مقال رأي بقلم الجزائرية مريم عرجون/ واذا الثورة سألت بأي ذنب وئدت ؟ مجازر 8 مايو(ماي) 1945
ترقص الدمعة الثكلى في شوارع بلادي الحزينة تسرق الفرحة والأمان وتحتَ الأيام الغابِرَة والمتآكلةِ بين أنياب الزمن يختنق الحب بأرضنا التي غزاها الجراد بغرائز حيوانية منحطة وقودها من جحيم تسعى في خراب الديار و ألقى عليها أكذوبة السلام، و بين دروب الديار التي تترنح أعمارنا فيها عرجاء تبحث في حطام الناس عن وطن موعود يلملم بقايانا على رصيف الذاكرة المغدورة، والمقبرة الحشية التي تئن بها العظام بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ التي دونتها مجازر القرن العشرين، مجازر 8 مايو 1945 أبشع الجرائم ضدّ الإنسانية وفي حق الجزائريين، وكأن فرنسا كانت في رحلة صيد من أجل الترفيه، وولدت العزة فوق صَهْوَة من جماجم البشر لرجالٍ عظماءٍ يتراكضون مع حبات الندى على صخب الجياد، وألبسوا فرنسا ثوب الحداد هؤلاء الأبناء العظماء الذين دونوا تاريخ الجزائر خلف أكتافهم، و رفضوا حدوداً يرسمها الاِحتلال، مرقصا يباع فيه عرض وطن، فكتبوه ذات مجد ثائر، حين كانت حروفهم دماء تنهمر حديثا بلا توقف، وكُبلوا بسلاسل من عشق للوطن، لأن الوطن كان حلما حيا لهم، أوغل في أعماقهم يقطر دما وحزنا وحبا وتضامنا في مدن غُسِلت شوارعها بالدماء وكبرت مآذنها وهللت فرحا لموسم السلام، السلام الذي رسم بمجازر الثامن ماي 1945، هاته النقطة السوداء المظلمة التي هدرت الكرامة وصادرت الإرادة واِستباحت الإنسان والعرض والأرض فاِزدادت جرعة الاِنتماء للوطن، هذا الاغْتِيال الوحشي الذي ترك ينهضه و يشد بعضه بعضا كالبنيان المرصوص يبني جسده الذي تآكله الجراد قاوم المضايَقَ ونادى أبناءه :
قاوموا بالحب مستعمر متطاول مُتَبَخْتِر، واتركوا العشق المجنون للوطن يتملككم في زمن الذي يعوزه المنطق والحكمة، و يتلبسكم الشعور بقوة و قدرة فائقين على الاستمرار.
ليس مهما أن تغوص في مقلاة الحياة عراة فتتقاذفكم التفاصيل أو تتسكعوا على ضفافها وحيدين، ليس مهما إن كان عشقكم يتمطى ويتثاءب صباحا فوق سرير وثير أو أن يفترش ترابا مبلل بدم شهيد ديار، فحين يغمر العشق قلوبكم للوطن.
لاتهتموا لثوابت أوهام السلام القديمة ولا تبالوا بإسم الحيوان البدائي الذي قفز على ديارنا الشريفة ليلا، ولا بمن سيأتي صباحا لينتزع منا أرضنا، هويتنا وكرامتنا، أتركوه كالحالم المهزوم الهارب من جحيم الرجال والخوف والهزيمة الذي احتضن كرة نار بوعي أو بدونه، لا تهتزوا يا أبناء الديار لمشاهد الغياب القاسية الوحشية، كما لا تنصتوا لوقع بساطير الجراد قرب الحدود المنتهكة وداخل الديار ، فحين يحيط اللامنطق بأرضنا ويختلط صدى الموسيقى بهدير الطائرات باللطم وبالصراخ وبناءات الباعة الجوالين، وبآيات القران في المآتم، وبدون صفارات الاسعاف، وبهتافات المقهورين خلف جثة شهيد، وبتأوهات سجين تراه في زنزانة الوطن، وبصراخ بائع أوطان في وادي آجِن، وبرنين أجراس المدارس، وأنات مريض يمنع المستعمر علاجه، حين يتشكل هذا الخليط الكثيف في حياتكم فاهربوا إلى عشق الوطن، اخلعوا كل أفكاركم السالفة واستسلموا للوطن فهو الحصن، العصي، القادر على التصدي لكل ما يتربص بنا، هو الحامي، الرافع، القوي، المهيمن، الحليم، المتسامح، المانع، القدير، المنتصر، حاربوا الحرب بالحب ،قاوموا المستعمر بالحب ،حرروا الوطن بالحب، قاتلوا الجراد بالحب، طهروا الوطن بالحب، اجتثوا الفساد بالحب واكسروا الحصار والحدود والاقطار والجبال والسواحل والصحراء بالحب، ثم قرروا السلام والحرية بالحب، فحب الوطن هو مفتاح الأسئلة الكبرى ، فكل القوى الغبية والأخطار المحدقة والشياطين الصفراء تنحني وتركع مستسلمة أمام إرادة عشاق الوطن، الذين تصدح ضحكاتهم كصرخة الرعد، ليصنعوا تاريخ أوطانهم برجال نبضت عروقهم أُنَفَة وعزا و نزفوا دما على ثرى وطن لا يأبى الانصياع، ومع كامل عنفوان الرجولة لعظماء صنعوا التاريخ توجت لنا الجزائر جزائرية ،وشهدت لنا سرايا القصور أننا أمة لا ننحني لا نُهزم ولا نَرحم ولن نتولى مُدْبِرِينَ نعشق الوطن بهُتْرٍ و تهورٍ ، ولازلنا لأرضنا المَوْت وَ الحَيَاة وَ النُشُور و نشور مجدنا ضَرَج بالدماءِ لوناً يحمي الديار ولديار ترخص الأعمار.