أُعجوبة تاريخ الفتح، الولي الورع، الفذ البارع، موسى بن نُصير” رحمه الله”
من عظماء أرض الأندلس “موسي بن نصير” رحمه الله
مولده ونشأته
ولد موسى بن نُصير عام (19هـ=640م)، في قرية من قرى الخليل في شمال فلسطين، تُسَمَّى كفر مترى، في بيت علم وجهاد، فتعلَّم الكتابة، وحَفِظَ القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، ونظم الشعر. وقيل: كان مولى امرأة من لخم. وكان أعرج مهيبًا، ذا رأي وحزم، وروي عن تميم الداري . حدث عنه ولده عبد العزيز، ويزيد بن مسروق.
والده
كان والده نُصَير بن عبد الرحمن بن يزيد، مولى عبد العزيز بن مروان، وكان شجاعًا وممن شهد معركة اليرموك الخالدة، وكانت منزلته مكينة عند معاوية بن أبي سفيان، وبلغ في الرتب أن كان رئيس الشرطة في عهد معاوية حين كان واليًا على الشام في خلافة عمر وعثمان ، وفي روايات أخرى أنه كان رئيس حرس معاوية نفسه،
أمه
وكذلك روى التاريخ لأمِّ موسى قصة بليغة في الشجاعة، فلقد شهدت هي -أيضًا- معركة اليرموك مع زوجها وأبيه، وفي جولة من جولات اليرموك التي تقهقر فيها المسلمون أبصرت أمُّ موسى رجلاً من كفار العجم يأسر رجلاً من المسلمين، تقول:“فأخذتُ عمود الفسطاط، ثم دنوت منه فشدخت به رأسه، وأقبلتُ أسلبه فأعانني الرجل على أخذه”
تربيته
وهكذا تربى موسى بن نُصير على حب الجهاد، وترعرع بين أبناء القادة والملوك، فلم يُلهيه ذلك عن حمل هم الإسلام والدفاع عنه.
وقفات مع سيرته
حينما تقرأ في سيرة هذا الفذ؛ تجد أن كبار الكتاب والمؤرخين تعجز أقلامهم، وتقف بلاغتهم حائرة في وصف هذه القامة الإسلامية الشامخة، فكيف بمن يتعلم منه كيف يكتب عنه موسى بن نصير؛ من درس أو قرأ تاريخ الأندلس عرف فضله ومنزلته، فهو الفاتح لها، وهو من ثبت دعائم الإسلام فيها، كما ثبته في بلاد المغرب بعد أن أعاد فتحها، فلولاه ما إستقر فيها الفتح، وما كان لنا في الأندلس تلكم الحضارة، فقد تعلم من خطأ من سبقه، فكان منهجه في الفتوحات كمنهج خالد بن الوليد رضي الله عنه.
إنجازاته
تولى وزارة مصر مع عبد العزيز بن مروان، فكان نعم الوزير، فتعلم وازدادت خبرته في أمور السياسة والحكم، وكانت له سمعة طيبة، جعلت الخليفة الوليد بن مروان يعينه وزيراً لأخيه بشر على العراق ورئيس الديوان، وفي الحقيقة كان هو الأمير الفعلي، حتى تولى ولاية البصرة، ثم عَيَّنَه صديقُه عبدُ العزيز بن مروان سنة تسع وسبعين واليًا على شمال إفريقية بدلاً من حسان بن النعمان، و حينما وصل إلى مقر القيادة خطب في الجند فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
” إنما أنا رجل كأحدكم، فمَنْ رأى مني حسنة فليحمد الله، وليحضَّ على مثلها، ومَنْ رأى منِّي سيئة فليُنكرها، فإني أُخطئ كما تُخطئون، وأُصيب كما تُصيبون “
ولمَّا وصل إلى مدينة القيروان، صلَّى بالجند صلاة شكرٍ لله على النصر، ثم صعد المنبر وخطب قائلا:ً
” وأيم الله! لا أُريد هذه القلاع والجبال الممتنعة حتى يضع الله أرفعها، ويذلَّ أمنعها، ويفتحها على المسلمين بعضها أو جميعها، أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين”
وانتشرت جيوش موسى بن نصير في شرق المغرب وشماله تفتح كلَّ ما يُصادفها من الحصون المنيعة؛ حتى أخضع القبائل التي لم تكن قد خضعت بعدُ للمسلمين، حتى استقر الأمر للمسلمين في بلاد المغرب، بدأ يتطلع إلى فتح بلاد الأندلس، وهكذا المسلم العالم العامل، تجده لا تحده الآمال ولا توقفه الظنون، ولا يعلم للمستحيل دليلاً، يعمل بقوله تعالى ” فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ” فشيد الأسطول، حتى نزل مولاه طارق بن زياد -قائدُ جيش موسى بن نصير- أرض الأندلس، وبعد عدَّة معارك فتح الجزيرة الخضراء، وعَلِمَ الإمبراطور لُذريق بنزول المسلمين في إسبانيا من بتشو حاكم إحدى المقاطعات الجنوبية، الذي بعث إليه يقول:
“أيها الملك، إنه قد نزل بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء أم من الأرض، فالنجدة.. النجدة، والعودة على عجل”
ولما خشي موسى بن نُصير على جيش طارق، عبر إليه على رأس حملة كبيرة، ولما لاقاه عاتبه، ثم عفا عنه، وأخذا القائدان يُتمان فتح الأندلس، ولما تمادى في سيره في الأندلس، أتى أرضا تميد بأهلها.
“فقال عسكره: إلى أين تريد أن تذهب بنا؟ حسبنا ما بأيدينا، فقال: لو أطعتموني لوصلت إلى القسطنطينية”
بن نُصير و تثبيت دعائم الإسلام في شمال أفريقيا:
لما تولى موسى بن نُصير قيادة الجيش في شمال أفريقيا، و قد رفرفت فيها راية الإسلام من قبل على يد عقبة بن نافع أولاً ثم على يد حسان بن النعمان، وجد موسى أن الجيوش عادت إلى القيروان بعد أن كانت قد بلغت البحر، وحتى القيروان كانت عبارة عن أكواخ شبه مهدمة قد أصابها الجزر، وقد أحاطها البربر من كل جانب، فأهلها في ترقب وخوف دائم من مداهمة العدو لهم، هُنا ظهرت فطنة وحكمة القائد الحقيقي
فقد إنتهج نهج “عمر بن الخطاب”، شدة في غير ضعف وقوة في غير عنف، وتواضع في غير مذلة، ونهج سيف الله المسلول خالد بن الوليد؛ هدوء وحذر شديد، تعلم من أخطاء من سبقوه.
محنته وموته
بعد أن وصل موسى إلى الخلفية الوليد بن عبد الملك، ما لبث أن مات الوليد وتولى بعده أخوه سلمان بن عبد الملك، ومن هُنا بدأت محنة موسى حيث عمد سلمان إلى عقابه على خلاف كان بينهما، وهذه عادة الملوك الظالمة، لا يسلم منهم أحد حتى المقربين، فأمر به أن يظل واقفًا في حرِّ الشمس المتوهِّجَة، وكان قد بلغ الثمانين من عمره، فلمَّا أصابه حرُّ الشمس وأتعبه الوقوف سقط مغشيًّا عليه