"مغيث الرومي من البذرور المميزة بأرض التاريخ".. فاتح قرطبة - صوت الضفتين

“مغيث الرومي من البذرور المميزة بأرض التاريخ”.. فاتح قرطبة

يُعد “مُغيث الرومي” من الشخصيات البارزة بالحضارة الإسلامية إلْتَمَعَتْ مثل نصلٍ حادٍّ ووَقَعَتْ في خاصرة التاريخ القديم، هو تلك الصورة اللامعةالتي رسمها «التاريخ» هزاً بالوعي الفكري القديم، شخصية ناهضة ممتلئة بالإنجازات التي بزغت خيوطها بالنور في بوابة التاريخ.
مغيث الرومي
هو “مولى عبد الملك بن مروان”، ومغيثٌ رومي الأصل، وقيل: إنه ليس برومي على الحقيقة، وتصحيح نسبه، أنه مغيث بن الحارث بن الحُوَيْرِث بن جَبَلَة بن الأيْهَم الغَسّاني سُبِيَ من الروم بالمشرق وهو صغير، فأدّبه عبد الملك بن مروان مع ولده الوليد، وأنجب في الولادة.
مغيث الرومي، نسبه
هو “مغِيث الرومي”، مولى الوليد بن عبد الملك، أو مولى عبد الملك بن مروان، والصواب أنه مولى عبد الملك بن مروان، فهو الذي أدبه، ولا تناقض بين الرواتين إلا من الناحية اللفظية حسب، فقد كان مغيث مولى عبد الملك بن مروان، فلما تُوفي وأصبح ابنه الوليد خلفاً له، أصبح مولى الوليد بن عبد الملك.
نشأته
نشأ “مغيث” في دمشق، وتأدب مع بني عبد الملك، فأفصح في العربية، وصار يقول من الشعر والنثر، ما يجوز تدوينه، وتدرّب على الركوب، وأخذ نفسه بالإقدام في مضايق الحروب، حتى تخرّج في ذلك تخرُّجاً أهّله للتقدم على الجيش الذي فتح قُرطبة تعلم مغيث العلوم العسكرية النظرية، مثل: إقامة المعسكرات، تنظيم المعسكر، اختيار المعسكر، وشروط المعسكر الجيد، ولم يكن تلقيه للعلوم العسكرية نظريا فقط ولكن اعقبه تدريب عملي على القتال كما كان شائعا في ذلك الوقت،
تدربه
فتدرب “مغيث” في ميادين الجهاد الإفريقي والمغربي والأندلسي كان مشهوراً بالرأي والكَيْد، وأنه كان على جانب كبير من الذكاء والفطنة وحضور البديهة، وأنه كان منتبهاً أشدّ الانتباه إلى ما حوله ومَنْ حوله، وليس من السهولة أن يُؤخذ على حين غُرّة، أو يتغلب عليه أحد، أوضح ما كان يتميز به مغيث من سمات،
هوايته
هوايته العارمة لجمع الأخبار والمعلومات من شتى مصادرها، وإستغلال تلك الأخبار والمعلومات لمصلحة الإسلام والمسلمين، ولمصلحة ولاة أمورهم من خلفاء وقادة وولاة، طولا عجب في ذلك، فقد كان صاحب سر الخليفة “رجل مخابرات” في الأندلس، وكان مجاهداً من الطراز الأول وقائداً فاتحاً، لذلك كان أحد مسئولي مخابرات الدولة الكبار المرموقين، الذين يفرض كفايته على الخلفاء، فإستعان به الوليد بن عبد الملك، ثم إستعان به سليمان بن عبد الملك، دون أن يستطيع الاستغناء عنه أو يُسدل عليه ستاراً من ستائر النسيان،حتى الخليفة هشام بن عبد الملك الذي تولى الخلافة سنة خمس ومائة الهجرية 723م فأخرج أحد قادته إلى إفريقية وعهد إليه أن يطيع مغيثاً مولى الوليد، لمعرفته بالبلد، مما يدل على أنه بقي غير مجهول المكانة والمكان لكفاياته المتميّزة، وإخلاصه للبيت الأموي إخلاصاً لا شائبة فيه.
إنجازاته
فتح قرطبة وقد “فتح مغيث الرومي” قرطبة في شوال من سنة إثنتين وتسعين هجرية (711م)، ثم فتح مغيث الكنيسة التي تحصَّن بها حاكم قرطبة بعد حصار ثلاثة أشهر في محرم من سنة 93هـ (712)م
قصة فتح قرطبة
كان “مغيث” على خيل “طارق بن زياد”، وبعد أن فتح مدينة إسْتَجّة، فرق جيوشه من هذه المدينة، فبعث مغيثاً إلى قرطبة، وكانت من أعظم مدائنهم، في سبعمائة فارس، لأن المسلمين ركبوا جميعاً خيل القوط، ولم يبق فيهم راجل، وفَضَلت عنهم الخيل، وكَمن المسلمون بعُدْوَة نهر شَقُنْدَة وأرسلوا الأدلاّء فأمسكوا راعي غنم، فسئل عن قرطبة، فقال: “رحل عنها عظماء أهلها إلى طُلَيْطِلَة، وبقي فيها أميرها في أربعمائة فارس من حُماتهم مع ضعفاء أهلها”. وتربّص المسلمون على الضفة اليسرى من نهر الوادي الكبير بالقوط، وأخذوا يستطلعون أخبار القوط، ويجمعون المعلومات عنهم قبل أن يعبروا النهر ويهاجموا البلد وكان أهل قرطبة كارهين لأمر القوط عامة، ولم يصعب على المسلمين الاتصال بنفر من سكان قرطبة المحليين، وبمعونة هؤلاء استطاعوا العبور في ليلة من ليالي آب (أغسطس) غزيرة المطر، وكان عبور المسلمين نهر الوادي الكبير في واجهة باب القنطرة، أو باب الصورة، نسبة إلى تمثال أسد كان قائماً على مقربة من السور، وظل قائماً أيام المسلمين، وجعل مغيث ورجاله يدورون حول السور يلتمسون ثغرة فيه يدخلون منها إلى قرطبة حتى وجدوا شجرة وتسلقها رجل من أشِدّاء المسلمين في أعلاها، ونزع مغيث عمامته فناوله طرفَها، وأعان بعض الناس بعضاً، حتى كثروا على السّور وركب مغيث السور، وأمر أصحابه المرتقين للسور بالهجوم على الحرس، ففعلوا وقتلوا وهاجم مغيث ومَن معه من المسلمين قصر الملك، وقد بلغ الملك دخول المسلمين المدينة، فبادر بالفرار عن البلاط في أصحابه، وهم في زهاء أربعمائة فارس، أسرع الملك إلى حاميته القوطية، فطارده المسلمون، ففر بجنده إلى كنيسة قريبة تسمى كنيسة اشيسكلو (San Acisclo) وتحصَّن فيها، فحاصرها المسلمون وإستمر الحصار حوالي ثلاثة أشهر، حتى إستطاع المسلمون قطع الماء عن المحصورين، وسكن مغيث قصر الملك الذي أصبح فيما بعد مقام الأمراء والخلفاء، وقد ترك المسلمون كنيسة الأسرى لنصارى قرطبة، فظلت أكبر كنائسهم في عاصمة الأندلس الإسلامية، طالما بقيت المدينة في حوزة المسلمين وهكذا انتهت ملحمة فتح قرطبة، إستبسل فيها المسلمون وقاتلوا قتال الأبطال، وصبروا وصابروا.
وفاته:
ظل “مغيث” مُجاهداً في ساحات الجهاد الإفريقية والمغربية والأندلسية، حتى آخر لحظة من لحظات حياته، فسقط مضرجاً بدمائه دون أن يسقط السيف من يده قُتِل مغيثٌ في إفريقية، في منطقة طنجة، وكان مع جيش الدولة في قتال الخارجين من البربر، وكان ذلك سنة ثماني عشرة ومائة هجرية (736م) وكان عمره ثلاثة وستون عاماً.

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *