الحكومة الإيطالية في مرمى الانتقادات بعد ترحيل «جلّاد طرابلس» من تورينو إلى ليبيا
أعاد توقيف الجنرال الليبي أسامة المصري انجيم، المعروف بلقب «جلّاد طرابلس»، في ليبيا، الجدل في إيطاليا حول الطريقة التي تعاملت بها حكومة جورجيا ميلوني مع اعتقاله في مدينة تورينو مطلع العام الجاري، وقرارها المثير للجدل بإعادته إلى ليبيا في إجراء وصفه الخبراء بأنه غير قانوني ومخالف للأعراف الدولية.
ترحيل استثنائي يثير التساؤلات
اعتُقل المصري في 18 يناير الماضي بمدينة تورينو بناءً على مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب، وتعذيب، واغتصاب، وقتل مدنيين.
لكن بعد ثلاثة أيام فقط، في 21 يناير، قررت الحكومة الإيطالية الإفراج عنه وترحيله إلى ليبيا على متن طائرة خاصة تابعة لجهاز الاستخبارات الإيطالية، في خطوة غير مسبوقة من حيث السرعة والإجراءات.
وُصفت هذه العملية بأنها تجاوز صارخ للقانون الدولي، وأثارت موجة من الانتقادات من قبل منظمات حقوقية وسياسيين معارضين اتهموا الحكومة بانتهاك التزاماتها الدولية تجاه المحكمة الجنائية.
تناقضات حكومية وتبريرات متضاربة
منذ وقوع الحادثة، تتبدّل رواية الحكومة الإيطالية باستمرار.
ففي البداية، أكدت روما أن الترحيل تم «لدواعٍ سياسية»، ثم عادت لتقول إنه «إجراء إداري تقني».
لاحقًا، تبنّت الحكومة تبريرًا جديدًا مفاده أن القرار اتُخذ «لأسباب تتعلق بالأمن القومي»، خشية هجمات انتقامية ضد المواطنين الإيطاليين في ليبيا إذا بقي المصري محتجزًا في إيطاليا أو تم تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية.
هذا التضارب في المواقف أدى إلى فتح تحقيق أمام محكمة الوزراء الإيطالية ضد ثلاثة من كبار المسؤولين في الحكومة.
شخصيات حكومية تحت المجهر
تطال القضية كلًّا من:
-
ألفريدو مانتوفانو، وكيل رئاسة الوزراء والمشرف على الاستخبارات،
-
كارلو نورديو، وزير العدل،
-
ماتّيو بيانتيدوزي، وزير الداخلية.
وقد اتُّهم الثلاثة بأنهم تجاوزوا صلاحياتهم القانونية في تنفيذ قرار الترحيل دون احترام الإجراءات المعمول بها.
لكن البرلمان الإيطالي رفض رفع الحصانة عنهم، مستندًا إلى مبدأ «المصلحة العليا للدولة» (raison d’État)، ما أدى إلى إسقاط الملف قضائيًا رغم استمرار الجدل السياسي.
مخالفات في الطلب الليبي لتسليم المصري
تكشف الوثائق القضائية أن الطلب الرسمي من ليبيا لتسليم المصري لم يصل إلى الحكومة الإيطالية إلا في 22 يناير، أي بعد ترحيله فعليًا إلى طرابلس بيوم كامل.
بمعنى آخر، نُفذ الترحيل قبل وصول الطلب الرسمي، ما يجعل العملية برمتها غير قانونية.
وأكد مسؤولان بارزان في وزارة العدل الإيطالية، هما كريستينا لوكّيني ولويجي بيرّيتّيري، أن الطلب الليبي كان «غير مكتمل» و«يفتقر إلى الأساس القانوني». وقد استقال أحدهما لاحقًا احتجاجًا على ما وصفه بـ«ضغوط سياسية».
عودة المصري إلى الواجهة من جديد
في 5 نوفمبر الجاري، أعلنت السلطات الليبية إعادة اعتقال أسامة المصري انجيم بتهم تتعلق بتعذيب عشرة مهاجرين كانوا محتجزين في مركز تابع له، والتسبّب في مقتل أحدهم تحت التعذيب.
وبعد ساعات من الإعلان، أصدرت الحكومة الإيطالية بيانًا أكدت فيه أنها كانت «على علم بالإجراءات القضائية الجارية» وأنها «تنسّق مع السلطات الليبية».
لكن مراقبين وصفوا البيان بأنه محاولة متأخرة لتبرير قرار سياسي خاطئ، مؤكدين أن التبريرات الرسمية الإيطالية تتناقض مع الواقع القانوني والسياسي.
أزمة ثقة وتآكل مصداقية
تُبرز هذه القضية الارتباك الواضح في السياسة الإيطالية تجاه ليبيا، خاصة في ما يتعلق بالتعاون الأمني ومكافحة الهجرة.
ويرى محللون أن ما جرى مع «جلّاد طرابلس» يُعد نموذجًا صارخًا لتغليب المصالح السياسية والأمنية على الالتزامات القانونية والإنسانية.
كما أنه يطرح تساؤلات عميقة حول شفافية الحكومة الإيطالية وقدرتها على التوفيق بين مصالحها القومية واحترامها للقانون الدولي.



