نزار الجليدي يكتب/ تونس “بلد آمن” كلمة حق أريد بها باطل… حين يتحوّل التصنيف الأوروبي إلى *هرطقة سياسة…
حين أقرّ البرلمان الأوروبي إدراج تونس ضمن قائمة “بلدان الأصل الآمنة”، لم يكن ذلك اعترافًا بريئًا باستقرار الدولة التونسية بقدر ما كان قرارًا إداريًا ذا وظيفة سياسية واضحة. نعم، تونس بلد آمن، ولم يقل أحد يومًا عكس ذلك وهي كانت كذلك حتى في أحلك الظروف التي مرّت بها. لكن السؤال الحقيقي ليس في الوصف، بل في النوايا الكامنة خلف هذا التصنيف وفي طريقة توظيفه داخل المنظومة الأوروبية.
أوروبا اليوم تبحث عن حلول سريعة لأزمتها الداخلية:
ضغط انتخابي، تشبّع أنظمة اللجوء، وتنامي خطاب اليمين العنصري المتطرف. في هذا السياق، تصبح قائمة “البلدان الآمنة” أداة لتسريع رفض مطالب اللجوء وترحيل أكبر عدد ممكن من طالبي الهجرة. تونس أُدرجت في هذا الإطار، لا كشريك متكافئ، بل كحلّ مريح لمشكلة أوروبية داخلية.
المفارقة أن الدولة التونسية، منذ سنوات، تؤدي دورًا يتجاوز قدراتها: تتحمّل عبء تدفّق ملايين المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، وتمنع تحوّل أراضيها إلى منصّة عبور جماعي نحو الشمال. كل ذلك بكلفة مالية وأمنية واجتماعية ضخمة، وبحدّ أدنى من الدعم الأوروبي الحقيقي. ورغم هذا الجهد، لا يُعامل المواطن التونسي معاملة تفضيلية من قبل الأوروبيين، لا في التأشيرات، ولا في الهجرة النظامية، ولا حتى في لمّ الشمل العائلي الذي أصبح شبه مستحيل إلا لمن يملك ثروة طائلة.
صحيح أن النصوص الأوروبية تتحدث رسميًا عن “طالبي لجوء”، لكن الواقع معروف: هذا التصنيف سيُستعمل عمليًا لتوسيع دائرة الترحيل، بما يشمل تونسيين غادروا بلدهم تحت الضغط الاقتصادي، وهو ضغط لا يمكن فصله عن السياسات الأوروبية نفسها في جنوب المتوسط. الهجرة بدافع الحاجة ليست جريمة، وهي حق إنساني قبل أن تكون ملفًا إداريًا.
وللتذكير: حرية التنقّل مدرج في لائحة حقوق الإنسان.
الأخطر في هذا التصنيف هو ما يتجاهله الأوروبيون عمدًا. فإذا كانت تونس “بلدًا آمنًا”، فإن ذلك يفرض على أوروبا التزامات واضحة: أولها احترام مواطني هذا البلد، الذين تعرّض كثير منهم لانتهاكات موثّقة من قبل خفر السواحل وقوات الأمن في بعض الدول الأوروبية، دون محاسبة حقيقية أو اعتذار رسمي.
وثانيها، وهو الأهم، التعاون القضائي الكامل. فالدول التي تصنّف تونس بالآمنة لا يمكنها في الوقت نفسه أن تحمي على أراضيها أشخاصًا مدانين أو مطلوبين من القضاء التونسي، تحت عناوين سياسية أو حقوقية انتقائية.
التصنيف لا يكون انتقائيًا: إما اعتراف كامل بالدولة ومؤسساتها، أو لا معنى له.
من هنا، يصبح هذا القرار الأوروبي اختبارًا لسيادة تونس قبل أن يكون إجراءً تقنيًا. فالدولة التونسية ليست مطالبة بالتصعيد، لكنها تتطال بالوضوح و بالحدّ الأدنى من العقلانية . لا ترحيل دون معاملة محترمة، لا تعاون دون تعامل بالمثل، ولا قبول بلعب دور حارس الحدود لأوروبا دون اعتراف فعلي بحقوق التونسيين ومصالحهم قبل أي اعتبار.
إذا كانت أوروبا تعتبر تونس بلدًا آمنًا، فعليها أن تتصرّف على هذا الأساس، لا أن تستخدم الوصف كغطاء لحلّ أزماتها الداخلية وأولها أزكة المهاجرين. وعلى الأوروبيين أن يدركوا بأنّ الشراكة لا تُبنى بالتصنيفات، بل بالاحترام المتبادل. والاحترام يبدأ حين يتوقّف التعامل مع المواطن التونسي كعبء، ويُنظر إليه كشريك، لا كورقة إدارية قابلة للترحيل.
نعم تونس بلد آمن و لايتخلّى عن أبنائه و حين تضيق بهم السبل يعودون معززين مكرّمين .
وتونس بلد آمن وذو سيادة و حين يطالب بمطلوبين للعدالة بتهم التآمر و غيرها على أوروبا أن تسلمهم فورا فالبلد الآمن من مقوماتها قضاء عادل فلاحجة لهم .
وكل حججهم مردودة عليهم .و عليه فوجب أن يتوقف هذا التناقض في الخطاب و المعايير من طرف الأوروبيين و أن يكفوا عن معاملة تونس و البلدان المشابهة لها على أنها مستعمرات قديمة .
وأن يتوقفوا عن الهرطقة السياسية.
*هرطقة: الإِتْيَانُ بِالْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لأُصُولِ الدِّينِ المسيحي



