سُجن 30 عاماً بسبب نضاله ثم أصبح أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا.. تعرّف على قصة نضال نيلسون مانديلا
اعتبرت الأمم المتحدة يوم 18 يوليو/تموز من كلّ عام يوماً عالمياً لنيلسون مانديلا، وهو يوم ميلاده. فماذا تعرف عن هذا المناضل الذي حارب نظام الفصل العنصري وانتصر عليه في جنوب أفريقيا.
نظرة إلى الوراء.. نظام الأبارتيد العنصري
بدأ الاستيطان الأوروبي في جنوب القارة الإفريقية في القرن السابع عشر. وكان المستوطنون بطبيعة الحال أوروبيين، فرنسيين وألماناً وهولنديين وغيرهم، وخلال القرن التاسع عشر أحكمت الإمبراطورية البريطانية قبضتها على جنوب إفريقيا.
ولكن جنوب إفريقيا نالت استقلالها عن هذا الاستعمار عام 1911 وأصبحت من دول الكومنولث البريطاني. وبالطبع كان النظام الحاكم في جنوب إفريقيا نظاماً موالياً لبريطانيا بشكل أو بآخر، وورث منها عنصريتها تجاه السكان الأصليين الجنوب إفريقيين.
وفي هذه الظروف نشأ نظام الأبارتيد، أو ما يُعرف بنظام الفصل العنصري. نشأ هذا النظام عام 1948 واستمر حتى عام 1993، لتشهد جنوب إفريقيا أول انتخاباتٍ ديمقراطية حقيقية عام 1994 وتحمل المناضل الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا إلى الحكم.
يقوم نظام الفصل العنصري بالأساس على تميُّز العرق الأبيض، الذي هو الأقليّة في جنوب إفريقيا، على العرق الأسود. ويعتبر هذا العرق الأسود مواطناً أقلّ من المواطن الأبيض، بما ينعكس بذلك على كلّ جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية.
وبين كلّ هذه العنصريّة والعنف الممنهج من قبل النظام السياسي في جنوب إفريقيا ضدّ السود، نشأ وبزغ نجم نيلسون مانديلا، ليصبح أيقونةً ورمزاً عالمياً للكفاح من أجل الحرية والمساواة.
روليهلاهلا مانديلا، وقصة اسم نيلسون الذي لا يعرف سبب تسميته به
وُلد نيلسون مانديلا عام 1918 وسمّاه والده دوليهلاهلا، أي “المشاكس” بلغته الأفريكانية. وبعد وفاة والده في سنٍّ صغيرة انتقل للعيش مع حاكم شعب الثامبو الذي كان على علاقة جيدة بوالده.
كفلت له تلك العلاقة موقعاً مميزاً بين الأطفال، فقد كان أحد الأطفال الأفارقة الأوائل الذين استطاعوا الدخول للمدرسة الابتدائية، ثمّ أكمل دراسته في مدرسة الإرسالية. وفي اليوم الأول أعطته مدرّسته اسم “نيلسون” على عادة المدرسة في تلك الفترة بإعطاء الأطفال الأفارقة أسماء أخرى، وبالطبع لا يخفى أنّ اسم نيلسون هو اسم إنجليزيّ.
بدأ نيلسون مسيرته النضالية في الكليّة، فقد انضمّ للاحتجاجات الطلابية التي انطلقت ضدّ سياسات التمييز العنصريّ، وطُرد على إثر مشاركته تلك من الكلية عام 1940. وعبر رحلةٍ طويلة استطاع مانديلا أن يكمل دراسته بالمراسلة ليحصل على ليسانس الحقوق من جوهانسبرغ.
انضمّ مانديلا لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي وأصبح من قياداته، وكانت خطبه تؤثر بشدة في الجماهير، وفي الخمسينيات ومع تصاعد الأحداث بين المحتجين وحكومة الفصل العنصري وصلت اشتراكات الحزب من 80 ألف عضو إلى 100 ألف.
كانت عقيدة مانديلا النضالية هي الكفاح السلمي، متأثراً بأسلوب غاندي اللاعنفي للنضال، لكنّ حكومة الفصل العنصري لم تترك له فرصةً لهذا النهج السلمي، باستجاباتها العنيفة على الاحتجاجات أو التظاهرات السلمية التي ينظمها السود، وهنا وقع الحدث الذي سيغيّر نهج مانديلا، بل وسيغيّر في تاريخ جنوب إفريقيا بعد ذلك بعقود.
مجزرة شاربفيل.. نظام الفصل العنصري يجبر السود على حمل السلاح
ماذا يبقى لك إذا لم يُسمع صوتك السلميّ وجوبه بعنفٍ هائل؟ لا يبقى لديك سوى العنف سلاحاً لأخذ حقوقك السياسية والاجتماعية والإنسانيّة، وهذا ما حدث تماماً مع نيلسون مانديلا.
في يوم 21 مارس/آذار 1960 تجمّعت حشود السود أمام مركز للشرطة في مظاهرات احتجاجاً على قوانين الاجتياز. وهي قوانين استعمارية سنّتها بريطانيا قديماً لتقييد حركة السود من أماكن تجمعاتهم إلى المدن التي يقطنها عادةً المستعمرين وذوي البشرة البيضاء.
أطلقت الشرطة الرصاص الحيّ على الحشود، فأودت بحياة 69 محتجاً سلمياً. وكان إجمالي الضحايا 289 بينهم 29 طفلاً. واليوم تعتبر ذكرى هذا اليوم عطلةً رسميّة تخليداً لحقوق الإنسان وضحايا مذبحة شاربفيل.
أسس نيلسون مانديلا ورفاقه منظمةً عسكرية باسم “رمح الأمّة” عام 1961، لتكون الجناح المسلّح للمؤتمر الوطني الإفريقي الذي كانت مقاومته حتى الآن مقاومة سلميّة. وبدأت المنظمة استهداف منشآت حكوميّة وعسكرية. واتهمتها الحكومة اتهاماتٍ عديدة من بينها أنها منظمة شيوعية تعمل لحساب الاتحاد السوفيتي.
في مسيرة مانديلا الطويلة نحو الحرية والمساواة محطّاتٍ طويلة، فقد خرج إلى الجزائر لتلقي التدريب من المناضلين الجزائريين هناك، وخرج إلى إثيوبيا وقابل العديد من المناضلين ضد الاستعمار حينها. وسُجن مرتين، وفي المرة الثانية حُكم عليه في قضيةٍ ثالثة بالحكم المؤبّد.
وفي يوليو/تموز 1963، وبينما كان مانديلا يقضي حكماً بالسجن 5 سنين، داهمت الشرطة مزرعةً كانت مقراً لمنظمة رمح الأمة، ووجدت بعض الوثائق وفيها اسم مانديلا، فاتهمته الحكومة بالتخريب والتآمر وغيرها من التهم، وكان سجنه بالمؤبّد.
نيلسون مانديلا من السجن إلى رئاسة الجمهورية
يقول مانديلا: “من السهل أن تُكسر وتُدمر، لكن الأبطال هم أولئك الذين يبنون ويصنعون السلام”، ويبدو أن مانديلا كان يقصد نفسه حين قال هذه المقولة. فبعد 27 عاماً من السجن، وبعد ضغوطٍ دولية كبيرة ونضالٍ للسود في جنوب إفريقيا، اضطرت الحكومة للإفراج عن نيلسون مانديلا عام 1990.
هل أعلن نيلسون مانديلا وقف الكفاح المسلّح بعدما أفرجت عنه الحكومة؟ لا. هل أعلن أنه مستمرّ في الكفاح المسلح؟ لا. لقد كان واضحاً: لن ننزع السلاح حتى تحقيق كل حقوقنا ومطالبنا.
وعبر مفاوضاتٍ طويلة، ونقاش مطوّل مع الرئيس الجنوب إفريقي جنيها ويليام دي كليرك انتهى نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أخيراً، ونال نيلسون مانديلا ودي كليرك مناصفةً جائزة نوبل للسلام عام 1993. وقال نيلسون مانديلا في مذكراته: “عندما خرجت من السجن كانت مهمتي تتمثل في تحرير الظالم والمظلوم معاً”.
بعد تلك المفاوضات الصعبة، تبنّت جنوب إفريقيا دستوراً عادلاً، وأقرت كلّ الحقوق لكلّ مواطني جنوب إفريقيا على قدم المساواة. وانتخب مانديلا رئيساً لها عام 1994، وكان حينها في عمر 76. فكان أوّل رئيس أسود يحكم جنوب إفريقيا.
وفي عام 1999 قرر أن يتقاعد وألا يترشّح لدورةٍ رئاسية ثانية، واشتغل بالأعمال الخيرية من خلال مؤسسته لمكافحة الإيدز وغيرها من المؤسسات. وأصبح رمزاً وأيقونةً عالميّة للنضال من أجل الحرية والمساواة. وقد توفي عام 2013 عن عمر 95 عاماً.