الشرق الأوسط: ساحة صراع لا مشروع تحرير..!!
بقلم نزار الجليدي

في خضم التصعيد المتكرر بين إيران والكيان الإسرائيلي، تبرز حقيقة غالبًا ما تُغفل في الخطاب الإعلامي والجماهيري: ما يدور ليس صراعًا من أجل فلسطين، ولا مواجهة بين “محور مقاومة” وآخر “تابع”، بل معركة مفتوحة على النفوذ والهيمنة الإقليمية، تُدار بأدوات سياسية وعسكرية وإعلامية، وتُدفع كلفتها من دماء الأبرياء في المنطقة.
من الخطأ الاعتقاد بأن الكيان الإسرائيلي يتحرك بدافع حماية العرب، كما أنه من المضلل أن تُصوّر تحركات إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن على أنها التزام صادق بقضية الأمة. فالمعطيات الميدانية، والتحالفات المعلنة والخفية، تثبت أن الطرفين يسعيان لتوسيع مجالهما الحيوي وتثبيت موقعهما في خارطة التأثير، تحت غطاء شعارات دينية وتاريخية.
القلق الإسرائيلي من البرنامج النووي الإيراني ليس أخلاقيًا ولا حقوقيًا. بل هو حساب استراتيجي بحت: أي تغير في ميزان الردع يهدد بتقويض التفوق العسكري النوعي الذي تحرص إسرائيل على احتكاره في المنطقة. في المقابل، تسعى إيران إلى تثبيت حضورها كقوة إقليمية كبرى، لا عن طريق وحدة الصف العربي، بل عبر تفتيت المجتمعات من الداخل، باستخدام الورقة الطائفية والنزاعات الداخلية كأدوات نفوذ.
هذا المشهد المعقّد لا يسمح بقراءات عاطفية أو تبسيطية. لا أحد يقاتل لأجلنا نحن العرب، بل الكل يتحرك لأجل أجنداته. الشعارات تُستخدم لتأليب الرأي العام، والنتائج الفعلية تُظهر أن الشعوب العربية تظل الطرف الخاسر في كل دورة من دورات هذا الصراع.
أما تركيا، فهي لاعب ثالث يحاول التموقع وسط هذا المشهد المتشابك. طموحاتها الإقليمية واضحة، ونجاحاتها الاقتصادية والسياسية جعلتها محل ريبة من الكيان الإسرائيلي، أكثر من إيران نفسها. لكنها ما زالت تتأرجح بين تحالفات الغرب ومصالح الشرق، وقد تجد نفسها خارج معادلة التأثير إذا لم تُحسن ضبط توازناتها في لحظة حرجة.
ورغم كل التهديدات والتصعيد، يبدو أن هدف إسرائيل ليس إنهاء النظام الإيراني، بل تقليص قدراته وضبط إيقاعه ضمن حدود “مسموح بها”. فالنظام الإيراني، كما هو، يشكل أداة فعالة – وإن بشكل غير مباشر – لتشتيت العالم العربي، وتفريغ قضاياه من مضمونها القومي والسياسي. ولذا فإن أي ضربة قوية ضده، ستكون محددة الأهداف، دون التورط في عملية إسقاط كاملة.
في النهاية، سيخرج الطرفان منهكين: إيران اقتصادياً وسياسياً، والكيان الإسرائيلي معنويًا وربما عسكريًا، لكن بدعم غربي يعيد ترميمه. أما العرب، فسيظلون بين نارين ما لم يدركوا أن اللحظة الحالية، بكل ما تحمله من تحديات، قد تكون فرصة نادرة للتموضع من جديد.
إنها لحظة لإعادة تعريف الذات، والخروج من أسر المحاور، وبناء مشروع سياسي عربي مستقل لا يُرهن لإيران ولا يتماهى مع إسرائيل، بل ينطلق من المصلحة القومية، ومن إرادة استعادة القرار العربي من أيدي من تاجروا به لعقود.
التاريخ لا يرحم من ينتظر كثيرًا. والمنطقة في مفترق طرق… فإما أن نكون فاعلين، أو نُكتب مجددًا كهوامش في روايات الآخرين.