيلية جعلت الخسائر في الأرواح و الممتلكات تنجاوز كل المواجهات السابقة. نصف سكان غزة هربوا من منازلهم خوفا من الموت فيما ترتفع أصوات الناجين و الناشطين و المجتمع الدولي يطالبون بوقف هذا الجحيم الذي يعيشه أهل غزة و إنهاء هذا العذاب الذي لا يمكن تحمله أكثر من ذلك.

و كل ما يمكن توقعه من سناريوهات بعد انتهاء الحرب لن يكون إلا سيئا بكل المقابيس فالخسائر جسيمة لكلا الطرفين.

و مع اقتراب الحرب من دخول أسبوعها الثالث على التوالي فان الخسائر و الاضرار المالية و الاقتصادية تبدو هائلة جدا. فالبنية التحتية و السكانية تضررت بصورة تفوق في مجملها ما حدث في جميع جولات التصعيد و الحروب السابقة. فحصر الأضرار يشمل أعداد القتلى و الجرحى و الدمار في الوحدات السكنية و المنشٱت و المرافق العامة و الخسائر الاقتصادية فضلا عن الواقع الانساني الذي لم يسبق له مثيلا خلال التصعيدات السابقة بمنع كل الامدادات الحياتية و المعيشية و الطبية.و راح ضحية الحرب أكثر من 3500 فلسطيني و أكثر من 13 ألف جريح بينهم أطفال و نساء في حين تجاوز عدد النازحين حاجز المليون و هو نصف عدد سكان غزة تقريبا.

فخلال الأيام الأولى للتصعيد الاسرائيلي على غزة تعمدت تل أبيب استهداف الأبراج السكنية و التجمعات في قلب مدينة غزة التي تشهد ارتفاعا في أسعار الشقق السكنية حيث يتراوح سعر الشقة الواحدة مابين 70 إلى 100 ألف دولار و يعكس ذلك تعمد اسرائيل توجيه ضربة اقتصادية كبيرة للقطاع يصعب من خلالها إعادة الإعمار خلال فترة زمنية وجيزة.

وكيل وزارة الأشغال العامة و الإسكان في غزة أكد أن التقديرات الحالية تشير إلى وجود 100ألف وحدة سكنية متضررة بشكل متوسط و طفيف بالإضافة إلى 7 ٱلاف وحدة سكنية مدمرة بشكل بالغ بحيث أصبحت غير صالحة للسكن و تحتاج إلى إعادة تأهيل. و تظل هذه الأرقام قابلة للارتفاع في ظل عدم تمكن الطواقم الحكومية من حصر جميع المناطق نظرا لصعوبة القيام بذلك في الكثير من المناطق مثل بيت حانون جراء استمرار الاستهداف المكثف للمناطق السكنية. و هو ما يجعل أعادة الإعمار أمرا شبه مستحيل و ربما تحول قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للعيش بتاتا.

خسائر هذه الحرب فاقت جميع خسائر الفلسطنيين في كل الحروب و جولات التصعيد التي شنتها اسرائيل على القطاع و التي استمرت قرابة 100 يوم في فترة مابين 2008 و حتى 2021 و يتزامن هذا مع تراجع واضح في المواقف الدولية تجاه ماتفعله اسرائيل إذ يواصل الإسرائليون غاراتهم و القصف المكثف على كامل القطاع في ظل ضوء أخضر أمريكي و غربي. فقد قامت اسرائيل بقصف صاروخي مروع لساحات مستشفى الأهلي المعمداني في حي الزيتون بمدينة غزة راح ضحيته أكثر من 500 فلسطيني و خرجت مظاهرات عارمة في العديد من مدن و عواصم دول العالم خاصة العربية منها للتنديد بما فعلته اسرائيل في فلسطين و هو ماقامت به أيضا الدول العربية و المنظمات الدولية و الحقوقية واصفين هذا القصف بالوحشية نظرا لأنه لم يخلف جرحى فالكل قتل.

أما على الجانب الٱخر للحرب فقد قتل في اسرائيل ما لا يقل عن 1400 شخص بينهم 306 جنود و جرح حوالي 3800 ٱخرين منذ بداية هجمات الفصائل الفلسطينية . كما وقع 203 من الأسرى بيد الفصائل. أما الخسائر الاقتصادية فقد طالت العديد من القطاعات ملوحة بكارثة منتظرة فالحرب و تبعاتها وجهت ضربة قوية لقطاع التكنولوجيا في تل أبيب فشركات مثل جوجل و مايكروسوفت و ٱبل و غيرها من الشركات الكبرى تمتلك في اسرائيل مراكز أبحاث و تطوير. هذا القطاع يكاد يتوقف بسبب استعداد أعداد كبيرة من الموظفين للالتحاق كجنود احتياط لدعم سلاح وهي الطيران و الهندسة بالجيش الاسرائلي و ذلك بعدما استدعت اسرائيل اكثر من 300 ألف جندي احتياط. أما في قطاع الطاقة فبلغت الخسائر ملايين الدولارات يوميا نتيجة تقلص حاد في استخراج الغاز بشرق المتوسط و ضعف الثقة بالشيكل الاسرائيلي و تراجع سعر صرفه إلى أدنى مستوياته أمام الدولار منذ 2015 إذ وصل سعر الدولار الواحد إلى 4 شواكل وسط قلق المستثمرين بشأن الحرب التي تخوضها اسرائيل فقد قدرت كلفة الخسائر الاولية التي تكبدها الاقتصاد بنحو 27 مليار شيكل أي مايقارب من 7 مليارات دولار و ذلك دون اعتبار الخسائر في قطاع الطيران و توقف الأعمال االتجارية و المصانع و فقدان الثقة في العمل داخل اسرائيل و هروب الاستثمارات. و يتوقع ان تكون لهذه الحرب تداعيات على الميزانية العامة.

و مع ان وقف التصعيد امر صعب المنال فإن التهديد بالامتداد الى حرب اقليمية اوسع نطاقا يبدو احتمالا مرجحا. فقد زار الرئيس الامريكي جو بايدن الاسبوع الماضي تل ابيب لتقديم الدعم لاسرائيل و أيد فكرة أن القصف على المستشفى في غزة من صنع أياد فلسطينية و اأضاف بايدن أنه أبرم اتفاقا مع السيسي للسماح بدخول المساعدات الإنسانية الى غزة. و أجرى رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا سلسلة من المكالمات الهاتفية مع قادة قطر و الامارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية التي أعلن فيها الأمير محمد بن سلمان غضبه ازاء الهجوم على المستشفى و عن تقديم مساعدة بقيمة 10ملايين من الدولارات للفلسطنيين كما أعلنت روسيا انها ستسلم 27 طنا من المساعدات الانسانية الى أهالي غزة.

كما ابلغ الرئيس الصيني رئيس الوزراء المصري ان بيكين تريد تعزيز التعاون مع مصر من اجل الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط .

هذا بالاضافة لقمة مصر الدولية للسلام لمناقشة خفض التصعيد في قطاع غزة و الأراضي الفلسطينية بمشاركة زعماء العديد من الدول العربية.

و لكن و في خضم هذا تبدو النهاية غير واضحة في أفق تل أبيب إذ لا توجد خطة للتعامل مع القطاع الفلسطيني المدمر حتى ان انتصرت في ساحة المعركة. فالاستراتيجية الاسرائيلية الٱن هي تدمير البنية التحتية في غزة حتى على حساب سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين و دفع سكان القطاع نحو الحدود المصرية و ملاحقة الفصائل عن طريق تفجير الانفاق التي بنتها تحت الأرض.

مسؤولون اسرائليون أكدوا ذلك بقولهم انه ليست لديهم فكرة واضحة عما ما قد يبدو عليه المستقبل ما بعد الحرب. و في تقرير نشرته رويترز اوضح ان الفصائل الفلسطينية قامت بالتعبئة من أجل الغزو البري المحتمل و زرعت ألغاما مضادة للدبابات و خططت لنصب كمائن للقوات الاسرائيلية. و من المتوقع ان يكون الهجوم الاسرائيلي القادم اكبر بكثير من العمليات السابقة في غزة التي اضعفت القدرات العسكرية للفصائل لكن من دون القضاء عليها و قد خاضت اسرائيل ثلاثة صراعات سابقة مع الفصائل في 2009 و 2012 و 2014 و شنت عمليات برية محدودة سابقة و لكن لم يصر يوما قادة اسرائيل على تدمير الفصائل مرة واحدة و الى الابد مثل الٱن. و الجانب الامريكي ليس متفائلا بشأن قدرة اسرائيل على تدمير الفصائل كليا و يرى ان السيناريو الاكثر ترجيحا هو قيام القوات الاسرائيلية بقتل او أسر أكبر عدد ممكن من أعضاء الفصائل و تفجير الأنفاق و مخازن الصواريخ ثم و بعد تزايد الخسائر تبحث عن طريقة لإعلان النصر و الخروج.

القلق الأكبر الٱن يتمثل في ان الحرب قد تنفجر خارج حدود غزة خصوصا مع قيام حزب الله اللبناني و حليفته ايران بفتح جبهات جديدة كبرى لدعم فصائل فلسطين و قد أثارت الدعوات بإنشاء ممراا إنسانية داخل غزة و طرق هروب للمدنيين الفلسطنيين ردود فعل قوية من الجيران العرب و هم يخشون ان يؤدي الغزو لاسرائيل الى موجة نزوح جماعية دائمة جديدة.

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *