الانتخابات الفرنسية من زاويتها الإعلامية . - صوت الضفتين

الانتخابات الفرنسية من زاويتها الإعلامية .

حسن لويزي، اعلامي مغربي

 

الدرس الإعلامي الفرنسي من بين الدروس الأساسية المستخلصة من نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية السابقة لأوانها هي دور ما يسمى بالإعلام الجديد في بلد موليير حيث تتبعنا كيف ان منصاتها و فضاءاته المتعددة امتلأت حد التخمة بمضامين اقل ما يمكن أن يقال عنها انها تتسم بالنفخ و السطحية في “ التبشير ” بالاكتساح القادم من اليمين المتطرف الذي يسمي نفسه بالتجمع الوطني Le Rassemblement National و نجمه الشاب Jordan Bardella. الزعيم الجديد، حضر بقوة في الاعلام الفرنسي بكل مكوناته و في مواقع التواصل الاجتماعي ، بعد نتائج الدور الأول، التي أعطت التفوق لحزبه، ليزكي نفسه كوزير اول محتمل جدا لفرنسا، و يطلق العنان لاديلوجية اليمين المتطرف التي تربط الهجرة مع كل مصائب فرنسا المتعددة الاوجه . و قد انضم الى هذه الجوقة المهللة للفوز الكاسح للحزب العنصري قنوات تلفزية فرنسية منها Cnews المملوكة لرجل الأعمال الفرنسي Vincent Bolloré و التي انخرطت بشكل ممنهج في الهجوم على Jean Luc Mélenchonزعيم حركة La France Insoumise اليسارية و تقديمه كخطر على البلاد و المجتمع لا لشيء إلا لكونه يناصر حق الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه المشروعة. كل هذه الحملات التشهيرية بالمهاجرين و المناصرين للفلسطينيين المحاصرين في غزة في العديد من منابر الإعلام الفرنسي و المواقع كان هدفها هو حث الناخبين على التصويت لصالح اليمين المتطرف و مناصريه من اليمين التقليدي. و هو توجه نددت به بعض الأصوات الإعلامية الفرنسية البارزة ك Pascal Boniface و Edwy Plenel . حبل الكذب قصير، كما يقال، فالمجتمع الفرنسي في غالبيته قال كلمته و هي ” لا ” للحزب المجسد للعنصرية و الكراهية . و بالتالي فشلت الأدرع الاعلامية لهذا الحزب و إديولوجيته المشينة في الزج بفرنسا في متاهات لا يستطيع أحد التنبؤ بمخاطرها، و منها السيناريو الاسوأ و هو الحرب الاهلية كما حذر بذلك الرئيس ماكرون . الدرس الفرنسي يؤكد قناعة راسخة بأن الانسان بامكانه يبقى سيد مصيره بالرغم من قوة و ضغط الحملات الإعلامية الموظفة للتكنولوجيا الحديثة و الدعاية باخبارها الكاذبة و تشهيرها بالأشخاص و المواقف الشجاعة. التعبئة الشعبية المضادة التي بلورها بنجاح اليسار بكل مكوناتها، رغم بعض الخلافات الداخلية، أبانت عن حيوية المجتمع الفرنسي المتعدد الأصول و قدرته على مواجهة رموز العنصرية و آلاتهم الاعلامية الجهنمية. كما قالت الاعلامية الفرنسية الراحلة Françoise Giraud “ هكذا تبدأ الفاشية. لا يقول اسمه أبدًا، يزحف، يطفو، عندما يظهر طرف أنفه، يقول الناس: أهذا هو؟ كنت أعتقد ؟ ذات يوم سيكون الوقت قد فات لطرده ” المنابر الإعلامية الفرنسية بنفخها في قدرة اليمين المتطرف على الوصول إلى السلطة ساهمت في تغلل إديولوجيته في المشهد السياسي الفرنسي لكنها لم تكن تتوقع، لا هي و لا اصحاب معاهد و مراكز قياس الرأي، ان المجتمع لازالت لديه المناعة في التصدي لتيار الحقد و العنصرية. على ائتلاف اليسار و أنصاره تقوية هذه المناعة اليوم اكثر من اي وقت مضى سواء تحملوا المسئولية في الحكومة الفرنسية المقبلة او بقوا في المعارضة.

 

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *