نزار الجليدي يكتب:حول مشروع القانون المتعلق بإلغاء عقوبة السجن في قضايا الشيكات بدون رصيد..

أولاً، من المهم توضيح شيء أساسي :
مشروع القانون المتعلق بالشيكات في تونس يهدف إلى إلغاء العقوبة السجنية في حالات الشيكات بدون رصيد. من حيث المبدأ، هذا تطور إيجابي من زاوية الحقوق والحريات. السجن لم يكن يوماً حلاً لمشاكل اقتصادية هيكلية. لكن… هل الإصلاح المقترح جاء في التوقيت المناسب؟ وهل أخذ بعين الاعتبار الواقع الاقتصادي الحقيقي للبلاد؟
في تونس، الشيكات المؤجلة أصبحت أداة أساسية – وأحياناً الوحيدة – لضمان التعاملات التجارية، خاصة بين الشركات الصغيرة والمتوسطة، وأصحاب المشاريع، والموردين، وحتى بعض المستثمرين. غياب بدائل حقيقية، مثل الضمانات البنكية السريعة أو التمويل قصير الأجل، جعل من الشيك المؤجل نوعاً من “عملة تعاقدية” غير رسمية (وغير قانونية) لكنها فعالة.
إذا تم تمرير القانون بشكل مفاجئ دون وضع آليات انتقالية واضحة، فإن ذلك قد يؤدي إلى:
1-تفاقم أزمة الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين
2-انسحاب الموردين من البيع بالآجل
3-إفلاس عدد من الشركات الصغيرة والمتوسطة
4-ارتفاع نسبة البطالة، خاصة في القطاعات التي تعتمد على التمويل الذاتي أو التسهيلات في الدفع
5-هروب استثمارات أجنبية تبحث عن ضمانات قانونية واضحة في السوق
الشباب وأصحاب المشاريع الجدد سيكونون أول المتضررين. لأنهم لا يملكون رأس مال كافٍ ولا قدرة على التفاوض مع البنوك التي أصلاً تعاني من أزمة ثقة واحتراز مفرط في الإقراض. على سبيل المثال، أين النسبة (8%) المخصصة من أرباح البنوك التجارية للقروض الصغرى لحرفائها؟ البنوك تخالف القانون علنا في هذا المجال وفي جلّ المجالات.
الاقتصاد التونسي لا يزال هشاً، والدورة الاقتصادية بطيئة، والقطاع غير المنظم يمثل نسبة كبيرة من المبادلات. في هذا السياق، الشيك المؤجل كان أداة ضمان، وإن كانت محفوفة بالمخاطر، لكنها تعمل. وتبقى عامل توازن أمام السّيولة المتوفّرة لدى المهربين ومروجي المخدرات.
لا توجد بنية تحتية للتعامل الالكتروني، إلغاء التعامل بالشيكات سيدعم قوّة السيولة في التعاملات المالية. بل قد يتفاقم التهرب الضريبي.
المطلوب اليوم ليس إلغاء العقوبة فقط، بل بناء ثقة مالية من جديد.
1-تحسين منظومة الضمانات البنكية
2-إصلاح النظام القضائي التجاري وتسريعه
3-حماية المورد الصغير كما حماية المستهلك والمستثمرين المستقلين.
باختصار، لا يجب أن يتحول الإصلاح إلى صدمة. فإلغاء السجن دون إيجاد بديل قانوني أو مالي لحماية الحقوق، قد يؤدي إلى فوضى اقتصادية بدل تطهير السوق. القانون في شكله الحالي قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح من زاوية الحقوق الفردية (رغم عدم وجود ضمانات في العفو عن المورطين في جرائم شيك دون رصيد)، لكنه يحتاج إلى هندسة اقتصادية ومرافقة واقعية، وإلا فستكون النتائج كارثية على الاستثمار والتشغيل.