أوروبا تستعمل الطائرات و أنظمة استشعار متطورة للتصدي للمهاجرين الغير شرعيين…التفاصيل
طائرات مسيّرة وأجهزة مراقبة تحت-مائية ورادارات ثلاثية الأبعاد وآلات استشعار متطورة… وسائل تقنية حديثة للغاية عكفت بعض دول الاتحاد الأوروبي على إدماجها تدريجيا ضمن أنظمة تهدف لرفع مستوى الأمن على حدودها الخارجية، والسبب الأهم المعلن هو ضبط تدفقات طالبي اللجوء والمهاجرين.
منذ اندلاع أزمة الهجرة في 2015، انشغلت دول التكتل بالبحث عن وسائل “لإدارة” الهجرة. محاولات عدة تم اعتمادها، ترافقت غالبا مع اتهامات بارتكاب أعمال عنف بحق المهاجرين وعمليات صد وإبعاد غير قانونية.
منظمة “شبكة مراقبة العنف على الحدود” غير الحكومية أصدرت تقريرا في كانون الأول/ديسمبر الماضي، حذرت فيه من “زيادة غير مسبوقة في أعمال العنف على حدود الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الضرب والإجبار على التعري والاعتداءات الجنسية”.
وقدر التقرير أن نحو 16 ألف شخص قد تضرروا من عمليات الطرد غير القانوني.
كاترينا روديلي، الخبيرة في الشؤون الأوروبية في منظمة “آكسس ناو” (Access Now) للحقوق الرقمية، قالت إن التكنولوجيا “تجعل المناطق الحدودية أكثر خطورة على الأشخاص. إنها تفاقم العنف وتمنح حرس الحدود سلطة كبيرة”.
وأوردت المحللة الرقمية أن “وسائل التكنولوجيا المتقدمة تساهم في تطبيع العنف الممنهج على الحدود. مثلا، البرامج والتقنيات الحديثة المستخدمة في تحديد حاجات وخلفيات وهويات المهاجرين عند بعض النقاط الحدودية، تعزز القمع وتنتج نوعا من العنصرية. وقد أدت في الكثير من الحالات إلى رفع نسب عمليات الصد والإبعاد، وبالتالي أسقطت عن المهاجرين الحق بحرية التنقل”.
وقالت إن تلك الوسائل “تستخدم في أطر تنتهك حقوق الإنسان، هذا ما نلحظه من خلال ارتفاع منسوب العنف الممارس من قبل حرس الحدود ضد أعداد متزايدة من المهاجرين”.
المتوسط مساحة تجارب
واعتبرت روديلي أن المياه الدولية في المتوسط شكلت مختبرا مثاليا لتجربة تلك التقنيات، “بيئة يسودها الإحساس بالإفلات من العقاب. إنها بيئة اختبار مثالية يمكن للسلطات تجربة أي نوع من الأنظمة فيها بدون حساب أي عواقب، فهناك لن يتمكن أحد من الشكوى أو اللجوء إلى القانون للحصول على حقوقه”.
يذكر أنه تم تسجيل زيادة باستخدام الطائرات المسيرة من قبل وكالة حماية الحدود الأوروبية “فرونتكس” في المتوسط. الوكالة الأوروبية أشارت إلى أن استخدام المسيّرات يساهم في إنقاذ الناس والقبض على المهربين، لكن عددا من التقارير والتحقيقات الصحفية أشارت إلى وقائع مغايرة.
هيومن رايتس ووتش ومنظمة “بوردر فورنزكس” (Border Forensics) غير الحكومية أجرتا تحقيقا حول استخدام فرونتكس للطائرات المسيّرة، جاء فيه أن الوكالة ترصد قوارب المهاجرين وتخطر خفر السواحل الليبي بمواقعهم كي تتم إعادتهم إلى ليبيا.
هذا ما تطرقت إليه روديلي أثناء حديثها مع فرانس24، حيث اعتبرت أن الاتحاد الأوروبي “يحاول تصدير حدوده الخارجية (تطبيق إجراءات الرقابة الحدودية بعيدا عن الحدود الأصلية) بالاستثمار بتلك الوسائل. يتم رصد القوارب المغادرة للسواحل الليبية مثلا، تقوم المسيّرات المتواجدة في سماء المتوسط خارج المياه الإقليمية لدول الاتحاد بإرسال إحداثيات تلك القوارب إلى خفر السواحل الليبي، الذي يقوم بدوره بإرسال دوريات لإعادتهم، أو إلى خفر السواحل الإيطالي أو المالطي اللذين يقومان في بعض الحالات بإرسالها إلى خفر السواحل الليبي”.
تكنولوجيا متحيزة
يجادل المعارضون لاستخدام التقنيات المتقدمة ووسائط الذكاء الاصطناعي بأن النتائج الخالصة منها تتسم بعدم الدقة إلى حد بعيد.
على سبيل المثال، استخدمت بريطانيا وسائل تقنية اعتمدت على خوارزميات تقوم تلقائيا بتصنيف طلبات التأشيرات وفقا لمعايير معدة مسبقا. هذا الإجراء اعتبره حقوقيون ونشطاء بأنه “عنصري”، خاصة وأن ملفات أشخاص من أفريقيا والشرق الأوسط مثلا غالبا ما تتعرض للرفض.
في ألمانيا أيضا، اعتمدت السلطات أنظمة تقنية يمكنها التعرف على اللهجات المحلية للبلدان التي يأتي منها المهاجرون. لكن وفقا لخبراء، غالبا ما تتسم النتائج التي تخلص إليها تلك الأنظمة بالتناقض والتمييز، فضلا عن أنها تمنح المجال أمام “الآلات” للشك بمصداقية وتفاصيل قصص يسردها بشر لها.
بهذا الشأن علقت روديلي قائلة “هذه الأنظمة متحيزة بطبيعتها، فهي مصممة على أن تعتمد في تحليلاتها على خلفيات ثقافية وإثنية معينة، تلغي بموجبها العوامل الإنسانية وراء قصة طالب اللجوء، وبالتالي قد تعتبر أن قصته كاذبة أو أنه قادم من بلد يعتبر آمن وبالتالي ما من سبب لمنحه الحق باللجوء…”.
ينفق الاتحاد الأوروبي أكثر من 1.5 مليار يورو سنويا على الأبحاث وتطوير تكنولوجيات أمنية، خاصة لفائدة مشاريع إدارة الحدود، وفقا لدراسة أجرتها King’s College. أحد تلك المشاريع كان مشروع “Roborder” الذي امتد لأربع سنوات (اكتمل في 2021). خصصت ميزانية بلغت 8 ملايين يورو (جزء من مبادرة EU Horizon 2020، التي خصصت 80 مليون يورو لتعزيز جهود البحث والابتكار في أوروبا) لهذا المشروع الذي لا تزال التفاصيل الرئيسية حول نتائجه سرية، لكن المعلوم عنه هو أنه يهدف إلى تطوير نظام مراقبة حدودي مستقل يعمل بالذكاء الاصطناعي مع روبوتات متحركة غير مأهولة في الهواء والماء والأرض، إضافة إلى رادار وأجهزة استشعار الترددات اللاسلكية ورصد ترددات الهواتف المحمولة…
قالت روديلي “إنها مشكلة كبيرة. يضخ الاتحاد الأوروبي الكثير من الأموال في المشاريع البحثية التي تبحث فيكيفية جعل الحدود أكثر أمنا وأكثر عنفا… الاتحاد الأوروبي ليس فقط متواطئا، بل مسؤول عن انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت تحدث على حدوده لفترة طويلة”.
مراقبة خلف الحدود أيضا
عدد من الدول الأوروبية لجأت إلى استخدام الوسائل التقنية لمراقبة مدنها الكبرى للكشف عن المهاجرين غير المسجلين، كاليونان التي اعتمدت قبل بضع سنوات آلات تشبه الهواتف الخلوية، زودت ضباط الشرطة بها، تتمكن من التعرف على الوجوه وتحليل بيانات البصمات. هذه الوسيلة كان الهدف الأساسي منها هو القبض على المهاجرين غير القانونيين.
لكن نقادا كثر اعتبروا أن تلك الوسائل والتقنيات ستساهم مع الوقت برفع مستويات المراقبة الداخلية والانتهاكات وتقليل مساحات الحريات الفردية.
دراسات علمية أشارت إلى أن أنظمة التعرف على الوجه غالبا ما تخطئ باستنتاجاتها، خاصة في حالات الأشخاص الملونين، ما قد يؤدي إلى اعتقالات خاطئة، وبالتالي انتهاكات حقوقية بحق هؤلاء.
وقالت روديلي “ستؤدي هذه الوسائل بالضرورة إلى تهميش المزيد من الأشخاص. فالمهاجرون المقيمون بشكل غير قانوني سيضطرون للاختباء ضمن مناطق معينة، وسيعيشون بخوف دائم من أن يتم القبض عليهم”.
وأبدت مخاوفها من أن يتم استخدام تلك الوسائل في نهاية المطاف لمراقبة فئات أخرى، “من المحتمل جدا أن يعاد استخدام الكاميرات الحرارية والطائرات بدون طيار المستخدمة في الكشف عن الأشخاص على الحدود في ضواحي المدن، للبحث عن المشردين أو الفقراء غير المرغوب فيهم في الأماكن العامة”.
في النهاية، يبدو استخدام الوسائل التكنولوجية أمرا لا مفر منه لناحية مراقبة الحدود وحمايتها من الأنشطة الإجرامية. لكن الحديث اليوم يتركز حول المدى الذي سيتم استخدام تلك الوسائل فيه، وما إذا كان من المجدي ابتكار آليات وبرامج لكشف الكذب وتحليل قسمات الوجوه وحركات الجسد لاستخدامها على الحدود، أم البحث في وسائل تساهم بالتخفيف من المعاناة الإنسانية وتمنح الأشخاص آمالا بحياة أفضل؟