“الدائرة المغلقة”: كتاب يكشف خبايا شبكة الإخوان التخريبية في الغرب وفي الدول العربية
صوت الضفتين- كتب
منذ ستينيات القرن الماضي، تعمل شبكة الإخوان المشبوهة في الغرب على تحقيق أهداف الجماعة المتمثلة في تقويض المجتمعات الغربية من الداخل، وتتمدد يوما بعد يوم، ناشرة أذرعها في كل الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
وفي كتابه الجديد “الدائرة المغلقة.. الانضمام للإخوان المسلمين في الغرب وتركها”، يعرض الباحث الأمريكي ذو الأصول الإيطالية لورينزو فيدينو، أهم باحث غربي في شؤون تنظيم الإخوان ورئيس مركز التطرف بجامعة جورج واشنطن الأمريكية، لكيفية عمل شبكة الإخوان في الدول الغربية، وتحركاتها، وفق شهادات من عناصر إخوانية منشقة.
إبراهيم الزيات.. “عنكبوت” الإخوان في أوروبا
وتعتبر المقابلات مع المنشقين طريقة مناسبة لتكوين نظرة ثاقبة للمنظمات المغلقة والأوساط المعزولة مثل تنظيم الإخوان. لذلك قدم فيدينو الذي شارك في مراجعات بريطانيا والنمسا لملف الإخوان عامي 2014 و2017 على الترتيب، تحليلاً لبنية شبكة الإخوان في الدول الغربية استنادا لتصريحات وشهادات مسؤولين وأعضاء منشقين.
شبكة عالمية.. لكن سرية
وفي مقدمة كتابه الذي يأتي في 296 صفحة من القطع المتوسط، يؤكد فيدينو أن جماعة الإخوان لا تشمل فقط المنظمة الأم التي أسسها حسن البنا في مصر عام 1928، ولكنها تمثل شبكة عالمية من المنظمات.
ولفت الكتاب الذي نشرته جامعة كولومبيا الأمريكية العريقة، إلى أن أفرع الإخوان في الدول الغربية هي أحصنة طراودة المعاصرة التي تعمل على إضعاف وتقويض الأنظمة الديمقراطية الغربية من الداخل عبر اتباع أساليب تخريبية.
وأحد أهم النتائج التي توصل إليها الكتاب هي أن شبكة الإخوان متشابكة بشكل قوي، وليست تنظيمات منفردة في كل دولة، وهو ما ينكره قيادات الجماعة في الدول الأوروبية بشدة، ويؤكدون أنهم ليسوا تابعين أو خاضعين للمنظمة الأم في مصر.
ويفيد الكتاب المطروح في الأسواق منذ نهاية مارس/آذار الماضي، بأن الإخوان في أوروبا منظمون بطريقة مماثلة تماما لتلك الموجودة في الدول العربية. وعادة ما تسير عملية التجنيد والترقي في أوروبا في مسار معقد يبدأ بالأسرة ثم الشعبة حتى القيادة العليا، لكن الجماعة تحيط كل هيكلها في الغرب بقدر كبير من السرية.
وقال الإخواني السابق بيير دوراني، المولود في السويد عن انضمامه للجماعة، في شهادته بالكتاب: “ساعدت منظمة لا أقبل بأفكارها الأصولية”.
وانضم دوراني للإخوان أثناء دراسته في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس، وأصبح من القيادات الرئيسية، ثم انتقل للعمل في شبكة الجماعة في السويد، قبل أن ينفصل عن الجماعة بشكل كامل وينتقد هياكلها التنظيمية وأفكارها الأصولية.
زرع الأفكار المتطرفة
وفي شبكة الإخوان في أوروبا، تعد “الأسرة” أصغر وحدة في التنظيم، وتتكون عادة من 5 إلى 15 فردا في مدينة واحدة، يلتقون بشكل أسبوعي لقراءة ومناقشة كتابات متطرفة مثل تلك الخاصة بيوسف القرضاوي، وسيد قطب، وفق الكتاب.
وبسبب قلة عدد الأعضاء في الدول الغربية مقارنة ببعض الدول العربية، يجري تشكيل الشعب على مستوى إقليمي (الولايات والمقاطعات)، وليس على مستوى المدن.
وفي الغرب مثل الدول العربية، تعتبر جماعة الإخوان منظمة ذات تنظيم هرمي صارم واستبدادي، يكون للقيادة فيه اليد العليا، ما يسبب مشاكل كبيرة للأعضاء الذين نشأوا وعاشوا في ظل الديمقراطيات الغربية، ويدفعهم للتمرد.
كما أن استراتيجيات السرية والتحرك في الظلام يمكن أن يقبلها أعضاء المنظمة في الدول العربية، لكن أعضاءها في الغرب لا يتعايشون معها، وينتقدوها بشكل مستمر.
وفي هذا الإطار، نقل الكتاب عن كمال الهلباوى المنشق عن الإخوان، انتقاده الكبير للعمل السري كأساس من أسس الجماعة، حيث قال “الجماعة لا تبيع الأفيون والمخدرات، وإنما تنشر الدعوة وفق أهدافها المعلنة.. فلماذا السرية”.
وكان الهلباوي من بين الجيل الذي أسس وجود الإخوان في أوروبا، وشارك في تأسيس المجلس الإسلامي البريطاني، والجمعية الإسلامية البريطانية، وفي حين أن المنظمة الأولى متأثرة بالإخوان وتقبل في عضويتها أعضاء الجماعة، فإن الثانية تعتبر فرعا مباشر للجماعة في بريطانيا.
ووفق الكتاب، فإن المنظمات الفردية، سواء التابعة مباشرة للإخوان أو المتأثرة بها، مرتبطة ببعضها بشكل وثيق داخل البلد الواحد، ثم داخل القارة الأوروبية، لتكون شبكة كبيرة متماسكة ومتشعبة. وتعتمد هذه الشبكة على التخصص وتقسيم العمل، فتعهد لبعض القيادات بالدعوة والتجنيد، وبعضها الأخر بالضغط السياسي، وآخرين يتولون ملف جمع التمويل.
استراتيجية الخداع
ونقل الكتاب عن المسؤول الدنماركي السابق في الإخوان، أحمد أكاري، قوله “أسسنا رؤيتنا على أن الغرب قصير النظر، لا يطلب منا سوى التصويت في الانتخابات، وألا نكون بن لادن”، في إشارة إلى اتباع الجماعة استراتيجية تعتمد على الاندماج الكامل في المجتمعات والتظاهر بنبذ العنف، كغطاء لأنشطتها.
وأوضح الكتاب “نبذ العنف المعلن يعتبر خطوة تكتيكية من الجماعة، فهي لا تزال تعتبر الإرهاب وسيلة مشروعة لتحقيق أهدافها المتمثلة في فرض رؤيتها ونظامها الحاكم على المجتمع”.
اختراق الأحزاب السياسية
وبالإضافة إلى ذلك، تعتمد الجماعة على استراتيجية أخرى في اختراق المجتمعات الغربية، تتمثل في محاولة التأثير على الأحزاب السياسية، واختراقها.
ففي السويد على سبيل المثال، يعمل المجلس الإسلامي السويدي، وهي منظمة يهيمن عليها الإخوان، مع حركة (SAP) السياسية الشهيرة، ويجمعهما اتفاقية تعاون. كما أن الإخوان تسعى دائما لاختراق الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية والخضر، عبر زرع أعضاء من الجماعة فيها، أو إبرام اتفاقات تعاون.
ولا يتوقف محاولات الإخوان عند ذلك، فهي تحاول أيضا اختراق الأحزاب المحافظة “يمين وسط”. وعلى سبيل المثال، كان الإخواني عبد الرزاق وابري، قياديا في التنظيم في السويد، وانتخب في عام 2010، عضوا بالبرلمان عن حزب الاعتدال المحافظ، وكان عضوا في لجنة الدفاع بالبرلمان.
خلافات داخلية وانشقاقات
لكن الأمر لا يخلو من الخلافات الداخلية، حيث تؤدي المواقف البراجماتية للقيادات إلى أزمات كبرى مع القواعد الشبابية. وظهر ذلك جليا في حالة المسؤول الإخواني في الدنمارك أحمد أكاري، الذي استقال من الجماعة قبل سنوات، وبرر استقالته بـ”الغضب من موقف القيادات من الرسوم المسيئة للرسول في 2005، وميلها لعدم التصعيد.
كما أن شباب الإخوان في الغرب لا يتبنون رؤيتها للعالم كوحدة واحدة وتجاوزها الأوطان، حيث يميل الشباب الذي نشأ وتلقى تعليمه في الغرب إلى تبني رؤية محلية والتركيز على الأوطان المنحدرين منها فقط. لذلك لا تعد شبكة الإخوان في أوروبا تنظيم متماسك يتمحور حول فكرة واحدة أو أهداف واحدة، ما يدفع العديد من أعضائه للانشقاق بشكل مستمر.
ولم يتناول الكتاب ملف الإخوان في ألمانيا بإسهاب، وبرر فيدينو ذلك بقوله “ألمانيا ذات أهمية كبيرة لشبكة الإخوان في أوروبا، وهي واحدة من الدول الأساسية للجماعة، سواء من حيث عدد المنظمات، أو القيادات، لكن الكتاب يعتمد على مقابلات مع المنشقين عن التنظيم، ولم أجد منشقا في ألمانيا يمكن البناء على رؤيته”.
غموض وطبيعة شريرة
وفي النهاية، تظل شبكة الإخوان المسلمين في الغرب كيانا غامضا، يرى المراقبون أنه يملك طبيعة شريرة ويكرس موارده وتحركاته من أجل تنفيذ خططه في السيطرة على المجتمعات الغربية.
ورغم أن الوكالات الحكومية في كل الدول الغربية تكافح النفوذ الإخواني في بلدانها، إلا أنه لا يوجد تقييما متماسكا للإخوان، تتبعه جميع الأفرع الحكومية داخل الدولة الواحدة، وجميع الحكومات في الدول الغربية، ولا يوجد كتاب أبيض صادر عن سلطة مركزية يحدد المنظمات الإخوانية في الغرب وطريقة التعامل معها.
لذلك، يوجد تناقضات كبيرة في السياسات المتبعة لمواجهة نفوذ الإخوان، وتختلف استراتيجية كل دولة في التعامل مع الجماعة من حيث الحدة، ففي حين اكتفت بريطانيا بمراجعة ملف الجماعة في 2014 دون إجراءات قوية، تضع ألمانيا كل مؤسسات وقيادات الجماعة تحت رقابة قوية من الاستخبارات الداخلية وتصنف الإخوان كــ”تهديد للدستور”.
كما أن شبكة الإخوان كتنظيم تفضح نفسها، فرغم إعلانها المتكرر التزامها بالديمقراطيات في الدول الغربية، إلا أنها تفتقر تماما للديمقراطية الداخلية. ويتفق جميع المنشقين عن الجماعة في الدول الغربية على أن غياب الديمقراطية والتسلسل الهرمي الاستبدادي وانعدام الشفافية هما أبرز آفات التنظيم الداخلية.
وعبر الكتاب عن صعوبة التنظيم الهرمي بقوله “القيادات يمكنها تحريك الشباب بمكالمة هاتفية واتخاذ أي قرارات مهما كانت تداعياتها، وتجاهل كل القوانين والإجراءات والاعتراضات”.
وتابع “الإخوان تسير وفق مبدأ: اغلق فمك وسر وراء قياداتك سواء العليا أو المتوسطة”، مضيفا “هذا يجعل الشبان في الغرب ينفصلون بأعداد كبيرة عن الجماعة”.
عن موقع العين الاخبارية