القاضي الطاهر بن تركية يكتب:هناك من يتباكى على الديمقراطية في تونس وكأنها ولدت تامة الشروط وفي أحسن صورة !

كتب القاضي الطاهر بن تركية (رئيس دائرة لدى محكمة الإستئناف بنابل – تونس) على صفحته بالفيس بوك نصا متميزا عنونه ب” تساؤلات مواطن “
جاءفيه:
هناك من يتباكى على الديمقراطية في تونس وكأنها ولدت تامة الشروط وفي أحسن صورة !
° ألم تكن ديمقراطية عرجاء كسيحة من يوم ميلادها رغم طول مخاضها؟
° ألم تكن ديمقراطية السذج والرعاع والأتباع في مجتمع خمس 1/5 أبنائه وبناته أميين؟
° ألم تكن ديمقراطية الفقراء الذين تحركهم المصالح ويميلون مع النعماء حيث تميل؟
° ألم تكن ديمقراطية بيع الأصوات بالمزاد العلني المفضوح؟
° ألم تكن ديمقراطية الترضيات والمحاصصة الحزبية؟
° ألم تنتج هذه الديمقراطية نظام سياسي مشوه وهجين hybride غير قابل للتطبيق على أرض الواقع، فلم يكن نظام برلماني واضح المعالم ولا رئاسي مكشوف الوجه؟
° ألم تكن ديمقراطية موجهة démocratie guidée أو ما يعبر عنها كذلك بالديمقراطية المُدارة démocratie dirigée، وإن كانت السلطة فيها تستمد شرعيتها من الانتخابات لكن هذه الانتخابات لا تحمل في الوقت نفسه أي معنى جوهري يلامس الواقع خصوصاً فيما يتعلق بقدرة هذه السلطة على تغيير سياسات الدولة الداخلية والخارجية كما أنها ليست سيدة قرارها وليست من تسطر أهدافها بما هو في مصلحة الوطن وعدم استقرار الحكومات وتعاقبها خير دليل على ذلك؟
° ألم تتعطل الحياة البرلمانية وأصبح مجلس الشعب محل تندر وسخرية من الداخل والخارج وأصبحت الحياة السياسية شبيهة بكرنفال استعراضي ممجوج الغاية منها تسجيل النقاط وليس إدارة شؤون البلاد المعطوبة حال كون المواطن كان حديث العهد بالخيار الديمقراطي وكان الشعب برمته يعيش حلما وكانت الدولة في مسيس الحاجة للانضباط الحزبي والسياسي لإعطاء صورة جميلة للإنتقال الديمقراطي في الداخل وفي الخارج؟
° ألم تكن السياحة الحزبية معلنة ومفضوحة الى درجة القرف حتى أن جل الناخبين ندموا أنهم ذهبوا للاقتراع أصلا؟
° ألم يصبح معظم نواب الشعب في ثراء فاحش في مدة وجيزة وحادوا عن الوكالة البرلمانية المناطة بعهدتهم إلى درجة خيانة الأمانة؟
° ألم تقع إضاعة المصلحة العليا للوطن في زحمة العكاظيات والمناكفات السياسية حتى أنه تعذر على البرلمان إرساء المحكمة الدستورية وهي أهم مؤسسة دستورية وقضائية في البلاد باعتبارها تتكفل بمراقبة دستورية القوانين فضلا عن دورها الرقابي والاستشاري وتعتبر أهم الضمانات الضرورية للممارسة السياسية؟
° ألم تشهد البلاد تضخم مؤسساتي ديكوري، على شاكلة تضخم الأحزاب والجمعيات، أثقل كاهل الدولة بتكاليف كانت في غنى عنها لولا تضخم المصالح وتكالب النزعات؟
° ألم تشهد البلاد إعلاما موجها وتحت الطلب غيب الوعي السياسي المرغوب فيه والمندوب إليه وصحر العقول ولوث الذوق المجتمعي حتى أصبحت التفاهة هي المسيطرة على الساحة؟
° ألم يقع إرساء عدالة انتقالية كانت أغلبها مغشوشة ان لم تكن انتقامية الى درجة كبيرة ولا علاقة لها بالعدالة بمفهومها الفلسفي وكثيرا ما تم استعمالها للتخويف والترهيب والابتزاز؟
° ألم يقع تهميش دور القضاء القائم منذ الأيام الأولى للثورة بممارسات تقزيمية وتهييج من هب ودب للنيل منه حال كونه كان في أمس الحاجة للمؤازرة والمساندة والإصلاح بوسائل تتماشى والمعايير الدولية؟
° أليست مسألة الديمقراطية هي ثقافة بالأساس وممارسة يومية قبل أن تكون دستور وقوانين ولوائح؟
° أليست الديمقراطية المبنية على خواء في الوعي مرشحة للهزات والارتدادات والانتكاسات والفشل في كل حين؟
° ألم يكن زمنها قصر قرطاج، في حضور رئيس مسن ومهووس بالسلطة obsédé par le pouvoir، بمثابة السرك يرتع فيه زبانية المصالح عديمي الوعي بالقضايا المصيرية التي جاءت من أجلها الثورة عدى بعض الأشخاص الذين كانوا أقلية غير مؤثرة في القصر؟
لا زلتُ أتذكّر كيف تم سحب الثقة من حكومة السيد الحبيب الصيد، وهو رجل وطني وشريف، وكيف كانت الطبخة السياسية عطنة وعفنة الغاية منها تحقيق مصالح حزبية فئوية ضيقة لا علاقة لها بالمصلحة العليا للوطن، ومن يومها دخلت البلاد في منعرج خطير لازلنا ندفع ثمنه الى يوم الناس هذا !!!
°°° لذا، رجاء كفكفوا دموعكم وكفاكم أوهام وأراجيف وراجعوا حساباتكم، فالتاريخ لن يعود القهقرى إلى الوراء ومقولة “أن التاريخ يعيد نفسه” هي مقولة مغلوطة بالأساس، فكما أن التاريخ منحكم السلطة فهو الذي نزعها منكم لاستعمالها في غير الغرض التي أعدت من أجله، أقول راجعوا حساباتكم خاصة وأن الموازين الدولية تغيرت كثيرا، فالعم سام Oncle Sam فقد الكثير من وزنه العالمي، وماما فرنسا أصبحت تتمسح على أعتاب بكين وتبحث لنفسها عن مخرج من أزمتها، والغرب برمته غارق في وحل الخندق الأوكراني، وأردوغان على أبواب إنتخابات قد يخسرها، كل هذا وغيره يبشر بميلاد نظام عالمي جديد وبخريطة جيوسياسية جديدة ومغايرة تماما لما كانت عليه الأمور..
° أختم بالقول أن الوضعية السياسية الحالية ليست على احسن ما يرام والصورة ليست وردية وبالأثر فإن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية معطوبة، ومن يقول بخلاف ذلك تنقصه الواقعية وكذلك الصدق في القول ويقظة الضمير، بل هناك ضرورة قصوى للمراجعات السياسية والاقتصادية الجوهرية والعميقة بما يتناسب وأمهات القضايا التي تشهد مخاضا غاية في الخطورة والأهمية وأن المرحلة لازالت تقتضي تكاتف جميع الجهود الصادقة والنزيهة التي لا تلهث وراء المصالح الضيقة والتي لا ترتهن للخارج بأي شكل من الأشكال..
° وأقول كذلك، بأن من ينفرد بالقرار سالكا سياسة النعامة تجاه غيره فهو كمن يطارد السراب ليجمعه بناصيته فإذا مل السعي وسئم المطاردة رجع الى نفسه مدحورا مقهورا.. أبحثوا عن بدائل صادقة وتوافقات نبيلة عسى أن تكون نافعة وكفيلة بإخراج البلاد من عنق الزجاجة…
————————-
طاهر بن تركية (قاض)
27. 4. 2023 تونس