شرقي الفرات، وآخر الدواء هو الكي” - صوت الضفتين

شرقي الفرات، وآخر الدواء هو الكي”

 أحمد الحسين :كاتب وصحفي

 

في تطور سياسي لافت، شهدت العاصمة السورية دمشق اجتماعاً حضره السفير الأمريكي توماس باراك مع وفد من ميليشيا “قسد”، بحضور وفد فرنسي رسمي، وهو ما استدعى تحركاً عاجلاً من الجانب التركي، الذي أوفد وفداً عسكرياً رفيع المستوى إلى دمشق للمشاركة في الاجتماع ذاته.

يتزامن هذا التحرك مع كلمة لزعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في رسالة مصوّرة، قال فيها:

“الانتقال الطوعي من مرحلة الكفاح المسلح إلى مرحلة السياسة الديمقراطية ليس خسارة، بل يجب تقييمه كمكسب تاريخي.”

ورغم الترقب الكبير الذي رافق هذا اللقاء، أفادت مصادر مطّلعة بأن ميليشيا “قسد” رفضت تسليم مدينة الرقة أو مخيم الهول أو السجون التي تحتجز فيها عناصر تنظيم داعش، ما أدى إلى فشل تحقيق اختراق ملموس في هذا الاجتماع.

والمفارقة أن الطرف الرافض لأي تسوية تنفيذية في هذا اللقاء، بحسب ما أكدته المصادر، كان وفد “قسد” وليس الحكومة السورية، رغم مشاركة جهات دولية وازنة.

في نهاية الاجتماع، تم الاتفاق على عقد لقاء جديد في المستقبل القريب، وسط تشابك معقّد في الملفات الأمنية والسياسية، والضغط الإقليمي المتصاعد، ما يعكس استمرار حالة “تصفية الحسابات” الجارية على الأرض السورية.

ويُطرح هنا سؤالا مهما؛هل تتجه الأمور إلى تسوية فعلية، أم إلى مزيد من التصعيد؟

الولايات المتحدة تبحث عن مخرج من الساحة السورية كطرف فاعل، وتسعى إلى حسم ملف المخيمات والسجون وتسليمها للحكومة السورية. الميزانية المقترحة لتمويل القوات التي تدعمها في سوريا، كميليشيا «قسد» وجيش التنف، هي الأقل على الإطلاق مقارنة بالسنوات السابقة. هناك انسحاب أمريكي شامل قادم من سوريا، ولذلك تدفع باتجاه “سوريا واحدة مستقرة”، بلا مشاكل داخلية أو توتر مع الجيران.

كل الضغط الآن موجَّه إلى “قسد” للتحرك نحو الاندماج، وكذلك الحال بالنسبة للمارد التركي، الذي يراقب عن بعد. ومسألة حسم ملف “قسد” على يديه قادمة، في حال لم يحدث أي تقدّم.

حتى حزب العمال الكردستاني (PKK)، الأب الروحي لميليشيا “قسد”، أعلن عن نيّته تسليم السلاح. كل العوامل تسير ضد “قسد”، بما في ذلك عامل الزمن.

الحكومة السورية بدورها تلعب بذكاء، إذ تستغلّ تعنّت ميليشيا “قسد” لتبرّر لنفسها مستقبلاً أي تحرك قد تمليه الظروف.

أما الوجود التركي في سوريا، فيتميّز عن باقي التدخلات. فالأهداف التركية النبيلة، والتي تتحلى بها أنقرة خلافاً لجميع الأطراف الأخرى، والخالية من أي أطماع سياسية في الدول المجاورة، تكسبها قوة في صنع القرار في المنطقة، وتجعلها الجهة الوحيدة التي تدافع عن حقوق الشعب السوري في المرحلة المقبلة.

فالبعض لا يستطيع أن يميّز بين تدخل تركيا في سوريا وتدخل غيرها. فتدخل تركيا جاء متأخراً، كردّ فعل على الأزمة، ومن أجل ردع فئات ترغب في تمزيق المنطقة، وتعاونت فيه مع الجيش الحر السوري، إضافة إلى إغاثة السوريين. أما تدخل الآخرين، فكان تدخل مرتزقة لمساعدة نظام طائفي قاتل، مزّق المنطقة.

لكل من يقف ضد العمليات العسكرية التركية في شرقي الفرات:

لا يعلم أن هناك 400 ألف مهجّر من المناطق التي احتلها الـPYD، يحلمون بالعودة إلى بيوتهم، بينهم 250 ألفاً يعيشون في الخيام، يريدون العودة بأي ثمن. وكلّهم، بالكامل، مع أي عملية عسكرية ضد من هجّرهم.

وربما لن يمانع أحد منهم أن تكون عقوبة مرتزقة “قسد” هي الخازوق أو الحرق أو السحل في الشوارع؛ ليس فقط لأن هذه العصابات مثّلت بجثث أبنائهم، بل أيضاً لأنهم اضطروا للعيش سنوات في مستنقع من الطين شتاءً، وفي فرن لاهب صيفاً. لأنهم رأوا الأم الباكية التي ما زالت تحتضن جثة رضيعها الميت من البرد علّه يدفأ ويعود للحياة… أو سمعوا بها على الأقل.

يعرفون أنك لا تهتم لرأيهم في العملية العسكرية، ولم تفكر للحظة بينك وبين نفسك في موقفهم. فهم ينتمون إلى تلك الأكثريّة التي اعتادت القصف والموت والتهجير وعيشة الخيام، وقد لا تخطر في بالك عندما تنادي بـ”سلامة المدنيين”.

وهم أيضاً لا يهتمون لـ”إنسانيتك الانتقائية، العنصرية، الطبقية”، ولا لمرضك النفسي.

آن الأوان لشعوب المنطقة أن تتعايش، بدل السعي إلى استرضاء الأجنبي.

في الختام

موقف الحكومة السورية المتوافق مع المحيط الإقليمي، ابتداءً من الرياض ووصولاً إلى أنقرة، هو الذي سيلجم مغامرات المغامرين، وينقذ شرقي الفرات من الانزلاق إلى مسارات خطيرة

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

French