هادي التليلي يكتب/ الترفيه ورهان المحلية.... - صوت الضفتين

هادي التليلي يكتب/ الترفيه ورهان المحلية….

عندما نتحدث عن الفعل الترفيهي فإننا نتحدث بالضرورة وبلا مواربة عن المثلث الإنجازي من يفعل ماذا (Qui fait quoi) بقطع النظر عن زمن الإنجاز ومدته بما في ذلك الزمن الذاتي والذي يقاس بالأحداث والزمن الموضوعي والذي يقاس بالساعات لأن الاستثمار في زمن الترفيه مسألة براغماتية بحتة تتدخل فيها عدة عوامل داخلية وخارجية تتصل بكل المشاركين في الإعداد والتنفيذ والتقييم للفعل الترفيهي L acte de loisir بما في ذلك الجمهور المستهدف ووسائل البث والترويج فزمن الفعل الترفيهي متعدد السطوح والمصالح والمتدخلين في تحديده.

الحديث عن المثلث الإنجازي في الفعل الترفيهي إذا كان في ظاهره يحيل فقط إلى منشئ الفعل الترفيهي فإن في باطنه وضعا لإصبع الإشارة مباشرة إلى المنشئ له أي المتقبل في الثقافة السردية والجمهور في عرف الفنون الفرجوية لأن الحفر في سؤال من يفعل ماذا يوصل أساساً لسؤال لا يقل أهمية ألا وهو لمن؟ وهو ما يعني من هو مستقبل الجهد الترفيهي المبذول في سطح المعنى وهو أيضا المحدد لماهية الفعل الترفيهي ذاته فالعلاقة بين منشئ الفعل الترفيهي والمتقبل مرتهنة بعقد Contrat أساسه المادة الترفيهية وأطرافه المنشئ والمتقبل ويكون المنشئون جمعا حسب التخصصات والتموقع والمتقبلون جمعا فهناك الجمهور الحاضر وجمهور القنوات ووسائل التواصل الناقلة مباشرة وفي أوقات لاحقة وجمهور وصلته معلومة ولم يشارك في عملية التقبل، وهو ما يجعل بعض علماء اجتماع الترفيه يطلقون مصطلح مجتمع المتقبلين وحكومة المنشئين.

العقد التشاركي في الفعل الترفيهي لو نظرنا إليه بمنظور ميشال فوكو في كتابه ميكروفيزيا السلطة نجد المتدخلين لا حصر لهم والمتقبلين كذلك لا حصر لهم وهو ما ينسب مهابة وعظمة وقيمة الفعل الترفيهي لأنه ليس مجرد فعل مغلق في الزمان والمكان إنه حياة كاملة ورسائل لا محدودة إنه عقد متعدد السطوح بل فضاء سماواته لا حد لها ولا حصر. وفي كل الحالات يضل الجمهور المستهدف من محددات مادة الفعل الترفيهي أولا لأنه شريك مركزي في العقد وثانيا الترفيه الذي لا يشبه الفئة المستهدفة في احتياجها الحيني والمستقبلي هو ترفيه فئة أخرى أي هو ترفيه غريب يقدم لفئة مغايرة كحال الدواء الذي هو لوصفة أخرى قدم خطًا لوصفة مغايرة، لذلك دراسة الترفيه في علاقته بالهوية مسألة جد مهمة وحساسة لأن الترفيه في جانب منه خطة علاجية للمجتمع من القلق والحاجة والسأم ودواء يقي المجتمعات من التطرف والإرهاب والتوحد الحضاري، ومن ثمة تشخيص الاحتياج الترفيهي هو تشخيص للفئة المستهدفة. ومن هنا جاء اقتراحنا بأن توضع استشارة سنوية حول الترفيه يشرك فيها كل المعنيين بالشأن الترفيهي في كل المناطق في منهجية تعتمد القطاعية والمركزية حيث يعبر كل المعنيين من خلال الاستشارة عن حاجياتهم الترفيهية ويستمع لهذه الحاجيات في كل الأماكن والربوع، علمًا أن جلسات الاستشارة الحوارية هذه في حد ذاتها حلقات ترفيهية يكون فيها الجمهور المستهلك شريكًا في اختيار الوصفة الترفيهية التي تشبهه لا فقط في ذلك المكان بل أيضًا في ذلك الحين، لأن الحاجات الترفيهية متحركة فحاجاتي الترفيهية الآن ليست هي حاجاتي الترفيهية قبل سنوات وليست هي ذاتها بعد سنوات طويلة، فالترفيه يخضع لمقولة أنا الآن هنا.

في الحقيقة الترفيه يصنع نمط متقبليه، فالترفيه المسقط والذي هو وجبة خارجية تامة لا يصنع جمهوراً شريكاً في الجهد الترفيهي وإنما متقبلاً سلبياً استهلاكياً لا منتجاً مشاركاً بينما الابداع المحلي هو انشاء دائم وقريب من الجمهور ومعبر عن حاجة الضمير الجمعي لفعل ترفيهي مؤثر ولعل خيار الهيئة العامة للترفيه هذا العام الانتصار للإبداع المحلي دون اقصاء للإبداعات العالمية الملهمة تعتبر لحظة تحول نوعي لبناء أجيال من صناع الترفيه فالمحلية هي العالمية وكلما كان الابداع محليا كانت نكهته أعمق وتأثيره أبقى والدليل على ذلك الأرقام المبهرة للحضور في فعاليات موسم الرياض لهذا العام حيث انتصرت المحلية وتحاورت مع الابداعات العالمية.

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

French