من تونس/” سعيد رمادة ” ..ذاكرة الصورة
” أستوى جسدي فتنتصب قامتي ، أضع كلتا يداي مستقيمتان وعيناي متوجهتان نحو عدسة الكاميرا ، أحملق دونما حراك ، أخمد أنفاسي حتى ينتهي هذا الرجل الذي يقف أمامي من أخذ نسخة عن جسدي”
كان أبي يأخذني كسائر أطفال الحي يوم العيد مرتديا ملابسي الجديدة ممسكا قطعة الحلوى التي افتككتها من قبضة أختي الصغرى التي وعدها أبي بإصطحابها في وقت لاحق لأنه ينوي أن يأخذ لنا صورة عائلية جماعية لنحتفظ بها كذكرى في وقت لم يكن فيه هذا الإكتشاف سائدا ..
بدوت طفلا حازما في هذه الصورة و ملامحي قد امتزجت باللونين الأبيض و الأسود ..و أصبحت كل الصور التي إلتقطها لنا ذاك الرجل ذكرياتنا التي نعود إليها كل وقت “
هكذا حدثنا ” العم علي ” و هو يصف لنا ذكرياته مع أول صورة إلتقطها له المرحوم ” سعيد رمادة ” منذ سنة 9501 بمدنين .
” سعيد رمادة ..رجل السينما و الصورة الأول “
ولد ” سعيد رمادة ” في 10 أوت 1928 بمدنين و توفي في 15 سبتمبر 2001 عن عمر يناهز 73 سنة ، يعتبر رمزا من رموز السينما و الصورة بالجنوب الشرقي و هو أول من أقام السينما بالجهة .
كان ذلك سنة 1948 حين قرر ” سعيد رمادة ” فتح أول أستوديو للتصوير بمدينة مدنين بعد أن إفتتح محلا لتصليح الساعات خلال 1945 . لتنطلق معه أول تجربة في الصورة ، فأصبح الناس يرتادونه ليلتقطصورهم العائلية و صور ” السيزيام ” و صور العيد للأطفال و الشبابولإستخراج الصور أينما كان استعمالها ..
” سعيد رمادة ” اسما كتب تاريخه في عالم السينما و الصورة خاصة بعد أن قام الأخير بإنشاء أول قاعة سينما سنة 1957 بكل من مدنين و تطاوين ، حيث كانت قاعة السينما تعرض الأفلام المصرية والأمريكية و الإيطالية كما كانت تبث شريط الأخبار الذي كان يتضمن النشاط الرئاسي و عمل الحكومة أنذاك قبل أن تغلق قاعة السينما أبوابها سنة 1971 بسبب الضرائب المجحفة .
الصورة بعد وفاة ” سعيد رمادة “
لم تعد الصورة اليوم نادرة في زمن الإنفجار التكنولوجي و التقني خاصة في مجال التصوير الفوتوغرافي ، الوسائل أصبحت حديثة و تقنيات الصورة أصبحت متطورة جدا ..و لعل ” سيلفي ” الهاتف الجوال خير دليل على سهولة إلتقاط اللحظات و الإحتفاظ بها لسنوات طوال ..كما أصبح التصوير الفوتوغرافي مجالا شاسعا مع تزايد عدد المهتمين بهذا الفن في مدنين لكن يظل اسم ” سعيد رمادة ” راسخا في ذاكرة الأشخاص الذين عايشوه و حتى الذين تداولوا قصصه جيلا بعد جيل ..
” لم أعد أذكر أيها كانت آخر صورة أُلتقطت لي في استوديو ، فأحفادي هم من تكفلوا بإلتقاط صور لي بهواتفهم .. الأمر محزن جدا لأن الصورة كانت قديما تشكل لنا فرحة كبرى لها طقوسها و نكهتها الخاصة ، حتى الصور القديمة التي أحتفظ بها، بلونيها الأبيض و الأسود .. لها حنين كبيرو طعم خاص أكثر من الصور الحديثة التي تكتسيها الألوان “.
الصورة منذ 1948 ..ماذا بعد ” سعيد رمادة “؟
توفي ” سعيد رمادة ” بعد تاريخ كبير مع الصورة ، و بصورة ظلت راسخة في ذاكرة الجميع ..
و مع تزايد الاهتمام بتاريخ الصورة في مدنين من قبل المؤرخين و الباحثين في هذا المجال ، يُطرح السؤال الأهم ” ماذا بعد سعيد رمادة ؟ ” و ماذا بقي من صور تاريخية لمدينة مدنين بعد وفاته ؟ و لماذا أغلب الصور التاريخية لمدنين تعود ملكيتها لفرنسا و لا نجد بين أرشيف المدينة صورا للمرحوم ” سعيد رمادة ” ؟لماذا توفي ” رمز الصورة ” و إختفت بعده العديد من الصور التي وثّقت مشاهد لمدنين القديمة قبل أن تتحول إلى مدينة و عمار ؟
مروة محمدي