محلّل منهم/  الإدمان الاسرائيلي على حكايات البطولة هدفه اخفاء الواقع وطمسه ونحن نغرق بكارثتنا - صوت الضفتين

محلّل منهم/  الإدمان الاسرائيلي على حكايات البطولة هدفه اخفاء الواقع وطمسه ونحن نغرق بكارثتنا

 

 

في تحليلٍ يُعتبر غريبا  في دولة الاحتلال، نشر المحلل الإسرائيليّ المخضرم ناحوم بارنيع في صحيفة (يديعوت أحرونوت) مقالاً أكّد فيه: “لا تزال الحرب مستعرّة، والمدافع تزأر، لكنّ إسرائيل تغلف نفسها بالفعل بطبقاتٍ مبطنةٍ لحماية نفسها من البحث الحقيقي عن الذات”.
وتابع: “تمّ استبدال الصدمة الأولية الآن بحكايات لا حصر لها عن البطولة والولادة الجديدة، إلى جانب قصص الكوارث المرعبة التي لا تطاق، بعد شهرٍ واحدٍ من بدء الحرب، لا تمر لحظة دون وجهٍ يبكي على شاشة التلفزيون، ولا صفحة صحيفة دون قصةٍ بطوليّةٍ”.

“كلّ جنديّ يُقتل هو “بطلٌ إسرائيليٌّ”، جنديٌّ قام بعملٍ بطوليٍّ مذهلٍ، كما أنّ العروض المؤثرة والمثيرة للعمل التطوعي مغطاة بشكل مفرط، انظروا كم نحن جميلون وكم نشعر بالرضا عن أنفسنا. بجانبهم التقارير الواردة من التيار الأمامي، كل شيء، ولكن كل، يبشر بنجاح كبير: النصر في الطريق”.
وأردف: “إنّ الإدمان على حكايات البطولة يهدف أيضًا إلى إخفاء الواقع وطمسه. هادئون، نحن نغرق في كارثتنا ونشعر بالإعجاب والاندهاش من أنفسنا”.
وأكّد المحلل: “لاحِظوا كيف أنّ الفشل الذريع المذهل في 7 أكتوبر يتلاشى ببطء في وعينا، ربما عمدًا. يتحدث الناس أقل فأقل عن المفاجأة للمخابرات الإسرائيلية، وعندما يفعلون ذلك، فإنّهم يتجاهلون دور جهاز الأمن العام (الشاباك) الذي يعرف كل شيء وقادر على كل شيء. لم يعودوا يتحدثون بعد الآن عن عجز جيش قوي مجهز وميزانية، وعن عدم قدرته على إنقاذ كيبوتس تمّ احتلاله لمدة 12 ساعة كاملة”.
ولفت إلى أنّ “بضعة آلاف أخرى من القتلى الفلسطينيين في غزة، والكارثة سوف تتلاشى أكثر. الجيش الإسرائيليّ ينتصر. إنّ التجربة التصحيحية للجيش، إذا كانت ناجحة بالفعل مثل القصة التي يروونها لنا حتى الآن، يمكن أنْ تجعلنا ننسى الفشل. مَنْ سيُحاسِب الأبطال الإسرائيليين العظماء الذين يقدمون لنا رأس يحيى السنوار على طبقٍ من فضة، وربّما حتى يحررون الرهائن؟ سنسامح لهم أي شيء”.
وجزم المحلل “إنّ الانشغال بالانغماس في الحزن والتربيت على ظهرنا يهدف إلى تغطية الثقوب السوداء، ليس فقط حول ما حدث، ولكن حول ما يحدث وبشكلٍ أساسيٍّ حول ما سيحدث”.
“الثقب الأسود الأول هو ما يحدث الآن في غزة: الإسهاب الذي لا نهاية له في وسائل الإعلام الإسرائيليّة يكاد يتجاهل حمام الدم المروع. لا كلمة واحدة عن كارثة غزة. لا يعني ذلك أنّه مبرر أوْ غير مبرر، إنّه ببساطة غير موجود. التجاهل متعمد. لا توجد تقارير. لا توجد صور.. ولا يوجد أيّ ذكرٍ للصباح التالي. رزم من الكلمات، ولا أحد لم يقل بعد ما سيحدث بعد النصر العظيم”.
وتابع: “لا يوجد إسرائيليّ لا يريد كلّ المعلومات عن الرهائن وعائلاتهم، عن أولئك الذين قتلوا والثكالى والمفقودين. لكن الحداد والبطولة لا يمكن أنْ يهيمنا تمامًا على الخطاب العام لمدة شهر وما بعده، ولا يفسحان المجال لأي أمور أخرى”.
ولفت إلى أنّه “إلى جانب البطولة والولادة الجديدة، يجب علينا أيضًا التعامل مع الكارثة وأولئك الذين يتحملون المسؤولية عنها، بالفعل الآن، قبل أنْ تضعف شدتها بسبب انتصارٍ عسكريٍّ، حقيقيٍّ أوْ محاكاة. ولا يمكننا أنْ نتردد في إخبار الإسرائيليين بما يجري الآن باسمهم في غزة”.
وأكّد أنّ “الأبطال الإسرائيليون يقتلون عشرات الآلاف من الناس هناك بالجملة. لا بأس في تبرير ذلك، قد يقول المرء أنّه لا يوجد خيار، أوْ حتى يكون سعيدًا، مدفوعًا بالتعطش للدماء ومشاعر الانتقام. لكن لا يمكن إخفاؤه، ليس فقط لأنّ العالم كله يتعامل مع ذلك فقط، ولكن لأنّه واجب أخلاقي للنظر إلى الواقع مباشرة في العين”.
واختتم: “بعد شهرٍ من بداية الحرب، لا تنظر إسرائيل إلى الواقع مباشرةً في أعينها. وبالتالي فإنّ فرصة البحث الحقيقيّ عن الذات بعد الحرب آخذة في التناقص. ربّما سيتعيّن علينا الاجتماع مرّةً أخرى في الحرب القادمة”.

نزار الجليدي بتصرف
شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *