العلاقات الخارجية لتونس بعد 25 جويلية: سيادة وطنية في عالم متغير وتحديات متجددة - صوت الضفتين

العلاقات الخارجية لتونس بعد 25 جويلية: سيادة وطنية في عالم متغير وتحديات متجددة

بقلم؛محمد أمين الجربي

 

منذ الخامس والعشرين من جويلية 2021، شهدت تونس تحولاً سياسياً عميقاً، أعاد تحديد مسارها الوطني وأولوياتها الدبلوماسية. هذا التحول، الذي جاء استجابة لإرادة شعبية جارفة بإنهاء هيمنة قوى الإسلام السياسي التي كادت تعصف بالدولة، لم يكن مجرد تصحيح لمسار داخلي، بل كان إعلاناً صريحاً عن استعادة السيادة الوطنية والقرار المستقل في مواجهة ضغوط وتدخلات خارجية متزايدة. لقد أثبتت الأحداث أن تونس، بقيادتها الرشيدة، عازمة على ترسيخ مكانتها كدولة ذات سيادة كاملة، ترفض الإملاءات وتعمل وفقاً لمصالحها العليا.

إن مسار 25 جويلية لم يغير المشهد السياسي الداخلي فحسب، بل أعاد رسم خارطة العلاقات الدولية لتونس، مرتكزاً على مبادئ الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وبناء شراكات متوازنة تخدم التنمية والازدهار الوطني. في هذا السياق، تباينت ردود فعل القوى الإقليمية والدولية، بين من تفهم طبيعة هذا التحول وضرورته التاريخية، ومن حاول التشكيك فيه أو حتى عرقلته، مدفوعاً بأجندات لا تتوافق مع تطلعات الشعب التونسي نحو الحرية والكرامة والسيادة.

يهدف هذا المقال إلى تحليل معمق لمواقف أبرز الدول الفاعلة تجاه تونس ما بعد 25 جويلية، مع تسليط الضوء على الأبعاد الاقتصادية، الأمنية، والجيوسياسية لهذه العلاقات. سنستعرض بالتحليل والأرقام كيف تعاملت كل من فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، تركيا، قطر، الجزائر، والصين مع هذا الواقع الجديد، وكيف سعت تونس إلى ترسيخ سيادتها وتأمين مصالحها في خضم هذه التفاعلات المعقدة، مع التركيز على أهمية تنويع الشراكات لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.

I. فرنسا: بين الإرث الاستعماري ومحاولات التدخل السافرة

تعتبر فرنسا من أبرز الشركاء التقليديين لتونس، وتربطهما علاقات تاريخية عميقة تعود إلى فترة الاستعمار. بعد 25 جويلية، اتسم الموقف الفرنسي بنوع من الحذر والترقب، سرعان ما تحول إلى دعوات متكررة للعودة إلى “المسار الديمقراطي”، وهو ما اعتبرته تونس تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية. لقد تجاوزت هذه الدعوات حدود التعبير عن القلق لتصل إلى محاولات ضغط واضحة، تهدف إلى التأثير على المسار الوطني التونسي.

إن الموقف الفرنسي يعكس عقلية استعمارية متجذرة، تعتبر تونس مجرد امتداد لنفوذها في شمال أفريقيا. لقد حاولت باريس، من خلال تصريحات دبلوماسييها وإعلامها، تصوير المسار التونسي الجديد كانحراف عن الديمقراطية، متجاهلة الفساد والفوضى التي كانت سائدة قبل 25 جويلية. هذا الخطاب الفرنسي، الذي يركز على الحريات وحقوق الإنسان، يواجه انتقادات تونسية حادة بكونه “انتقائياً” و”مزدوج المعايير”، خاصة وأن فرنسا تتعامل بمعايير مختلفة مع دول أخرى تشهد أوضاعاً مماثلة أو أسوأ.

إن تونس، في مسارها الجديد، تؤكد على ضرورة بناء علاقة ندية مع فرنسا، تقوم على الاحترام المتبادل للمصالح والسيادة، بعيداً عن أي وصاية أو إملاءات. السيادة الوطنية التونسية خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وأي محاولة للتدخل في الشأن الداخلي ستواجه بالرفض القاطع. إن تونس اليوم ليست تونس الأمس، وهي قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها، دون الحاجة إلى استشارة أو موافقة من أي طرف خارجي.

II. ألمانيا: دعوات للديمقراطية ومحاولات تدخل مقنعة

تعتبر ألمانيا من الدول الأوروبية التي أولت اهتماماً كبيراً للمسار الديمقراطي في تونس بعد ثورة 2011، وقدمت دعماً مالياً وتقنياً معتبراً. بعد 25 جويلية، عبرت برلين عن قلقها إزاء التطورات السياسية، ودعت إلى العودة السريعة للمسار الديمقراطي، في موقف يعكس محاولة تدخل مقنعة تحت غطاء الدفاع عن القيم الديمقراطية. لقد تجاوزت التصريحات الألمانية حدود التعبير عن الرأي لتصل إلى مستوى الإملاء والتوجيه، وهو ما رفضته تونس بشدة.

إن الموقف الألماني، رغم محاولته الظهور بمظهر المعتدل، يحمل في طياته نفس العقلية الاستعلائية التي تميز الدول الأوروبية في تعاملها مع دول الجنوب. فألمانيا، التي تدعي الدفاع عن الديمقراطية، تتجاهل الواقع التونسي المعقد والتحديات الجسيمة التي واجهتها الدولة قبل 25 جويلية. إن الدعوات الألمانية للعودة إلى “النظام الدستوري” تعكس عدم فهم لطبيعة الأزمة التي كانت تعيشها تونس، والحاجة الماسة لتصحيح المسار.

ومع ذلك، لم تتوقف ألمانيا عن تقديم الدعم الاقتصادي والمالي لتونس، إيماناً منها بأهمية استقرار البلاد في المنطقة. هذا التناقض في الموقف الألماني يعكس صراعاً داخلياً بين المبادئ المعلنة والمصالح الحقيقية. تونس، من جهتها، تؤكد على أن الإجراءات المتخذة بعد 25 جويلية كانت ضرورية لحماية الدولة من الانهيار، وأنها لا تتعارض مع المبادئ الديمقراطية الحقيقية، بل تهدف إلى ترسيخها على أسس سليمة.

إن تونس تسعى إلى تعزيز الشراكة مع ألمانيا على أسس جديدة، تركز على المصالح المشتركة والتنمية المستدامة، بعيداً عن أي تدخل في الشؤون الداخلية. العلاقات الاقتصادية بين البلدين قوية، وتونس حريصة على استقطاب المزيد من الاستثمارات الألمانية لدعم اقتصادها الوطني، شريطة أن تكون هذه الشراكة قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في السيادة الوطنية.

III. إيطاليا: شريك استراتيجي في مواجهة التحديات المشتركة

تُعد إيطاليا شريكاً استراتيجياً مهماً لتونس، خاصة في ظل القرب الجغرافي والتحديات المشتركة، وعلى رأسها ملف الهجرة غير الشرعية. بعد 25 جويلية، أظهرت إيطاليا موقفاً أكثر تفهماً للوضع في تونس مقارنة ببعض الدول الأوروبية الأخرى، مع التركيز على دعم الاستقرار ومكافحة الهجرة. لقد سعت روما إلى تعزيز التعاون الثنائي في مجالات الاقتصاد والطاقة والأمن، مدركة أن استقرار تونس يصب في مصلحة أمنها القومي.

تونس من جانبها، تقدر الموقف الإيطالي المتفهم، وتعتبره نموذجاً للعلاقات المتوازنة التي تقوم على المصالح المشتركة. وقد شهدت الفترة الأخيرة تبادلاً للزيارات رفيعة المستوى بين البلدين، مما يؤكد عمق العلاقة ورغبة الطرفين في تطويرها. إن إيطاليا، بخلاف بعض الدول، لم تتبن خطاباً تصعيدياً تجاه تونس، بل فضلت الحوار والتعاون لمعالجة القضايا العالقة، وهو ما يتوافق مع الرؤية التونسية الجديدة للعلاقات الدولية.

IV. الولايات المتحدة الأمريكية: بين دعم الديمقراطية المعطل والمصالح المتضاربة

لطالما كانت الولايات المتحدة الأمريكية داعماً رئيسياً للمسار الديمقراطي في تونس بعد ثورة 2011، وقدمت دعماً مالياً كبيراً. بعد 25 جويلية، عبرت واشنطن عن قلقها إزاء الإجراءات المتخذة، ودعت إلى العودة السريعة للمسار الديمقراطي والالتزام بالدستور. هذا الموقف، الذي بدا وكأنه يفرض شروطاً على السيادة التونسية، أدى إلى توتر في العلاقات، تجلى في تعليق أو تقليص جزء من المساعدات العسكرية.

فقد كشفت تقارير متعددة أن إدارة بايدن قد خفضت المساعدات العسكرية لتونس بشكل ملحوظ. فبين عامي 2023 و2024، انخفضت المساعدات العسكرية الأمريكية من 197 مليون دولار إلى 90 مليون دولار، وفي بعض التقديرات، وصلت إلى 61 مليون دولار في عام 2023 بعد أن كانت 112 مليون دولار في عام 2022. هذا التخفيض، الذي بررته واشنطن بـ”إدانة” ما وصفته بـ”الاستبداد”، يعتبر محاولة للضغط على تونس للتراجع عن مسارها الوطني، وهو ما ترفضه القيادة التونسية جملة وتفصيلاً. إن تونس تؤكد على أن أمنها القومي خط أحمر، وأنها لن تقبل أي مساومة على سيادتها مقابل مساعدات مشروطة.

فيما يتعلق بالمعاملات الاقتصادية، أثيرت مؤخراً قضية الترفيع في المعاليم الجمركية على بعض الصادرات التونسية إلى الولايات المتحدة. ففي أبريل 2025، فرضت إدارة ترامب (التي عادت للحكم في هذا السيناريو) رسوماً جمركية بنسبة 28% على الواردات التونسية، مما أثر سلباً على الصادرات التونسية. وفي يوليو 2025، أعلنت الإدارة الأمريكية عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على المنتجات المستوردة من تونس. هذه الإجراءات الحمائية، التي تضر بالاقتصاد التونسي، تعكس تعقيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وضرورة العمل على إيجاد حلول تضمن مصالح الطرفين. تونس، في سعيها لترسيخ سيادتها الاقتصادية، تطالب بمعاملة تفضيلية تفتح الأسواق أمام منتجاتها، بدلاً من فرض قيود جمركية تعيق نموها وتنافسيتها في السوق العالمية. إن تنويع الشراكات الاقتصادية يصبح ضرورة ملحة لتونس لتجاوز هذه التحديات، وعدم الاعتماد على سوق واحد أو شريك واحد.

V. تركيا: الميزان التجاري المختل والطموحات الجيوسياسية في ليبيا

كانت تركيا من أبرز الداعمين لحركة النهضة والإسلام السياسي في تونس قبل 25 جويلية، وقد أثار موقفها هذا العديد من التساؤلات حول طبيعة علاقاتها مع الدولة التونسية. بعد 25 جويلية، اتسم الموقف التركي بنوع من الحذر، حيث دعت أنقرة إلى “العودة إلى النظام الدستوري”، وهو ما اعتبرته تونس تدخلاً في شؤونها الداخلية ومحاولة لدعم التيار الذي أقصاه الشعب. ورغم هذا التوتر السياسي، لم تتوقف العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وإن شهدت اختلالاً كبيراً في الميزان التجاري.

يعاني الميزان التجاري بين تونس وتركيا من اختلال حاد لصالح الأخيرة. ففي الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، بلغ العجز التجاري لتونس مع تركيا 2.807.7 مليون دينار تونسي. هذا العجز يعكس تدفقاً كبيراً للواردات التركية إلى السوق التونسية، مقابل صادرات تونسية محدودة. ورغم أن هناك محاولات لتقليص هذا العجز، إلا أن الاتفاقيات التجارية القائمة لا تزال تخدم المصالح التركية بشكل أكبر. إن تونس تسعى إلى إعادة التفاوض حول هذه الاتفاقيات لضمان شراكة تجارية أكثر عدلاً وتوازناً، تخدم مصالح الاقتصاد الوطني.

على الصعيد الجيوسياسي، تلعب تركيا دوراً محورياً في الصراع الليبي، وتسعى إلى ترسيخ نفوذها في المنطقة. لقد أثارت طموحات تركيا في إقامة قواعد عسكرية في ليبيا قلقاً كبيراً لدى دول الجوار، بما في ذلك تونس. إن استقرار ليبيا يمثل أولوية قصوى لتونس، وأي محاولة لترسيخ وجود عسكري أجنبي على حدودها الشرقية يعتبر تهديداً مباشراً لأمنها القومي. تونس تؤكد على ضرورة حل الأزمة الليبية من خلال حوار ليبي-ليبي، بعيداً عن أي تدخلات خارجية قد تزيد من تعقيد الوضع.

تونس، بقيادتها الجديدة، تؤكد على أن علاقاتها مع جميع الدول يجب أن تقوم على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. إن أي دعم لتيارات سياسية معينة على حساب الدولة الوطنية يعتبر مساساً بالسيادة، وهو أمر ترفضه تونس رفضاً قاطعاً. تسعى تونس إلى بناء علاقات متوازنة مع تركيا، تركز على المصالح الاقتصادية المشتركة، بعيداً عن أي أجندات سياسية قد تضر بالنسيج الوطني أو تهدد الأمن الإقليمي.

VI. قطر: علاقات متقلبة ومصالح متغيرة

تعتبر العلاقات التونسية القطرية من العلاقات التي شهدت تقلبات عديدة، خاصة بعد ثورة 2011. لقد كانت قطر من أبرز الداعمين لحركة النهضة والإسلام السياسي في تونس، وهو ما أثار جدلاً واسعاً حول طبيعة هذا الدعم وتأثيره على المشهد السياسي التونسي. بعد 25 جويلية، اتسم الموقف القطري بنوع من الترقب، مع دعوات للحوار والتفاهم. ورغم ذلك، لم تتوقف قنوات الاتصال بين البلدين، مدفوعة بمصالح اقتصادية واستثمارية متبادلة.

تونس، في مسارها الجديد، تؤكد على ضرورة بناء علاقات متوازنة مع جميع الدول، بما في ذلك قطر، على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. إن أي دعم خارجي يجب أن يصب في مصلحة الدولة التونسية وشعبها، وليس في مصلحة تيارات سياسية معينة. تسعى تونس إلى استقطاب الاستثمارات القطرية التي تخدم التنمية الوطنية، بعيداً عن أي أجندات سياسية قد تضر بالسيادة الوطنية.

VII. الجزائر: عمق استراتيجي ودعم لا يتزعزع

تعتبر الجزائر الشقيقة الكبرى والعمق الاستراتيجي لتونس، وتربطهما علاقات تاريخية وأخوية عميقة. بعد 25 جويلية، أظهرت الجزائر موقفاً داعماً للمسار الجديد في تونس، معتبرة أن ما حدث هو شأن داخلي تونسي. لقد أكدت الجزائر مراراً على دعمها لاستقرار تونس وسيادتها، ورفضها لأي تدخل أجنبي في شؤونها. هذا الموقف الجزائري يعكس إيماناً راسخاً بوحدة المصير بين البلدين، وحرصاً على أمن واستقرار المنطقة.

لقد شهدت العلاقات بين تونس والجزائر تعزيزاً كبيراً بعد 25 جويلية، حيث تم تبادل الزيارات رفيعة المستوى، وتوقيع العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والأمن والطاقة. إن الجزائر، بخلاف بعض الدول، لم تتبن خطاباً مشروطاً تجاه تونس، بل قدمت دعماً غير مشروط، وهو ما يعكس عمق العلاقة الأخوية بين الشعبين الشقيقين. تونس، من جانبها، تقدر هذا الدعم الجزائري، وتعتبره ركيزة أساسية لأمنها واستقرارها.

VIII. الصين: شراكة استراتيجية جديدة ومحو المعاليم الجمركية

تتجه تونس، في سعيها لتنويع شراكاتها الاستراتيجية، نحو تعزيز علاقاتها مع الصين، القوة الاقتصادية الصاعدة عالمياً. بعد 25 جويلية، أبدت الصين تفهماً للمسار الجديد في تونس، وشددت على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. لقد شهدت العلاقات الثنائية بين تونس والصين تطوراً ملحوظاً، خاصة في المجال الاقتصادي والتجاري، حيث تسعى تونس إلى الاستفادة من الخبرة الصينية في التنمية والبنية التحتية.

ومع ذلك، يعاني الميزان التجاري بين تونس والصين من اختلال كبير لصالح بكين. ففي أغسطس 2024، بلغ العجز التجاري لتونس مع الصين 5587.8 مليون دينار تونسي، ووصل إلى 7.35 مليار دينار في نوفمبر 2024. هذا العجز يعكس هيمنة الواردات الصينية على السوق التونسية، مما يؤثر سلباً على الصناعة المحلية ويزيد من الضغط على العملة الوطنية. إن تونس تسعى إلى إعادة التوازن لهذا الميزان التجاري من خلال زيادة صادراتها إلى السوق الصينية، وتشجيع الاستثمارات الصينية المباشرة التي تخلق فرص عمل وتساهم في نقل التكنولوجيا.

تعتبر الصين لاعباً رئيسياً في القارة الأفريقية، وتسعى إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي من خلال مبادرات مثل “الحزام والطريق”. وفي إطار سعيها لتكوين حلف اقتصادي قوي في أفريقيا، أعلنت الصين مؤخراً عن نيتها محو المعاليم الجمركية على واردات 53 دولة أفريقية، وهو ما يمثل فرصة كبيرة لتونس لزيادة صادراتها إلى السوق الصينية. هذا التوجه الصيني يتوافق مع رؤية تونس لتعزيز سيادتها الاقتصادية وتوسيع أسواقها، بعيداً عن التبعية للأسواق التقليدية.

إن تونس تدرك أهمية الشراكة مع الصين في تحقيق أهدافها التنموية، وتسعى إلى بناء علاقة استراتيجية طويلة الأمد، تقوم على المنفعة المتبادلة والاحترام. هذه الشراكة الجديدة تفتح آفاقاً واسعة للتعاون في مجالات التكنولوجيا، والبنية التحتية، والطاقة المتجددة، مما يعزز موقع تونس كبوابة لأفريقيا على البحر الأبيض المتوسط، ويساهم في تنويع شراكاتها الاستراتيجية لمواجهة التحديات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.

IX. الجمعيات المشبوهة: أدوات للتدخل الأجنبي في الشأن الوطني ودعم الإسلام السياسي

في خضم هذه التحولات، برزت ظاهرة بعض الجمعيات والمنظمات التي، تحت غطاء العمل المدني وحقوق الإنسان، تعمل كأدوات لخدمة أجندات أجنبية تهدف إلى التدخل في الشأن الداخلي التونسي وتقويض السيادة الوطنية، ودعم قوى الإسلام السياسي التي تم إقصاؤها بإرادة شعبية. هذه الجمعيات، التي تتلقى تمويلاً أجنبياً مشبوهاً، غالباً ما تتبنى خطاباً معادياً للمسار الوطني، وتعمل على تشويه صورة تونس في الخارج، والتحريض ضد مؤسسات الدولة.

لقد أدركت الدولة التونسية خطورة هذه الظاهرة، واتخذت إجراءات حازمة لمواجهة التمويل الأجنبي المشبوه، ومحاسبة كل من يتورط في خدمة أجندات خارجية على حساب المصلحة الوطنية. إن حماية السيادة الوطنية لا تقتصر على الجانب السياسي والاقتصادي، بل تمتد لتشمل حماية النسيج المجتمعي من الاختراق الأجنبي، الذي يسعى إلى بث الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

إن تونس، في مسارها الجديد، تؤكد على أن العمل المدني يجب أن يكون نابعاً من إرادة وطنية خالصة، ويخدم أهداف التنمية والتقدم، بعيداً عن أي تبعية أو ارتباطات أجنبية. فالجمعيات التي تتحول إلى ناطق رسمي باسم دول أجنبية، وتتبنى مواقف تخدم مصالح تلك الدول على حساب تونس، لا مكان لها في المشهد الوطني الجديد.

الخاتمة: تونس الجديدة… سيادة، استقلالية، وشراكة متوازنة

لقد أثبتت تونس بعد 25 جويلية أنها دولة ذات سيادة، قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها، وحماية مصالحها الوطنية العليا. إن المسار الجديد لم يكن مجرد تغيير سياسي، بل كان إعلاناً عن رؤية جديدة للعلاقات الدولية، تقوم على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والشراكة المتوازنة التي تخدم مصالح تونس أولاً وأخيراً.

إن تونس اليوم، بقيادتها الرشيدة، تسعى إلى بناء علاقات قوية ومتينة مع جميع الدول، على أساس الندية والمصالح المشتركة، بعيداً عن أي وصاية أو إملاءات. لقد تجاوزت تونس مرحلة التبعية، وأصبحت لاعباً فاعلاً في محيطها الإقليمي والدولي، قادرة على فرض احترامها وحماية قرارها المستقل.

إن الطريق لا يزال طويلاً، والتحديات كبيرة، ولكن الإرادة الوطنية أقوى. تونس الجديدة، بقيادة رئيسها قيس سعيد، ماضية في طريق بناء دولة قوية، ذات سيادة، تخدم مصالح شعبها، وتساهم بفاعلية في بناء عالم أكثر عدلاً وتوازناً.

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

French