المتغيرات الدولية ومآلاتها العربية : الاحداث والمعالجات - صوت الضفتين

المتغيرات الدولية ومآلاتها العربية : الاحداث والمعالجات

صوت الضفتين_أقلام_الضفتين

اختارت رئاسة تحرير صوت الضفتين نشر مقال الكاتب اليمني والباحث و رئيس منتدى العلا للدراسات علي حسن شعثان نظرا لأهمية الموضوع المطروح على مستوى الساحة السياسية، حيث تناول الباحث فيه دراسته التغيرات الدولية الحاصلة ومآلاتها العربية والأحداث الراهنة التي ترتب عنها وفق قوله ارتهان سياسي وهيمنة اقتصادية واهم المعالجات التي اقترحها الكاتب .. وللإشارة فقد نشر المقال سابقا في دورية الثوابت.

“عبر كل حقبة زمنية تحدث متغيرات الانظمة الدولية وفق معادلة ومناخات جديدة (1) على احداثٌ امّا مُلتهبة او باردة، وفي ذلك تُشخّص أحداث الربيع العربي 2011م، بانها نتاج من حاصل ضرب العوامل الداخلية على مطامع المخططات الخارجية للقوى المؤثّرة التي تُجهد حالها في إعاقة وحدة القرار العربي من حسبان الى جانب الاتساع الجغرافي والموقع الاستراتيجي عدّة روابط غير معقّدة، كالديانة السائدة(الاسلام) متعددة المذاهب الفقهية للاجتهاد، والقابلة بوجود الآخر تجسيداً لمفهوم الاحتياج والنفع الانساني المُتبادل (وطعام اللذين اوتوا الكتاب حُلً لكم وطعامكم حُلً لهم) (2)، ما استقاه الفلاسفة بعبارة (يأكل الانسان ليعيش ام يعيش ليأكل) والعرب بقول (عيش وملح ـ كتذويبٌ للقطيعة), إضافة الى مضامين التراث الحضاري وابجديّة اللغة الواحدة، على خلاف بعض التكتلات الدولية “الاتحاد الاوربي مثلاً”، والذي ان تمكّن لهذه الدول من وحدة القرار السياسي فانه سيكون لها الرقم الصعب في الاقليم والمحيط الدولي بل والعالمي .

ومن النفوذ ونشاطه المرسوم على سياسة فرق تسد بين ابناء المنطقة من مبدأ الهيمنة السياسية كانت الاعاقة في القرن العشرين، معززةٌ في الوقت الراهن من قبل الاطراف المؤثّرة وشراكتها الدولية بمحاربة ما يسمى الارهاب وبرهنة سياسة اللعبة بين فرقاء العمل السياسي في المنطقة حال التماحك، ليطغى الخلاف على الاختلاف ويكون التدخّل والارتهان اليه .

و لهذا تهدف هذه الدراسة الى تناول مفهوم المتغيرات الدولية ومآلاتها العربية، كأحداث ترتّب عنها واقع الارتهان السياسي والهيمنة الاقتصادية، بحيث تردّت الاوضاع وتفاقمت الاحداث الراهنة من ضوء العوامل الداخلية والمؤثّرات الخارجية، مختتمين مباحثها بعرض المعالجات الاجرائية وتقديم الرؤى المقترحة لغرض الإثراء البحثي ليس الّا”.

اولاً/ الاحداث العربية خلال القرن العشرين

1ـ الواقع السياسي 

من كينونة الاحداث الدولية تنطوي المتغيرات الجيوسياسية على مآلات اقليمية وتُبرز المصطلحات، وهنا يتفق خبراء الجيوسياسيا مع علماء السياسية على ان متغيرات القرن العشرين كحقبة زمنية، ابتدأت عام 1914م “الحرب العالمية الثانية” وانتهت العام 1989م “تفكك الاتحاد السوفيتي”.

فالبداية كانت بحربً حجّمت من مطامح بعض الدول الاوربية في إطار تنافس قطبي بين الشرق (روسيا) والغرب (اميركا)، في حين ان النهاية تمت على الاحادية القطبية للأمريكان وتفوّقهم العسكري وتمّ خلال فترتهم الانفرادية الدعوة الى نظام العولمة كإطار دولي يحدّد المتغيرات، والشرق اوسطية كإطار اقليمي تنبني عليه المآلات.

وهذا الاخير الذي هُندس مشروعه في 30/10/1991م بالعاصمة الاسبانية مدريد (3) يهدف الى إدراج الدولة العبرية (إسرائيل) ضمن خارطة الدول العربية (على الاقل سياسياً)، وتحت التدخّلات المباشرة ومطامعها الناهبة ـ وذلك ما حدث وزيادة ـ رزح الوطن العربي خلال القرن العشرين، ما يجدر بنا ان ندقّق بين مصطلحي تلك التدخّلات (الاستعمار او الاحتلال) وإجراءاتها المُتخذة، اذ نجد ان مصطلح(الانتهاب)هو الادق، كتوصيفٌ يوضّح ما اتّخذ بحق الامة ومكتسباتها العامة، فالأندلس(اسبانيا) عندما انضوت تحت الاملاك والرعاية الاسلامية العام 711م من القرن الثامن للميلاد (الثاني للهجرة), لم يكن بمطامع سياسية ناهبة بل بمطامح تنويرية مُبلغة، الى ان اُستغلال خلال القرن الخامس عشر الميلادي نشوء الخلاف في اوساط الأندلسيين وضهور نظام الامارات المستقلّة عام 1225م, ورسمت الاستعادة لتُحكم في العام 1492م (4) وتُنشئ الدولة الاسبانية، هذه الدولة التي تقاسمت الاراضي المراكشية(المغرب) مع فرنسا خلال القرن العشرين.

ومن دينامية الأحداث خلال ذلك القرن، ابرمت دول النفوذ فيما بينها الاتفاقيات كواقع يرسم المآلات، وتم في مايو 1916م بمدينة بطرسبرج الروسية عقد الاتفاق الثلاثي بين كلً من ساذنوف (وزير خارجية روسيا) ومارك سيكس (الخبير البريطاني في شؤون الشرق) و ف جورج بيكو (القنصل الفرنسي في بيروت)عرف باسم (اتفاقية سايكس بيكو)، ليتمخّض في بنوده تقاسم ما كانت تتحكّم عليه الدولة العثمانية (تركيا) في الوطن العربي، وفي مثل هذه الحالة (التقاسم) تنفّذ الايطاليون على ليبيا ثم الانجليز متبوعاً بالفرنسيين خلال الحرب العالمية الثانية، بينما تنفّذ الفرنسيون على الجزائر وتونس واجزاء من وادي النيل (السودان)والصومال وموريتانيا, أما الجزيرة العربية وبلاد الرافدين (العراق) واجزاء من وادي النيل (مصر) وبلاد الشام فقد وقعى تحت النفوذ البريطاني الى ان تم وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي من 1920م الى1945م(5).

وبالنسبة لفلسطين فأنها وقعت تحت النفوذ ثم الانتداب البريطاني منذ الحرب العالمية الاولى وحتى 1948م, الى ان سُلّمت للصهاينة ايفاءً  لوعد وزير الخارجية البريطاني اللورد (بلفور) الصادر في 1917م, والقاضي بإقامة وطن قومي لليهود على التراب الفلسطيني، بحيث اُعلن عن هذا الكيان في 1967م بمسمى دولة اسرائيل، ليُترك الى جانب الإجراءات الانتهابية ومؤثراتها، ما يعيق مطامح الاستقلال والسلام الدائم واُسس البنية الجيوسياسية للمنطقة العربية، وتبقى على حالة من الارتخاء الجيوبولتكي وارتهانه المشدود من طبقة ادنى الى طبقة اعلى وفق نظرية الاحتواء ومصطلح الدول التابعة، كون دول المنطقة تضمّ مكونات مجتمعية مختلفة لجهة الدين او المذهب او الأثنية …الخ . 

2ـ الحالة الفكرية

لم يقتصر الباحثون والكتّاب في تناول الحالة الفكرية عربياً فحسب,  بل تناولونها اسلامياً من مرتكز العقيدة,  مصوّرين معركة العقل في العالم الاسلامي على انها خلاف بين العقل ورجال الدين لا خلاف بين العقل والدين(6), وفي هذا سجالٌ يكون لحرية الابداع الفكري الانتصار او الهزيمة بحسب الرغبات والاهداف الايدلوجية التي قد تناقض الحث الاسلامي في مطامح الاجتهاد باعتباره السبيل الممكن الى الابداع ومراسخ الإيمان، وهنا مكمن التغاير الفكري حول المواطنة وهويتها فيما يخص المطامح الوحدوية، إضافة الى الديمقراطية واساليبها فيما يخص العملية السياسية، والتي لم تُأسلم(الديمقراطية) شوروياً على قياس نبوي من حديث ان الحكمة ضالة المؤمن انّى وجدها فهو احق بها (7)، باعتبار ان صنع القرار شوروياً يتم برأي الاكثرية وفق سياق نصّي مُجمع علية، وديمقراطياً بصوت الاغلبية وفق سياق دستوري مُستفتى علية، بحيث ان الاختلاف في الكيفية من ناحية البيعة والانتخاب لا يكون المحكّ، كون الخصوصية الاسلامية ولشأنها لم تتعدى المادة الثالثة في جل دساتير الدول المسلمة دون ذكر ان الشريعة الاسلامية اما مصدر وحيد او رئيسي في التشريع .

ومن التنوّع المذهبي ومشاربه الفكرية فقد ابرز فقهاء الشريعة الاسلامية حول الفكر السياسي الاسلامي ومباحثه الدينية مسائل فقهية مُأدلجة في الطرح  منذ القدم وحتى الآن لأغراض سلطوية ليس الّا ( يستفتى الفقهاء حول المسائل لا حول المصائر), مع انها تُستخدم من خارج الاقليم العربي (ايران، تركيا) كأسلوب يهيئ للزعامة، والتي ان تمّت يُضاق الخناق الفكري وتُفرض الثقافة الخاصة المغايرة لأسس القومية والتنوّع المذهبي .

وإلى ذلك رفعت التيارات التنظيمية في الوطن العربي خلال القرن العشرين شعاراتها السياسية الطامحة الى الاستقلال وعدم الارتهان، وكانت على مسارين، الاول مُتديّن الخطاب بشعار(اسلامية اسلامية  لا شرقية ولا غربية), والآخر قومي الطموح بشعار (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، والمُؤسف في الامر انه لم يُأت ايًّ منهما اُكله لأسباب متعددة, اهمها يتمثّل في غياب القاعدة الانسجامية لوحدة الوعي المصيري بينهما وحصول حاله من التنافر بين التشدد والانفتاح، ما غيّب في الاساس الادوار الوحدوية وجهود مُفكري الامة ومثقفيها  في رأب الصدع وردم الهوّة وتمرير حالةٌ من النُسق الداعمة للقضايا المصيرية .

ثانياً/ الاحداث الراهنة : 

1ـ الابعاد 

على ما ذُكر سابقاً من مبتدأ ومنتهى المتغيّرات، فان انهيار برجي نيويورك والهجوم على البنتاجون الاميركي يوم الحادي عشر من سبتمبر العام 2001م، يُعتبر المبتدأ لمتغيّرات القرن الواحد والعشرون، فالبداية وضعت حداً للانفراد الأمريكي المهيمن وفرضت واقع الشراكة الدولية (تحت مسمى محاربة الارهاب)، في حين ان النهاية توحي الى هندسة ابعاد الشراكة الدولية وبروز منافذ قوتين اقليميتين في المنطقة العربية، تشكّل ايران وتركيا محوريهما على ايحاءات من سايكس بيكو اخرى، والى هذا فان تحالف مصر وقوميتها مع السعودية وتديّنها عسكرياً، لا يُمثّل في الوقت الراهن قوة عربية توائم بين المواطنة القومية والهوية الدينية، كون الاجراءات في ذلك على ارتهان مُعلن للأمريكان والفكرة الاستراتيجية غير واضحة، ما يؤول الى الانقسام العربي بين المحوران وضهور الحركات والجماعات التابعة، مع تماشى نظرية صدام الحضارات وتغيير الانظمة .

وفي ذلك كشفت صحيفة هاآرتس الاسرائيلية في منتصف نوفمبر 2002م من خلال تقريرً لها, عن ان اميركيا ستعمل على تغيير انظمة الحكم في جميع الدول العربية, وعلى رأسها السعودية ومصر بعد الانتهاء من الحرب على العراق (رافق الحرب تردّد دولي), وقد دُرست لهذا الامر الابعاد المتوقعة من خلال جلسات الحوار الاستراتيجي المُنعقدة بين  كلاً من الأمريكان واسرائيل في حينه، (8) وفي مثل هذه الاجراءات ودلائلها، يُستوحى من تسريبات موقع ويكيلكس الاميركي وتوقيتها المسبق للأحداث والكاشفة لوثائق اوجدت الاثغار وانعكاساتها سُمّيت بالأسرار الهامة, بأن نقاط التوصيات الختامية لتلك الجلسات، قد تضمّنت خيار الزعزعة الجماهيرية تحت مسمى (الفوضى الخلّاقة) لغرض التنفيذ، فما يُخطط له استراتيجياً لا يُنفذ عاجلً كحال ما يُخطط له تنموياً بل يُنتظر التريث العقدي ومراحله الزمنية (9) . 

فالجماهير العربية تألّبت ربيع 2011م بمطالب التحسينات المعيشية كعوامل داخلية ابرزت المؤثّرات الخارجية، على شاهد ان عوامل الداخل هي رهن تنافسات الخارج ومصالحه السياسية، الامر الذي يرتّب على ذلك متغيرات دولية توزّع المهام وتحدّد الأُطر وتُترك التفاعلات لتولّد آلياتها وتتيح لقوى اخرى مساحاتً اوسع في التأثير, وهنا يحلّل خبراء العلاقات الدولية بان السياسة الاميركية الحالية(سياسة اوباما) تعتبر سياسة انكفائية او انسحابيه (10)، بحيث تسايرت الأحداث ربيع 2011م بالمحاكاة وتمثّل واقعها في تغافل البوادر التي من شأنها لم يتهدّد النظام وشخصه الحاكم (11) (السعودية، الامارات، قطر) من حسبان توخى المصالح الخارجية وشراكتها الدولية للقوى المؤثّرة، كما ان الهدوء كان على مضض (جزر القمر، جيبوتي) لغياب المعارضة وبنيتها الجماهيرية الفاعلة، بينما التراجع الاعلامي حصل (فلسطين, الصومال) لأسبقية الصراع واستثمار المستجداتّ.

أما الاستتباب فقد حُتّم (موريتانيا) لحداثة الانقلاب وتعوّده خلفً عن سلف، غير ان دول التفاقم الربيعي تولّدت مشاهدها السياسية على حالاتٌ ثلاث, الاولى افضت بالسلطة الى جهةٌ مرحّب بها (تونس , مصر) او ديمقراطياً متفق عليها(اليمن)، وفي الحالة الثانية تمت التهدئة اما تصحيحاً للوضع واستجابة للمطالب واما كبتً وهذا ما يتناوله النُقّاد, (المغرب ـ الجزائر ـ الكويت ـ عُمان ـ الاردن ـ السودان) وإما اغواء (العراق ـ لبنان), بينما اُشعل الصراع المسلّح في الحالة الثالثة وبُرز الاسناد الخارجي حوله, بحيث تفرّعت الى تحقيقً للمخططات وافشالٌ للسلام (ليبيا) وإرباكً مُتعمّد (البحرين)، ولازالت على تهدءآتٌ متقطّعة (سوريا)، والى مربّع الصراع أُعيدت اليمن من معضلات داخلية ومؤثّرات خارجية لتتزعّم السعودية قيادة التحالف العسكري مع طرف ضد طرف، ما يشير الى أن الاحداث وإطالتها ليست سوى للتماحك على ثغرات مذهبية تحقّق مرامي القوى المتنفّذة كمآلات اقليمية، تحت مبرر الحقوق وذرائعها وكذا الديمقراطية واسلوبها المنتقص احيانً من سيادة الدولة .

2ـ العوامل والمؤثرات 

من الواضح انه ليست هناك اسباب جينية تمنع دولٌ بعينها من تحقيق المكانة المرموقة، لكن هناك عبارة قد تفصح عن كل الاسباب : وهي ـ لا تنمية بلا نظام ولا نظام بلا استقرار ولا استقرار بلا انسجام اجتماعي ـ والشاهد ان الالمانيتين تُصنّفا على جينة وثقافة واحدة، الاّ ان نظام المانيا الشرقية قبل الوحدة لم يتوسّع في السوق العالمية بالقدر الذي فعله نظام المانيا الغربية، وكذلك ينطبق الحال على الكوريتين الشمالية والجنوبية .

وكعوامل داخلية، فقد أفضت حالة التخلّف العربي الكائنة في القرن العشرين الى واقع الخنوع والانشغالات الداخلية، ليستغل الخارج تدخّلاته ويعبث في الارض كيف يشاء، وهنا يُعتبر ركاكة الاقتصاد الوطني وتفشّي ظاهرة الفساد مع صعوبة الحياة المعيشية، إضافة الى عدم الاستيعاب التعدّدي وعملياته الديمقراطية في مستهل القرن الواحد والعشرون، من العوامل الداخلية في بروز الاحداث العربية ربيع 2011م، وكان المبتدأ من تونس بقدح النار احتجاجاً في 17/12/2010م، لتحتشد الجماهير ويتساير الاسلوب الى اغلب الدول العربية، .

واذا كانت العوامل الداخلية مكمّلةٌ لدوافع المؤثّرات الخارجية، فخلال القرن العشرين تتجلّى دوافع التدخلات الامريكية من الاكتشافات النفطية في المنطقة العربية مع انخفاض التواجد البريطاني كفراغ يُخشى ملئه سوفيتياً، بحيث تفاقم العداء آنذاك وتحوّلت المنطقة الى ساحة صراع قُسّم نظامها وفقاً لمدى الاستقطاب الواقع بين القطبين الشرقي والغربي الى حين الحرب الباردة المنتصر فيها الغرب، لتُقلب موازين العلاقات الدولية والاقليمية بما يتلاءم وسياسة الهيمنة الاميركية على مبالغ الذروة وأيدولوجيتها (صرّح الرئيس الاميركي بوش الابن في حينه عن انها حربٌ صليبية)  من اجتياح افغانستان والعراق عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر2001م، ليُزال نظامان (افغانستان، العراق) ويستفيد الثالث (ايران)، ويُعلن محوران في منطقة الشرق الاوسط بمسمى “محور الممانعة” الذي ضمّ الى ايران سوريا وحزب الله وحركة حماس و”محور الاعتدال” الذي ضمّ الى دول الخليج مصر والاردن، وبهذا فان الهيمنة الاميركية قد تراجعت انكفائياً من تململ الدب الروسي وحُلفائه، والمُساير لتبعات الاحداث الربيعية في المنطقة، لتكون محاربة (داعش) في سوريا من قبل روسيا(كمعسكر شرقي) لتنسحب على صراع قائم في الداخل السوري، كما ساند حلف الناتو (كمعسكر غربي) مقاتلي ليبيا عسكرياً بعملية فجر اوديسا، لتُخلص بمقتل الرئيس معمر القذافي في20/10/2011م بعد مئتين واربعين يوماً من المعارك، ولازال الصراع قائم في الداخل الليبي .

 كل هذا وأكثر يتّضح من مقايضة الامريكان لقرار الإسناد الغير مرحّب به في الغالب شعبياً وعربياً، بآخر يدمّر الاسلحة الكيميائية لسوريا ويتجاهل مساعي الحل الدبلوماسي وتكون براهين سياسة اللعبة وشراكتها الدولية بافتعال التماحك بين المواطنة وهويتها،  بحيث ان المواطنة وقوميّتها التي عربياً يُدار بساحتها الصراع, والهوية وأيدولوجيتها التي دينياً يُغذى بأخطائها التماحك، قد تبلور حولهما الجدال منذ السابق (13)، ولم يُتمكّن من التنسيق في ما بين المهام، من تعليل فاعليّة الخصوم .

والى هذا نشير (من التطرّق وليس موضوعنا هنا) الى ان الخارج وبسيمفونيات الانظمة الدولية ابدى تأثيره وعزف على قيثارة الحزبية تلاحين افكاره بواقع القبول السياسي من قبل البعض (دعاة المواطنة) والرفض الفكري من البعض الآخر (دعاة الهوية)، فكانت الاشتراكية المُأطّرة للديمقراطية والمعمّمة للاقتصاد قادمة هبوبً من الشرق(بزعامة السوفييت) كمهام تُنفّذ اسنادً للطبقة الكادحة، تقابلت ومن ثم حجّمت ليبرالياً بإطلاق العنان للحرية وتبنّي الرأسمالية قدوماً من الغرب (بزعامة الأمريكان) كمهام تُنفّذ إحقاقً للأقليات البشرية .  

ثالثاً/ المعالجات والرؤى :

1ـ معالجات إجرائية 

على أي شعوب مُضطهدة ان تناضل من اجل الحرية والاستقلال وهكذا كان عربياً خلال القرن العشرين، ومن الضروري ان تنشأ منظومة مؤسسية تجابه التحديات وتعالج الاخطاء المترتبة، فمنذ اجتياح المنطقة العربية خارجياً أواخر القرن التاسع عشر، تم في عام 1945م كمعالجة إجرائية إنشاء جامعة الدول العربية على اُسسٌ قومية تتبنّى مباحثات الوحدة العربية من مكمن العقيدة والتفاعلات، بعد ان كان كل قطر عربي يعاني مشكلاته منفرداً خلال الفترة السابقة، مع رغبة الجماهير في لمّ الشمل بملاحظة ان ميثاق الجامعة قد نص على إنّها (الجامعة) نشأت ـ استجابة للرأي العام العربي في جميع الاقطار العربية ـ وهذه حقيقة لا يمكن ان تتجاوزها مؤثّرات الخارج او تغطها معضلات الداخل، غير ان الجدال من ازمة نفوس حول مضمون النصوص بإشارة ـ من وجهة نظرنا ـ ان للدور الاجنبي وإملاءاته وجود، قد أعاق جهود الوحدة بشقيها القومي والاسلامي على مُتّضح الغموض بين الادارة والاعضاء، وهذه هي الازمة المعاصرة المفترض لتجاوزها العمل الجاد بالحد الادنى (القومية) في بعض المراحل ، إذ لا يمكن لأي مطامح ان تبدأ دون حد ادنى .        

ومع ذلك فقد انضوى ميثاق الجامعة العربية على نصوص تشير الى المنظور المستقبلي، كما عملت جل الحركات العربية تحت الشعارات الاسلامية إدراكاً ان للمعتقد الديني مفاعلة حال التعبئة الجماهيرية، كون النظام الاسلامي لا يمثّل مشكلة بالنسبة الى القومية العربية من تأكيد العلاقة الوثيقة بين العروبة والاسلام، على اعتبار ان الحضارة العربية هي المنبع .

والى ذلك فان البال العربي لم يهنئ على حال التأسيس، ليُعلن من خلال قمتي عمّان 2001م وشرم الشيخ 2003م عن مبتغى التصحيح وتطوير الهيكل المؤسسي للجامعة ، وسُلّمت المبادرات من قبل سبع دول من الاعضاء (السودان، السعودية، سور  يا، قطر، ليبيا، مصر، اليمن) الى الامانة العامة، مُشتركة في العديد من العناصر ومنفردة على البعض المُتميّز. 

2ـ رؤى مقترحة 

لواقع الأحداث وعواملها الداخلية التي تُشخّص في إشكالية الحقوق وإهدارها، لسبب الجمود المبدء للتنافر بين المُعتّقد والافكار وكذا الاجتهاد والتقليد، تناقضاً لما اقرّته مصادر التشريع الاسلامي (القرآن الكريم، السنّة النبوية، الاجماع، القياس) بأن الاصل اللازم فرض والفرع المُتنفّل سنّة يأجر فاعلها ولا يعاقب تاركها, فاخذ البعض لحكم الفرع بمأخذ الاصل من ناحية الاجازة والتحريم وافتى في الدين جزماً على خصوصيته ما اظهر التنابز الوصفي واعاق جهود الوحدة العربية، فضعفت الرقابة وتفشّى الفساد واُهدرت الحقوق وفي المقام الاول منها  المعيشية التي منها و لها اندلعت الاحداث واستغلّها المؤثّرون من غياب الادوار العربية وجامعتها في تقديم المبادرات وتفويت التدخلات الخارجية،،،

نقترح (22) ان يكون: نظام الاقطار سيادي في الجانب التّشريعي والمهام الاستراتيجية, وأداري للأقاليم داخل القطر في الجانب القانوني والمهام الخدميّة، مع الضرورة النسبية المتقاربة في الموارد والعدد السكاني ومساحتهما بشرط الخضوع الحتمي لأسس المواطنة لا العرقية او الفئوية او ما يشاكلهما حال التوزيع, كل ذلك من أجل الاقتراب افي خدمة المُدارين وتشجيع سُبل النشاط الاقتصادي, على ان يكون رئيس القطر ممثلً خارجياً له ومشرفً عليه داخلياً يسائل المقصّرين ويحاسبهم بينما يُسائل هو امام السلّطة التشريعية، وفترة حكمه فترتين ومن ثم يُرفّع الى المستوى الاستشاري لهدف الاستفادة من الخبرات المكتسبة اثناء الحكم ومقايسة الحال الديمقراطي شوروياً، بحيث يكون هذا المنصب هو الاعلى رمزياً في البلد من خلال منحه المزايا تحت مسمى(الاستشارية العليا) كمؤسسة تتدارس الشؤون العامة للقطر وتقيّم النشاط مع تقدّم الاستشارات والخطط الاسترشادية كما تُسيّر الحكم دون سلطة تشريعيّة حال الفراغ الرئاسي .

وللبناء القومي ومطامحه نضيف:

ـ تطوير ميثاق الجامعة العربية اتحادياً من استخلاص بنود المبادرات حول هذا الجانب , وفق اُسسً ترسم قواعد الاستراتيجيات المُشتركة للمصير الواحد .

ـ يُمنح هذا الاتحاد صلاحيات اوسع تأهله في إنشاء (جهاز تشريعي يصوغ اللوائح ويقر المواثيق ـ محكمة عدلية تفضّ في الخلافات داخل الاقطار او مع بعضها ـ حلف عسكري يجابه التحديات المحدقة ويقوّي من عزيمة ابناء الامة ـ عُملة موحّدة تدعّم الاقتصاد العربي وتفرض مساره), وما الى ذلك من اجهزة من شأنها ان تمتّن العمل الوحدوي .

ـ إقرار حضور عربي موحّد في المحافل الدولية يُشعر الفرد العربي من خلاله بما يراعي عُروبته ويحقق ضرورة الاسهام في صياغة القوانين الدولية, مُفعّلً ذلك الإقرار بإتاحة التنقّل للفرد العربي بين الاقطار العربية بمأخذ كرت الهويّة الشخصيّة والعائلية لصغار السّن .

والى هذا فالأمر يحتاج الى العديد من الإثراءات البحثية واستخلاصها .. كيف لا  ودول النفوذ الخارجي(وخصوصاً اميركا منها) تُأخذ توصيات مراكزها البحثيّة ومفكّريها على محمل الاهتمام والشراكة المجتمعيّة (24) .

المراجع والهوامش:

1ـ فتحي يكن(المتغيرات الدولية والدور الاسلامي المطلوب) مؤسسة الرسالةـ بيروت ط1993 

2ـ المائدة الآية 5 

3ـ محمد عبد اللطيف الشوكاني(تداعيات فكرة الشرق اوسطية على النظام الاقليمي العربي) شؤون العصر العدد13 ـ 2003

4ـ علي بن عبدالله الواسعي(الاسلام في 14قرن) دار البشير ، صنعاء طـ1984، صـ84ـ90

5ـ  الواسعي، المرجع السابق

6ـ احمد سليم سعيدان(مقدمة لتاريخ الفكر العلمي في الاسلام)دار القلم، بيروت ـ طـ1992 صـ92ـ95

7ـ كما يتضمّن ذلك مدلول القاعدة الفقهية المُخبرة بأن الاسلام قابل لكل زمان ومكان

8ـ احمد منصور (قصة سقوط بغداد ـ الحقيقة بالوثائق)طـ6، الدار العربية للعلوم ناشرون، دار بن حزم ـ بيروت صـ51

9ـ تحليل لوحدة الدراسات والتحليل في منتدى العُلا للدراسات بعنوان (المخططات العقدية في السياسة الاميركية) صحيفة العُلا ـ العدد4 يناير2011صـ3

10ـ محمد المصري(سياسات الولايات المتحدة الاميركية في الشرق الاوسط)سياسات عربية العدد7 اذار/مارس2014 صـ58

10ـ جورج فريد مان (الثورة وحدود التحوّل في العالم الاسلامي) مدارات استراتيجية ـ العددان 8،7 يناير/ابريل2011 ـ مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية ـ صنعاء ،صـ121 

11ـ الى ذلك صرّحت نائب السفير الاميركي بصنعاء عن وجوب إخراج طلاب المركز من محافظة صعدة الى محافظة اخرى، لأنهم بحسب تصريحاتها يشكّلون خطر على اميركاـ يُنظر: السلفيون ضحية الإصلاح والسعودية واميركا واولاد الاحمرـ صحيفة الهوية 16/2014

12ـ نشرة واشنطن العربية ـ مكتب برنامج الاعلام الخارجي بوزارة الخارجية الاميركية 

 الثلاثاء 15/4/2003ـ على الرابط http:usinfo.state.gov 

13ـ يُنظر جلال امين(مستقبل القومية العربية)مجلة الدراسات الفلسطينيةـ العدد82ربيع2010ـ مؤسسة الدراسات الفلسطينية، لبنان صـ45

14ـ الآية13(الحجرات)

15ـ نور بورت روبرز (دليل برجهوف لإدارة وتسيير اجتماعات الحوار) كتيب وزّع في اروقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن

16ـ ريتشارد نيد ليبو( لماذا تتحارب الامم ـ دوافع الحرب في الماضي والمستقبل ـ ترجمة إيهاب عبدالرحيم علي، سلسلة عالم المعرفة العدد403اغسطس 2013، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت

17ـ جرّاء الحرب الاميركية على العراق في 2003 بتوجيهات من الرئيس بوش الابن عن الحزب الجمهوري (كسياسة مد)ابدت التبعات خفايا التضخّم المالي في الموازنة الاميركية وتدنّي الرأي العام الاميركي حول ذلك الإجراء، فغيّر الأمريكان من سياستهم بتوجيهات الرئيس اوباما عن الحزب الديمقراطي (كسياسة جزر)بحيث استمرّ التواجد من الجيش الاميركي على الاراضي العراقية بدعوى تأهيل الجيش العراقي وإسناده حال اللزوم في مواجهة المقاتلين

 18ـ محمد سيف حيدر، علي عبدالله جسار(المشكلة الاثنية واثرها في قوة الدولةـ مقاربة نظرية عامة) سلسلة اوراق بحثية اعدد3ـ مركز سبأ للدراسات الاستراتيجيةـ صنعاء

19ـ احمد قائد الشعيبي(وثيقة المدينة ـ المضمون والدلالة)سلسلة كتاب الامة العدد110ـ وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية ـ قطر

20ـ السيد عبدالعزيز سالم(دراسات في تاريخ العرب ـ تاريخ الدولة العربية ـ الجزء الثاني) مؤسسة شباب الجامعة ، دون ذكر التاريخ وعنوان الناشر ،صـ 192ـ 195

21ـ للمزيد حول الشأن العربي يُنظر: مجدي حماد(جامعة الدول العربية ـ مدخل الى المستقبل)سلسلة عالم المعرفة العدد299 ديسمبر2003/يناير2004ـ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ـ الكويت

22ـ من إتاحة الشراكة المجتمعية خلال مؤتمر لحوار الوطني الشامل ، قدّم رئيس منتدى العُلا للدراسات مضامين الورقة باسم(رؤى بناءة)

23ـ حماد،  المرجع السابق

24ـ علي شعثان(المؤثرات الخارجية في المماحكات اليمنية) سياسات عربية العدد12يناير2015 صـ110, محمد المصري مرجع سابق صـ57 , ملحق مجلة البيان ـ سلسلة متابعات سياسية ـ العدد 1 صـ7 .

علي حسن شعثان

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *