مقال رأي/ أمة المواطنين..أم أمّة المؤمنين؟ - صوت الضفتين

مقال رأي/ أمة المواطنين..أم أمّة المؤمنين؟

     بقلم الأستاذ سعيد بحيرة
ظهرت بعض ملامح الدستور الجديد من خلال تصريحات رئيس الجمهورية و  تسريبات الأستاذ الصادق بلعيد لصحيفة لوموند ليوم الخميس 23 جوان الجاري …و في إنتظار نشر الوثيقة كاملة بصفة رسمية يمكن الحديث عن هندسة جديدة لمؤسسات الدولة مع ضبط مشمولاتها في إطار نظام رئاسي صلب يتجاوز تشتت السلط الذي كان سائدا في ظل دستور 2014، و الذي قال عنه مصطفى بن جعفر الرئيس السابق للمجلس التأسيسي أنه أحسن دستور في العالم، و مع ذلك لم يعش سوى ثمانية سنوات مضطربة…
و يبدو أن مهمة البرلمان ستتركز  أساسا على التشريع إلى جانب رقابة الحكومة دون أن يزكيها أو يسحب منها الثقة اللهم في حالات قصوى…و سيكون تأثيره محدودا جدا على رئيس الدولة مما يقطع مع التقاسم القديم للسلطة…و سيوجد إلى جانب المنتخبين البرلمانيين المنتخبون الجهويون صلب المجالس الجهوية المزمع إحداثها ، و من شأنها تخفيف التمثيلية النيابية و منافستها في التعبير عن حاجيات الجهات و إنهاء احتكارها للتمثيلية الشعبية…و يبدو أنه ستقع إعادة المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي تم حذفه بصفة اعتباطية،  و كان حمادي الجبالي يعتبره مقبرة الكفاءات… و الحال أنه كان مؤسسة حيوية تعبر عن رأيها في مشاريع القوانين ذات الصبغة الاجتماعية و الاقتصادية بهامش كبير من الحرية،  و كان مجلس النواب و مجلس المستشارين ينتظران  في كل مرة ذلك الرأي و يعتبرانه إنارة جدية و معمقة…و كانت تونس من البلدان القلائل التي نص دستورها بعد الاستقلال على احداث تلك الهيئة الاستشارية ذات التمثيلية الواسعة…أما مسألة الفصل الأول السابق و التنصيص على أن الإسلام دينها فقد ألمح الرئيس إلى التمسك بالهوية العربية الإسلامية،  و سيقتصر التغيير على الصياغة لا غير مع ربط العقيدة بالأمة عوض الدولة،  و لكن ذلك لن يعفي الدستور الجديد من ضرورة التصريح بأن الأمر يعود على أمة المواطنين و ليس أمة المؤمنين، فشتان بين هذه و تلك !! فالأمة الإسلامية أساسها الإيمان و الدين، و الأمة التونسية أساسها الإنتماء الجغرافي و التاريخي، و يؤلف بين أفرادها الاشتراك في الموروث الجامع و الذاكرة المشتركة ، و طرق العيش، و التعبير عن الأفراح و الأتراح، و تقاسم الرموز من الراية الوطنية إلى الجندي المجهول إلى النشيد الوطني إلى اللباس و أنماط الأكل و الفلكلور و طبعا اللغة و العقيدة. 
و يسمى هذا الكيان: الدولة-الأمة…و هو البناء الذي أنجزته الأجيال في سياق التحديث السياسي، و دفعت في سبيله الشهداء و التضحيات الجسام، و أوجدت له  روابط  مع ماضي البلاد السحيق، كما أسست  له سردية يجتمع حولها الشعب المكون من مواطنين بعد أن كانوا رعايا للبايات  و لدولة الخلافة، و غبارا من أفراد بالنسبة للاستعمار…
إذا كان هذا المقصود فلا مانع من تعديل الفصل الشهير،  أما إذا كان الأمر يتعلق بأمة الله فالأمر لا يستقيم …و كما تقول العبارة المتداولة..لم نغادر المضيف. 
شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *