نزار الجليدي يكتب: غزة: سلام يتأرجح بين صنّاع الحرب - صوت الضفتين

نزار الجليدي يكتب: غزة: سلام يتأرجح بين صنّاع الحرب

 

الكاتب و المحلل السياسي نزار الجليدي
الكاتب و المحلل السياسي نزار الجليدي

 

“خطة السلام لغزة” اتفاق لوقف إطلاق النار من عشرين بنداً، قدّمه دونالد ترامب كأنه “إنجاز تاريخي”، أعاد هدوءاً هشّاً إلى القطاع الفلسطيني المنكوب. لكن ما إن جفّ الحبر حتى بدأ الجدل: إسرائيل تواصل جرائمها، تركيا تغذّي وهم البطولة، إيران وروسيا تدخلان على الخط. ما كان يُفترض أن يكون خطوة لإنقاذ ما تبقّى من غزة وأهلها يتحوّل أكثر فأكثر من صفقة إلى خديعة.

في 13 أكتوبر، وبرعاية أمريكية “وبدعم من مصر وقطر وتركيا”، وُقّع اتفاق خاص بغزة. ترامب قدمه كأنه انتصار شخصي، هدنة من عشرين بنداً يُفترض أن تُطلق مسار وقف إبادة أودت بحياة أكثر من 68 ألف فلسطيني منذ أكتوبر 2023 – فيما الرقم الحقيقي يُرجَّح أن يكون ثلاثة أضعاف ذلك. لكن مجرد الحديث عن “أرقام” يبدو فجّاً، وكأنه إنكار لإنسانية الفلسطينيين.

على أي حال، نصّت المرحلة الأولى من هذا “السلام” على انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية حتى “خط أصفر”، وإفراج تدريجي عن أسرى ومعتقلين، وتشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراطية بإشراف دولي.

بعد ثمانية أيام فقط، تغيّرت الصورة: إسرائيل عادت إلى القصف متهمة حماس بخروقات تنفيها الحركة، فيما ما تزال تحتفظ بنصف القطاع تحت سيطرة عسكرية مباشرة. الوسطاء يشكون من التأخيرات، قطر تتحدث عن “انتهاكات متواصلة”، والأمم المتحدة تحذّر من عجز كارثي في المساعدات الإنسانية. خلف واجهة هدنة هشة، القوى الكبرى تخوض لعبة لا يُنظر فيها إلى غزة كقضية إنسانية بل كورقة نفوذ. إسرائيل تُخرّب، واشنطن توظّف، أنقرة تربح، طهران وموسكو تترقبان: “سلام ترامب” يبدو منذ الآن قصير المدى.

 

في غزة، وقف إطلاق نار مُلغّم منذ البداية

 

الاتفاق الموقَّع منتصف أكتوبر برعاية أمريكية كان يُفترض أن يضع حداً، ولو مؤقتاً، لمعاناة الفلسطينيين فيقطاع غزة. صيغ في عشرين بنداً وحدّد جدولاً زمنياً دقيقاً: تراجع جزئي للجيش الإسرائيلي حتى “خط أصفر” مرسوم بكتل إسمنتية، تسليم جثامين وإطلاق سراح رهائن، فتح المعابر لإدخال المساعدات، ثم إنشاء لجنة فلسطينية تحت إشراف “مجلس سلام” يرأسه دونالد ترامب شخصياً. وفي المرحلة النهائية، كان من المقرر نشر قوة دولية للتثبيت بمساهمات من دول عربية وإسلامية مثل قطر، مصر، إندونيسيا وتركيا، بدعم لوجستي أمريكي.

على الورق، بدت الطموحات واضحة: مسار تدريجي لخفض التصعيد وتسليم إدارة غزة لهيئة فلسطينية “محايدة” بعيدة عن تنافس الفصائل. لكن سرعان ما تبخرت الوعود. فقد أبقت إسرائيل على نحو نصف القطاع تحت سيطرتها المباشرة، مما حدّ من نطاق الانسحاب المعلن. من جهتها، سلّمت حماس عشرين رهينة أحياء وثلاث عشرة جثة، بينما أفرجت إسرائيل عن نحو ألفي أسير فلسطيني و165 جثماناً. هذه الخطوات، التي كان يُفترض أن تبني ثقة أولية، لم تُزل حالة الشك المتبادل.

أما المساعدات الإنسانية، الركيزة الأخرى للاتفاق، فلم تبلغ أبداً الحجم الموعود. لم يُفتح سوى معبرين تسيطر عليهما إسرائيل، ولم تتمكن قوافل الأمم المتحدة من إيصال سوى جزء يسير من 2000 طن يومياً المطلوبة. شمال غزة، المدمَّر بفعل القصف الصهيوني، ما زال شبه مغلق أمام المنظمات الدولية. تقارير الوكالات الإنسانية قاطعة: الظروف المعيشية تبقى كارثية رغم “الهدنة”.

ثم جاءت الخروقات المسلحة لتقضي على ما تبقى من الوهم. في 19 أكتوبر، وبعد مقتل جنديين إسرائيليين في ظروف غامضة قرب رفح، شنّ الجيش الإسرائيلي 120 غارة على 83 هدفاً، أوقعت ما لا يقل عن 45 فلسطينياً بحسب مصادر محلية. حماس نفت مسؤوليتها واعتبرت الأمر استفزازاً يهدف إلى تقويض الهدنة. ومنذ ذلك الحين، تشهد الحدود احتكاكات متكررة حول هذا “الخط الأصفر” الذي لا أحد يعرف كيف يُرسم بدقة.

وهكذا، بدا وقف إطلاق النار، وهو لم يولد بعد، مثقلاً بسمات تسوية هشة أكثر رمزية منها فعلية. الوسطاء أنفسهم يعترفون ضمناً: من دون إرادة سياسية راسخة من الأطراف، فإن “النقاط العشرين” التي قدّمها ترامب لن تكون سوى قائمة أمنيات.

 

إسرائيل : سوء النيّة “يجري في الدم”

 

منذ اليوم الأول، تعاملت إسرائيل مع وقف إطلاق النار كأنه أداة للمناورة لا التزاماً مُلزماً. نتنياهو قالها صراحة: لن يكون هناك انسحاب كامل من غزة من دون نزع سلاح حماس بالكامل. هذا الشرط، المستحيل في السياق الراهن، يحوّل خطة ترامب إلى ورقة ضغط تُستخدم لتبرير بقاء جيش الاحتلال في القطاع. فبإبقاء قواته في النصف الجنوبي من غزة وبالتحكم في المعابر، يواصل الكيان الصهيوني تحويل القطاع إلى سجن مفتوح، فيما يقدّم نفسه أمام واشنطن كطرف “حسن النية”.

الخروقات الإسرائيلية للهدنة كشفت هذه الازدواجية. فقد كثّف الجيش غاراته الجوية بذريعة “الرد” على حوادث ثانوية، أحياناً من دون أدلة حقيقية. في 19 أكتوبر، الهجوم الذي أودى بحياة 45 فلسطينياً بُني على إعلان مقتل جنديين إسرائيليين، بينما تحدّثت مصادر مستقلة عن ذخيرة إسرائيلية غير منفجرة. رسمياً، تتهم إسرائيل حماس بخرق الهدنة؛ عملياً، تسعى إلى فرض ميزان قوى يُفرغ الاتفاق من مضمونه.

هذه الاستراتيجية القائمة على سوء النية تخدم عدة أهداف. أولاً، إبقاء الضغط على حماس لإجبارها على تنازلات إضافية في المراحل اللاحقة من الخطة. ثانياً، توجيه رسالة إلى الرأي العام الإسرائيلي، الذي يعارض بغالبيته أي تسوية تُعتبر في صالح الفلسطينيين. ثالثاً، اختبار صبر واشنطن وشركائها العرب، عبر التذكير بأن “إسرائيل تبقى طرفا لا يمكن تجاوزه في هذا الملف”.

المفارقة أن هذه التكتيكات تضعف خطة ترامب نفسها، وتُربك العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة. فكل غارة إسرائيلية تُحرج البيت الأبيض، الذي يجد نفسه مضطراً لتأكيد رغبته في الاستقرار مع الاستمرار في حماية حليفه. بالنسبة لمجرم حرب مثل نتنياهو، فإن سوء النية ليس استثناءً بل منهج: تقويض الهدنة من دون إعلان وفاتها رسمياً، للبقاء في صدارة المشهد الإقليمي وتفادي أي حل سياسي يُقيّد مواصلة إبادة الفلسطينيين.

 

الولايات المتحدة: دبلوماسية للاستعمال المؤقت… للاستهلاك الداخلي فقط

 

يحمل وقف إطلاق النار في غزة بصمة دونالد ترامب، الذي قدّمه كدليل على مهارته في “عقد الصفقات”. وراء الاستعراض، الهدف واضح: إظهار انتصار دبلوماسي كبير قبل انتخابات منتصف 2026، من دون التورط في حرب غير شعبية في أمريكا. الخطة ذات العشرين بنداً تعكس هذه العقلية: مزج بين خطوات رمزية (إعادة جثامين، إطلاق سراح أسرى)، وعد بحوكمة فلسطينية “تكنوقراطية”، وإنشاء لجنة دولية… لكن كل بند يثير تساؤلات.

في خطاب البيت الأبيض، تتحول كل مرحلة إلى غنيمة. نائب الرئيس جي. دي. فانس، خلال زيارته للقدس، أشاد بـ”هدنة أفضل مما توقّعنا”، فيما يدير جاريد كوشنر وستيفن ويتكوف الوساطة كما لو كانت مشروعاً عائلياً. حتى التهديدات الصاخبة — وترامب يتوعّد برد “سريع، عنيف وشرس” إذا لم يلتزم حماس — تخدم صورته ك”رجل صارم” أكثر مما تضع أسس تسوية جدّية.

هذا الفارق بين الخطاب والواقع يُضعف العملية. فحماس قبلت بالتنازل عن جزء من صلاحياتها الإدارية، لكنها ترفض تماماً نزع سلاحها لأسباب موضوعية. إسرائيل بدورها تجعل من هذا الشرط سلاحاً سياسياً. وترامب يجد نفسه أمام اتفاق لا يستطيع فرضه، لكنه يواصل التلويح به كنجاح.

في واشنطن، تتجاوز الدوافع حدود الساحة الشرق أوسطية. المطلوب إثبات أن أمريكا، بعد ضرباتها لإيران في جوان وبعد وساطة شرم الشيخ، ما زالت اللاعب الوحيد القادر على رسم هندسة إقليمية. الرسالة موجَّهة بقدر ما هي إلى الناخبين الأمريكيين، إلى الشركاء الدوليين أيضاً: مع ترامب، الولايات المتحدة لا تزال القوة التي تنتزع “تسويات”، ولو كانت عرجاء. لكن هذا “النجاح الشكلي” مهدد بالانهيار عند أول تصعيد عسكري، لأنه قائم على أساس هشّ وأهداف انتخابية قصيرة المدى.

 

تركيا أردوغان… فاقد الشيئ لا يعطيه

 

إذا كان هناك طرف عرف كيف يستثمر هدنة غزة، فهي تركيا. فبعد أن كانت لسنوات على هامش المفاوضات الكبرى حول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فرضت أنقرة نفسها هذه المرة كوسيط حاسم لإقناع حماس بقبول الخطة الأمريكية. وبحسب مصادر إقليمية متعددة، فإن رسالة واضحة نقلها رجب طيب أردوغان وأجهزته الاستخباراتية هي التي رجّحت الكفة: “حان وقت القبول”. من دون هذه الوساطة، كان النص الذي أرادته واشنطن سيترنح قبل أن يُوقَّع. ومع ذلك، يجدر التذكير بأن هذه المبادرة التركية لم تُترجم قبلها بخطوات ملموسة من طرف اردوغان.

ترامب، من جهته، لم يتردد في مدح الرئيس التركي، واصفاً إياه بـ”أحد أقوى رجال العالم”. هذا الاعتراف العلني عزّز صورة أردوغان كصانع أساسي لسياسة الشرق الأوسط. أما بالنسبة لأنقرة، فالرهان يتجاوز غزة وفلسطين: الهدف هو تحويل هذا الدور المركزي إلى مكاسب مباشرة مع واشنطن. الملفات الحساسة كثيرة — من العودة إلى برنامج الـF-35، إلى رفع العقوبات المفروضة بعد شراء منظومة S-400 الروسية، وصولاً إلى ضمانات في الملف السوري، حيث تضغط تركيا لإدماج القوات الكردية المدعومة أمريكياً في جيش دمشق.

وللمسعى بُعد رمزي أيضاً. فأردوغان يسعى منذ سنوات إلى إعادة تأكيد تركيا “كقوة سنية” كبرى، وريثة ماضٍ عثماني يستحضره باستمرار. منحت غزة له فرصة ليقدّم نفسه كـ”حامٍ سياسي للفلسطينيين”، وهو موقع يلقى صدى في الداخل التركي ويعزز حضوره إقليمياً.

لكن هذه الدعاية لها ثمن. الانخراط المباشر لتركيا يثير ريبة خصومها العرب، خصوصاً مصر، السعودية والإمارات، التي لا ترغب في أن ترى أنقرة تستأثر بدور قيادي في إدارة الصراع. حتى الكيان الصهيوني حاول عرقلة دخول أنقرة إلى المفاوضات، قبل أن يحسم ترامب الموقف لصالح أردوغان.

في النهاية، خرجت تركيا أقوى: عززت علاقاتها مع واشنطن، رسّخت شرعيتها لدى حماس، وأثبتت لشركائها العرب أنها ما زالت قادرة على التأثير في موازين المنطقة. أردوغان، أكثر من ترامب أو نتنياهو، ومن دون أن يفعل شيئاً، يبدو حتى الآن الرابح السياسي الأكبر من هذا وقف إطلاق النار الهش.

 

إيران وروسيا: اللاعبان الكامنـان في الانتظار

 

بينما تتصدر واشنطن وأنقرة المشهد، تبدو طهران وموسكو أكثر هدوءاً. إيران، التي استُهدفت في جوان بحملة جوية أمريكية – إسرائيلية لم تُؤخّر برنامجها النووي سوى بضعة أشهر، ترفض الانحناء. علي خامنئي رفض بوضوح عرض دونالد ترامب لفتح مفاوضات جديدة قائلاً: “هذا ليس اتفاقاً، بل إملاء ومحاولة لليّ الذراع”. وبإعلان دفن اتفاق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومواصلة أنشطة التخصيب، وجّهت طهران رسالة بأنها لن تُحاصر في الإطار الذي يريده الأمريكيون.

في هذا السياق، تبدو روسيا الشريك الأنسب لإيران. فبعد أن جمعهما ميدان أوكرانيا — حيث تساند المسيّرات الإيرانية الجيش الروسي — وقّع البلدان في جانفي اتفاقاً استراتيجياً، أعقبه في سبتمبر عقد ضخم بقيمة 25 مليار دولار مع “روس آتوم” لبناء أربعة مفاعلات نووية في إيران. بعيداً عن الرواية الغربية حول “عزلة موسكو”، تُظهر هذه الشراكة متانة محور روسي – إيراني يجمع بين تكامل طاقي، تقارب عسكري، ورفض مشترك للضغوط الأمريكية. وقبل كل شيء، تُسقط سردية “تخلّي روسيا عن إيران”.

بالنسبة لموسكو، المسألة لا تقتصر على التجارة. بل هي أيضاً وسيلة لتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط، استكمالاً لدورها في سوريا وقربها من أنقرة. الكرملين يناور على عدة جبهات: دعم لإيران، تنسيق مع تركيا، واتصالات دائمة مع ممالك الخليج. وفي وقت تنشغل فيه واشنطن بملف غزة وتكثر تل أبيب من خطواتها الاستفزازية، تبدو روسيا شريكاً موثوقاً يمكن التنبؤ بخطواته، يقدم لحلفائه ضمانات لم يعد الغرب قادراً على توفيرها.

في المحصلة، إيران وروسيا لا تُفشلان مسار غزة بل تراقبانه من موقع مترقّب، مستعدتين لاغتنام الفرصة. فإذا انهارت الهدنة، سيوجهان أصابع الاتهام إلى ازدواجية واشنطن وتل أبيب. وإذا استقرت، فهما قد عززتا بالفعل تعاونهما الثنائي وزادتا وزنهما في إعادة تشكيل المنطقة. في كلتا الحالتين، المعادلة واضحة: كلما ازداد تشنّج الغرب، ترسّخ محور روسيا – إيران أكثر.

 

“وين عرام الله”…سلام زائف وموت فوق موت

 

كان من المفترض أن تفتح هدنة غزة مرحلة جديدة، لكنها بدت أقرب إلى وقف مؤقت لإطلاق النار منها إلى مسار حقيقي نحو السلام. التناقضات فاضحة: إسرائيل تُصر على مطلب مستحيل ـ نزع سلاح حماس بالكامل ـ بينما تُبقي وجوداً عسكرياً كثيفاً داخل القطاع وتواصل مجازرها بحق الفلسطينيين. حماس، رغم إنهاكها، ما تزال متجذرة ميدانياً، ترفض الاستسلام وتتمسك بدور أمني ولو غير معلن. بين هذين الخطين الأحمرين، يجد الوسطاء أنفسهم عاجزين عن صياغة معادلة قابلة للتنفيذ فعليا.

الهندسة التي تقترحها واشنطن تكشف هذا المأزق. فاللجنة الفلسطينية “التكنوقراطية” الموضوعة تحت إشراف دولي تفتقر لأي شرعية شعبية وتبدو أقرب إلى إدارة انتقالية مصمَّمة لطمأنة إسرائيل والغرب أكثر من كونها وسيلة لخدمة سكان غزة. أما المساعدات الإنسانية، ركيزة الوعود، فما تزال دون الحد الأدنى: معبرَان فقط فُتحا، قوافل لا تصل إلى 2000 طن يومياً كما خُطط، والشمال المدمَّر شبه محروم من المساعدات.

أبعد من التفاصيل التقنية، إن التوازن الجيوسياسي هو ما يحكم على الاتفاق بالفشل. كل قوة تُسقِط مصالحها عليه: إسرائيل توظف الهدنة لإدامة سيطرتها، ترامب يرفعها كشعار انتخابي، أردوغان يستغلها لتوسيع نفوذه الإقليمي، فيما تراها طهران وموسكو فرصة استراتيجية. وسط هذا اللعب المتعدد، تتحول غزة ـ للأسف ـ إلى ورقة مقايضة.

أكثر من 68 ألف فلسطيني قضوا منذ 2023، وعشرات الآلاف يعيشون في ظروف لا تُحتمل، ومع ذلك لم تضع أي قوة كبرى حماية المدنيين في صدارة أجندتها. اتفاق ترامب لم يُعالج القضية الفلسطينية بل جمّدها، مغطياً الجمود بخطاب “السلام”. سلام لا يلوح في الأفق ما دام يُستخدم منصةً لأطماع خارجية بدل أن يكون استجابة لواقع غزة وأهلها.

إن “خطة السلام لغزة” التي رُوِّج لها كانت مجرد واجهة هشة. خلف ابتسامات التوقيع وخطابات النصر، يكشف الواقع صورة مختلفة: هدنة تُنتهك يومياً، قطاع ما يزال مُحاصَراً عسكرياً، مساعدات ضئيلة، وقوى خارجية توظفه كأداة نفوذ. إسرائيل تواصل ذرائعها لتقتيل الفلسطينيين، واشنطن تحول كل خطوة إلى عرض انتخابي، أنقرة تجني مكاسب استراتيجية، طهران وموسكو تستثمران في الفراغ الغربي.

أما غزة فبقيت كما هي: موت فوق موت، حصار يطبق على الأنفاس، ووعود سلام ليست سوى قناع لحرب لا تنتهي. في لعبة البوكر الدبلوماسية هذه، غزة ليست أرضاً لإعادة الإعمار بل ورقة على رقعة صراع إقليمي. وطالما بقيت القوى الأجنبية تتبارز فوقها، سيبقى السلام سراباً، يُعلن عنه مراراً دون أن يُرى أبداً.

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

French