عودة الخدمة العسكرية في فرنسا… هل تستعد أوروبا لمرحلة ما قبل الحرب؟
تشهد فرنسا وأوروبا نقاشاً متصاعداً حول مستقبل الأمن والدفاع، في ظل تسارع الأحداث العالمية وعودة الحديث عن احتمال اندلاع مواجهات عسكرية على الأراضي الأوروبية. وفي هذا السياق، تتوقع مصادر إعلامية أن يعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قريباً عن عودة نظام الخدمة العسكرية بصيغة تطوعية، بعد أكثر من ربع قرن على إلغائها عام 1997 من قبل الرئيس الراحل جاك شيراك.
أسباب العودة إلى الخدمة العسكرية
أشار رئيس هيئة الأركان الفرنسي الجنرال فابيان ماندون إلى أن عدة دول أوروبية اتخذت بالفعل خطوات لإعادة العمل بالخدمة العسكرية، في ظلّ مخاطر متزايدة نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية. ويرى ماندون أن فرنسا تواجه تهديدات جدية تستوجب رفع جاهزية الجيش وزيادة عدد الجنود، ضمن رؤية أوسع للدفاع الأوروبي.
وبحسب تقارير إعلامية، تدرس باريس منذ أشهر مشروع إنشاء نظام خدمة عسكرية تطوعية بمدد مختلفة، قد يستقطب بين 10 آلاف و50 ألف شاب سنوياً.
تحذيرات صادمة… وردود فعل واسعة
أثار خطاب ماندون أمام مؤتمر رؤساء البلديات الفرنسية صدمة واسعة، بعدما تحدث بشكل مباشر عن ضرورة استعداد الفرنسيين لـ«تضحيات كبيرة» في حال تعرض البلاد لحرب، مشيراً إلى احتمال عيش المواطنين ظروفاً اقتصادية صعبة نتيجة تحويل الموارد نحو ميزانيات الدفاع.
ولم تختلف تصريحاته الحالية عن مواقفه السابقة منذ توليه منصبه في سبتمبر الماضي، إذ أكد مراراً أن روسيا قد تكون قادرة على شن هجوم على دولة عضو في الناتو خلال 3 إلى 4 سنوات، وهو ما أثار موجة انتقادات سياسية داخل فرنسا.
أزمة اقتصادية وسياسية تعقّد المشهد
يرى محللون أن النقاش حول الخدمة العسكرية يعكس أزمات أعمق تعيشها فرنسا، من بينها:
-
أزمة اقتصادية خانقة تؤثر مباشرة على المستوى المعيشي.
-
انقسام سياسي حاد داخل البرلمان، يمنع التوافق على الميزانيات الدفاعية.
-
تراجع ثقة الشارع في قدرة الحكومة على إدارة الأزمة.
-
صعود خطاب اليمين المتطرف الذي يربط الأزمات بقضايا الهجرة.
على المستوى الخارجي، ساهمت مواقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في تراجع الاعتماد الأوروبي على الولايات المتحدة في حال نشوب حرب، ما دفع الأوروبيين إلى التفكير في بناء منظومة دفاعية مستقلة.
مخاوف أوروبية مشتركة
لا تُعد تصريحات رئيس الأركان الفرنسي حالة منفردة، إذ عبّر عدد من كبار المسؤولين العسكريين في السويد، بولندا وألمانيا عن مخاوف مشابهة بشأن توسع القدرات الروسية.
وتأتي هذه التحذيرات في وقت تشهد فيه أوروبا انقساماً حول كيفية التعامل مع موسكو، إضافة إلى تحديات جديدة من الجنوب والشرق ولا سيما نشاط الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل.
اتجاه أوروبي نحو إعادة تشكيل الدفاع
يرجّح خبراء أن الأزمة الحالية قد تدفع دول الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز ميزانيات الدفاع، وإحياء مشاريع بناء جيش أوروبي مشترك، وسط مخاوف من تغيّر موازين القوى الدولية.
وبين التحذيرات العسكرية والانقسامات السياسية، يبقى إعلان ماكرون حول الخدمة العسكرية المنتظرة خطوة قد تغيّر ملامح السياسة الدفاعية الفرنسية خلال السنوات المقبلة.



