إقليم "نخجوان" إقليم جديد استعدوا للحرب منه و عليه - صوت الضفتين

إقليم “نخجوان” إقليم جديد استعدوا للحرب منه و عليه

 

بقلم نزار الجليدي كاتب و محلل سياسي مقيم بباريس

 

إقليم “نخجوان” إقليم أذري يقع بين ثلاث دول:تركيا و إيران و أرمينيا، و ليس له حدود مع بلده الأم أذربيجان.
يهم هذا الاقليم تركيا أكثر مما يهم بلده الأم و تهتم لأمره أيضا إيران و أرمينيا و روسيا و حتى أمريكا.
و هو الٱن بمثابة برميل البارود.
إلى شرق هذا الاقليم، يوجد إقليم ” كاراباخ” و يقع على الأراضي الأذرية. و هو يعتبر نقطة إنطلاق الحروب في المنطقة و لكن الإنفجار الحقيقي لهذه الحروب سيقع في إقليم “نخجوان”.
مؤخرا، و بعد أن فرغت “باكو” عاصمة أذربيجان من وضع يدها على إقليم ” كاراباخ” تحولت للتركيز على إقليم ٱخر لها تخبؤه أرمينيا خلفها و تحرمه من التواصل مع بلده الام. و هو إقليم يعمره تاريخيا غالبية من الأذر و كان فيما مضى جزء من الدولة العثمانية ثم تحولت ملكيته لروسيا القيصرية و مع ولادة الإتحاد السوفياتي أصبح جزء منه. لكن ظلت تباعيته لأذربيجان التي كانت أحد دول الإتحاد. و لم تكن هناك مشكلة كبيرة في التواصل بين البلد و إقليمه المفصل عنه بحكم ان أرمينيا التي تفصل بينهما كانت هي الأخرى جزء من أراضي الإتحاد السوفياتي و لطالما فتحت الطرق بين البلد و إقليمه و معها سكك الحديد. و لكن كل هذه السبل سوف تتقطع لحظة إنهيار الإتحاد السوفياتي و ستولد أزمة جغرافية ستولد أزمة سياسية و عسكرية أكبر حيث انفصلت كل من أذربيجان و أرمينيا عن الأتحاد السوفياتي فادّعت كل منهما أن لها إقليما عند الأخرى. حيث قالت “يريفان” عاصمة أرمينيا ان لها أراض في قلب اذريبجان تدعى “كاراباخ” و يعيش فيها غالبية من الأرمن لذا فهو إقليم أرميني، في حين صرحت “باكو” انه إقليم أذري لأنه واقع في قلب أراضيها و أضافت أن لها إقليما ٱخر يدعى “نخجوان” و على أرمينيا السماح للأذريين بالتواصل معه.
و الحقيقة أن يريفان أرادت وضع يدها على الاقليمين لكن نخجوان دخل في الحماية التركية فلم يتبق للأرمن إلا وضع يدهم على كاراباخ و قد تمكنوا من ذلك بعد حرب مع الأذر تسعينيات القرن الماضي. فانتصر الأرمن بفضل الدعم الذي تلقوه ٱنذاك من روسيا و إيران في حين كانت تركيا محدودة القوة و لم تستطع نصرة حليفتها باكو ٱنذاك ، لكنها تمكنت من حماية إقليم نخجوان الواقع على حدودها و تواصل دعم روسيا لأرمينيا بحكم ان البلدين يعتنقان الأرثوذكسية المسيحيةكما تلقت أرمينيا دعما ايرانيا بحكم ان طهران الشيوعية لم تحب يوما أذريبيجان الشيعية نظرا لعدم سماح هذه الاخيرة بتصدير الثورة الدينية لايران إليها و رفضت الولاء و الطاعة التي يمنحها الشيعة في العالم لمقام المرشد الإيراني.
و كان أسهل لباكو التحالف مع تركيا السنية ليس لأسباب طائفية و إنما لكون أنقرة لا تكنّ الود للأرمن منذ القدم. فهم يرون ان الأرمن أحد أسباب سقوط الدولة العثمانية و أنهم طعنوها من الداخل أيام حروب العثمانيين الكبرى. كما ان أرمينيا تبادل تركيا الكره بحكم المجازر التي يقولون ان العثمانيين ارتكبوها في حقهم.
و على هذه الاسباب و تلك المسببات نشأ الصراع و التحالفات بين الجميع: اذريبجان برعاية الأتراك و أرمينيا بدعم الروس و الايرانيين. حتى قويت شوكة الأتراك و تمكنوا من اقناع الغرب بترك الرهان لأرمينيا المسيحية و توفير الدعم و التغطية لأذربيجان المسلمة ففي السياسة تقام التحالفات على أساس المصالح و ليس على أساس الدين.
كما ان اذريبجان بلد غني بالغاز و الطاقة و سيشكل بديلا للروس لإمداد الغرب بوسائل الطاقة و الإنتاج و هذا سبب ٱخر دفع الروس لدعم الأرمانيين و كره الأذربيين و ماقام على المصلحة سينتهي أيضا على المصلحة.
فبعد ان استقوى الأذر بدعم الغرب قرروا عام 2020 خوض معركة رد إعتبار و تمكنوا من الانتصار على الأرمن و بسط سيطرتهم على كاراباخ و لكن ليس بعد أن تدخل بوتين ٱنذاك و قال لكلا البلدين: ” الاقليم سيظل تحت رعايتنا و توقفا عن القتال عليه.” فظل الوضع على ماهو عليه مع قليل من التحسينات حيث ضغطت موسكو على باكو بفتح ممر عبر اراضيها يصل بين ياريفان و اقليمها و هو ممر “لاشين”كما وعد الروس باكو بالضغط على ياريفان لفتح ممر يصلهم بإقليمهم “نخجوان” و هو ممر ” زانجيزور” لكن هذا الممر لم يرى النور ابدا فما كان يهم موسكو وقتها هو وضع يدها على الطريق الذي كان سيحمل غاز اذريبجان للغرب و قد تمكنوا من قطعه بعد أن ارسلوا قواتهم إلى كاراباخ تحت شعار حفظ السلام و وافقت باكو على مضض. فهذه روسيا جارتهم و ليس من مصلحتهم العبث معهم خاصة و أنهم شاهدوا ما حل بجيران روسيا: جورجيا و أوكرانيا، حين فكروا في التلاعب بالروس.
و عادت روسيا لممارسة السياسة مجددا و غزت أراضي كياف و انقسم العالم حول روسيا بين صديق لها و عدو مؤيد للغرب. و كانت الصفعة لروسيا من أرمينيا التي قررت الرهان على الغرب و دخلت على خط دعم أكرانيا فقد ارتأت أرمينيا ان الرهان على واشنطن اقوى قوة على الأرض قد يقودها الى الانتصار مجددا و رد الاعتبار من الأذر كما توقعوا خروج روسيا منهزمة أو منهكة من حربها مع أكرانيا. لكن روسيا قررت معاقبة الأرمن و سمحت للأذريين بفعل ما بدا لهم. و هكذا قامت باكو بغزو الاقليم المتنازع عليه كاراباخ و أعادته إلى سيطرتها.
و بالعودة الى إقليم نخجوان، هذا الاقليم الأذري، فهو بمثابة جمهورية تتمتع بحكم ذاتي لأنه غير متصل ببلده الأم و مساحته توازي 6%من مساحة اذريبجان و يقارب عدد سكانه نصف مليون نسمة غالبيتهم من الأذر لكن تعيش فيه أقلية ناطقة بالروسية و هنا يمكن الخطر. وهؤلاء الروس المتواجدين بالإقليم هم من عهد السوفيات لكنهم ظلوا فيه و بما ان الاقليم معزول لأن غالبية حدوده توجد مع أرمينيا و إيران عدوة الأذر فليس له متنفس إلا في تركيا التي يهاجر لها عديد الأذريين من إقليم نخجوان بحثا عن العمل و الدراسة و أنقرا تستقبلهم لأن هذا الاقليم في غاية الأهمية للأتراك: أولا لأنه يعزل أرمينيا عنهم و يقلل طول الحدود بين أرمينيا و تركيا و شوكة في خاصرة أرمينيا و هو ايضا منفذ تركيا نحو وسط ٱسيا و نحو من تسميهم بالشعوب التركية هناك. و لعل أعظم أهمية فيه هو أنه من المفترض ان ينقل الطاقة الأذرية إلى الأراضي التركية دون حاجة إلى مرور الأنابيب في جورجيا و أرمينيا اللتان تفصلان تركيا عن اذريبجان و لهذه الأهمية البالغة استعجلت أنقرة فتح ممر زانجيزور أو المطالبة بفتحه و هو الممر الذي وعدت روسيا باكو بفتحه و الذي يصل بين أذربيجان و اقليمها نخجوان و لكن ليست تركيا لوحدها من تهتم لأمر هذا الاقليم فالروس أيضا و رغم كرههم الحالي لأرمينيا فإن مصلحتهم تقتضي عدم فتحه كي لا تتدفق أنابيب الطاقة من وسط ٱسيا الى تركيا و منها الى الغرب و معها إيران أيضا التي ترغب بعد الانفتاح على العالم و زوال العقوبات ان تتمكن من تصدير نفطها و غازها للغرب و لا تريد منافسين في ذلك.
أما الغرب فيقف مع تركيا في أهمية الممر و الاقليم لتأمين طريق جديد للغاز و البترول بعيدا عن النفوذ الروسي لذا لن تخسر واشنطن اذريبجان رغم قرار دعمها لأرمينيا مؤخرا و هذه التدخلات السياسية جعلت الاقليم حتى الٱن معزولا أو مركونا كعش دبابير معلق على شجرة المصالح سيلسع من يقترب منه أولا فاستحق و عن جدارة لقب برميل البارود الجديد الذي قد ينفجر في أية لحظة.

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *