حرب التكنولوجيا والمعادن النادرة: صراع الهيمنة الجيوسياسية
بقلم محمد امين الجربي

الفصل الأول: المعادن النادرة كسلاح جيوسياسي
تُعد المعادن النادرة اليوم أحد أهم الأسلحة الجيوسياسية في الصراع بين القوى الكبرى. الصين، التي تسيطر على أكثر من 80% من عمليات معالجة وتكرير المعادن النادرة عالميًا، تستخدم هذا النفوذ كورقة ضغط ضد القيود التكنولوجية الغربية. هذه المعادن ليست مجرد موارد طبيعية، بل هي “الدماء” التي تسري في شرايين الصناعات التكنولوجية المتقدمة، من الهواتف الذكية إلى السيارات الكهربائية.
استراتيجية الغرب: تنويع المصادر وبناء المرونة
ردًا على هذا التحدي، تبنّى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة استراتيجيات دفاعية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الصين. من أبرز هذه الجهود:
قانون المواد الخام الحرجة (CRMA): يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق هدف معالجة 40% من احتياجاته داخليًا بحلول عام 2030، مما يقلل من تعرضه للابتزاز الجيوسياسي
استثمارات دولية: تعهد الاتحاد الأوروبي باستثمار 11.5 مليار يورو في جنوب إفريقيا لتنويع مصادر التوريد، مع تعزيز التعاون مع تحالفات دولية مثل “الرباعية للمعادن الأساسية”
الفصل الثاني: شركة ASML الهولندية في قلب الصراع
تُعد شركة ASML الهولندية، الرائدة عالميًا في تصنيع معدات الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية (EUV)، حجر الزاوية في الصراع التكنولوجي. هذه التكنولوجيا ضرورية لإنتاج الرقائق المتقدمة (أقل من 7 نانومتر)، مما يجعلها أداة لا غنى عنها في الهيمنة التكنولوجية
الضغوط الأمريكية على هولندا
تحت ضغط أمريكي مكثف، وافقت هولندا على تقييد صادرات ASML من آلات EUV وDUV المتقدمة إلى الصين. ومع ذلك، استمرت مبيعات الشركة إلى الصين، حيث بلغت 2.3 مليار يورو في الربع الثاني من عام 2025، مركزة على الآلات الأقدم غير المقيدة. هذا يعكس تسارع الصين في شراء المعدات الناضجة لتأمين قطاعاتها الصناعية الحيوية
الصيانة: ساحة معركة جديدة
تسعى الولايات المتحدة الآن إلى فرض قيود على صيانة المعدات المحظورة الموجودة بالفعل في الصين، والتي تمثل حوالي 20% من إيرادات ASML. نجاح هذه القيود قد يشل قدرة الصين على الاستفادة من استثماراتها السابقة، لكنه يهدد أيضًا أرباح الشركة الهولندية، مما يضع هولندا في موقف دبلوماسي وتجاري معقد
شركة ASML: جوهرة التكنولوجيا الأوروبية في مواجهة الضغوط2
الفصل الثالث: سباق الذكاء الاصطناعي
الصين: الابتكار بالكفاءة
رغم القيود الغربية، أظهرت الصين قدرة مذهلة على الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. نماذج مثل “DeepSeek” و”Manus AI” تعكس استراتيجيات تكنولوجية تعتمد على الكفاءة بدلاً من القوة الخام، مما يسمح للصين بالمنافسة بتكاليف أقل بكثير من النماذج الغربية
.
القيود الأمريكية: فعالية محدودة
تظل القيود الأمريكية على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي فعالة جزئيًا فقط. تمكنت الصين من التحايل على هذه القيود من خلال استئجار الخوادم في مراكز بيانات أجنبية أو عبر وسطاء، مما يثبت أن الابتكار الصيني لا يتوقف، بل يتكيف مع التحديات
الذكاء الاصطناعي: ساحة جديدة للصراع بين الصين والغرب6
الفصل الرابع: تداعيات التشظي التكنولوجي
نظام تكنولوجي مزدوج
يتجه العالم نحو نظام تكنولوجي مزدوج، حيث تهيمن الكتلة الغربية على تكنولوجيا الحافة المتقدمة (أقل من 7 نانومتر)، بينما تركز الكتلة الصينية على الرقائق الناضجة والذكاء الاصطناعي منخفض التكلفة. هذا الانقسام يخلق حالة من عدم اليقين للشركات العالمية، التي تواجه الآن خيارات صعبة بين الاستثمار في الصين أو البحث عن بدائل
التكاليف الاقتصادية
تشير التقديرات إلى أن التشظي الجيوسياسي قد يكلف الاقتصاد العالمي ما بين 5% إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يزيد من الضغوط على الشركات لتبني استراتيجيات “التأهب” (Just-in-Case) لتقليل التعرض لاضطرابات سلاسل التوريد
موازين القوى في النظام التكنولوجي الجديد
تكشف حرب التكنولوجيا والمعادن النادرة عن تحول هيكلي في الاقتصاد العالمي. الهيمنة التكنولوجية أصبحت المعيار الجديد للقوة الجيوسياسية، حيث تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على تفوقها، بينما ترد الصين بتسريع الاكتفاء الذاتي. في المقابل، يتبنى الاتحاد الأوروبي استراتيجية دفاعية تهدف إلى بناء المرونة وتقليل الاعتماد على الصين.
التوصيات الاستراتيجية :
للاتحاد الأوروبي: تسريع تحقيق أهداف قانون المواد الخام الحرجة (CRMA) لتقليل الاعتماد على الصين.
للولايات المتحدة وحلفائها: مواءمة قيود التصدير لضمان سد الثغرات في صيانة المعدات.
للشركات العالمية: إدراج تكاليف التشظي الجيوسياسي في نماذج تقييم المخاطر، مع التركيز على تنويع سلاسل التوريد.
إن مستقبل النظام التكنولوجي العالمي لن يشهد انهيار أحد الأطراف، بل سيؤدي إلى ترسيخ نظام مزدوج يتطلب من الدول الحيادية اتخاذ قرارات استراتيجية صعبة.