الخبير الاقتصادي التونسي قيس مقني في حديث خاص لـ”صوت الضفتين”:لابد من تغيير منوال التنمية المتهالك و الاتجاه إلى الاقتصاد الرقمي المعتمد على القطاعات التكنولوجية الذكية
تسببت جائحة وسوء التصرف في تونس في إضعاف الاقتصاد التونسي، الأمر الذي يضع رئيسة الحكومة الجديدة نجلاء بودن وفريقها الحكومي امام تحديات كبرى ، خاصة فيما يتعلق بميزانيية الدولة لسنة 2022.وما تبقى من من سنة 2021.
قيس مقني، الخبير الاقتصادي التونسي المقيم في باريس، حلل لموقع صوت الضفتين الوضع الاقتصادي الراهن وفسر التحديات والعقبات التي تواجهها نجلاء بودن.
هل يمثل مشروع ميزانية الدولة لعام 2022 تحديا حقيقيا لحكومة نجلاء بودن؟
لطالما كانت ميزانية الدولة و تعبئة الموارد المالية لها التحدي الاكبر المطروح أمام كل رؤساء الحكومات المتعاقبة نظرا لما تعانيه المالية العمومية من صعوبات ورئيسة الحكومة الجديدة نجلاء بودن وجدت نفسها في وضع لا يحسد عليه خاصة و أن الدولة التونسية تعاني من شبح الافلاس الذي أصبح الحديث عنه جديا خاصة مع التقرير الأخير المتشائم للبنك المركزي بتاريخ 06سبتمبر2021.
ومن المؤكد أن نجاح بودن مرتبط بشكل أساسي بنجاحها في تأمين ميزانية معقولة لسنة 2022.
في ظل الصعوبات المالية الحالية ، كيف يمكن للسلط التونسية أن تجد أموالاً لإنهاء ميزانية سنة2021 وتمويل ميزانيتها لعام 2022؟
لا يزال التونسيون ينتظرون قانون الميزانية التكميلي لسنة 2021 و الواقع أن تأمين هذا القانون ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض حيث تعاني الميزانية من فجوة مالية تقدر ب 10،3 مليار دينار حيث يتم عادة تأمين الجزء الاكبر منها بالتداين الخارجي أو الداخلي وهو الذي يستحيل اليوم في ظل الفترة الانتقالية التي تعيشها تونس.
ولم يبق لتونس سوى الاعتماد على الهبات من الاصدقاء وهو ما أكده رئيس الجمهورية عند استقباله لمحافظ البنك المركزي.
ما هي الشروط اللازمة لانهاء ميزانية الدولة لعام 2021 وتعبئة الموارد التمويلية لميزانية سنة 2022؟
مثلما أشرنا الى ذلك لم يعد هنالك حلول كثيرة امام الدولة التونسية وحتى الاعتماد على الجباية لم يعد مجديا خاصة مع الصعوبات الكثيرة التي تعيشها جل المؤسسات بسبب جائحة كورونا و انكماش الاقتصاد العالمي.
والحل الوقتي و المحفوف بالمخاطر يبقى التجاء البنك المركزي لطبع الاوراق المالية وهو ما سيحل جزءا من المشكل لكنه في نفس الوقت سيعمّق التضخم و سيصل به لمستويات غير مسبوقة .
والحل كما قلنا أيضا هو التوجه للجهات المانحة للهبات أو القروض الميسرة من بعض الدول .
كان صندوق النقد الدولي قد أعلن في وقت سابق استعداده لمساعدة تونس ، ما أهمية ذلك؟
من الثابت أن تونس لم تعد تمتلك مصيرها و استقلالها المالي و هي بحاجة لدعم المجتمع الدولي عبر اعادة فتح قنوات التفاوض مع صندوق النقد الدولي و مع البنوك الدولية .
وقد اكد رئيس الجمهورية أن أصدقاء تونس سيهبون لنجدة تونس ماليا كما فعلوا في جائحة كورونا .وهذه رسالة من المجتمع الدولي مفادها أنهم لن يتركوا تونس تغرق ماليا و من الثابت أن التجربة الديمقراطية التونسية و مساندة العالم لها ستجعل أمر المساعدات المالية امرا غير عسير.
ما هي التحديات التي تواجهها تونس مع صندوق النقد الدولي؟
مصير تونس ان تتعامل مع مؤسسات الاقراض الدولية لان اقتصادنا قائم على الاقتراض و على رئيسة الحكومة نجلاء بودن أن تسارع حال تشكيل حكومتها بإعادة فتح قنوات الاتصال مع هذه المؤسسات و مدها برؤية واضحة تشاركية بين الحكومة و مختلف مكونات المجتمع لان التفاهم في هذا الاطار يسهّل التفاوض و يمنح ضمانات للمقرضين.
كيف تقيمون مستوى المديونية في تونس وكيف للدولة أن تتكيف مع المواعيد النهائية لسداد الأقساط؟
منذ سنة 2011 تعيش البلاد التونسية في حلقة مفرغة بخصوص الديون التي بلغت نسبة 100بالمائة من الناتج المحلي و ليس من السهل أن تتجاوزه في القريب العاجل ما لم يتم وضع اليات واضحة و اتخاذ اجراءات مؤلمة .
فمشكلة الديون التونسية هيكلية واللجوء إلى صندوق النقد الدولي لن يوفر سوى حلول قصيرة المدى.
و الدليل ان تونس دأبت منذ سنوات على الاقتراض لتسديد القروض وهو ما جعل التنمية صفر تقريبا حيث تجاري الحكومات المتعاقبة مصاريف البلاد اليومية بلغة “كل نهار و نهارو”
لكن الاخطر قادم حيث من المنتظر أن تعجز تونس على سداد قروضها لتنضم بذلك لنادي باريس للدول المتعثرة وهو ما سيفقدنا سيادتنا و استقلالنا المالي.وقد أشار الى ذلك رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس خلال زيارته الى تونس في شهر جوان الفارط.
هل ترى أنه من الضروري فرض معايير الحوكمة داخل المؤسسات العامة للنجاح في مشروع ميزانية الدولة لعام 2022؟
ملف المؤسسات العمومية من الملفات الحارقة في تونس و التي لم تستطع أي حكومة الحسم فيه حيث تكبد هذه المؤسسات ميزانية الدولة بخسارة سنوية تناهز 6500 مليون دينار اغلبها متأت من الاجور التي هي في حدود 18 بالمائة من ميزانية الدولة وهو رقم مخيف لطالما أوصى صندوق النقد الدولي بالتخفيض فيه .
و هذا التحدي أيضا مطروح بقوة على رئيسة الحكومة الجديدة حيث أن اعادة هيكلة و حوكمة هذه المؤسسات سيعطي رسالة طمأنة لصندوق النقد الدولي و يسهّل التفاوض معه.
اضافة الى انه من الضروري أن تكون هذه المؤسسات ممولا للاقتصاد لا عبأ عليه.
هل تشكل أزمة التهريب والتجارة الموازية في تونس تهديدًا لموازنة الدولة؟
بالفعل الاقتصادي الموزاي و التهريب هو الخطر الجاثم على الاقتصاد التونسي حيث كشفت بيانات رسمية لمعهد الإحصاء استئثار العمل في الأسواق الموازية على 44 في المائة من فرص العمل في البلاد، وهو يشغب 1,5 مليون تونسي من مجموع 3,566 ملايين عامل .
فيما أثبتت دراسة أجراها مكتب العمل الدولي عام 2017 أن أكثر من 75 في المائة من الشبان التونسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة يعملون في الاقتصاد الموازي.
ولا حل أمام هذه الحكومة سوى هيكلته واستيعابه عبر القوانين وتحرير القطاعات والمبادرات الاقتصادية بعد أن فشلت كل المقاربات الامنية للتصدي له. اذ بات هذا القطاع غير المنظم بات الأكثر قدرة على توفير فرص العمل ويزداد صلابة يوما بعد يوم .
وقد فشلت الحكومات المتعاقبة لخفض نسبة الاقتصاد الموازي في تونس من 50 في المائة إلى 20 في المائة بحلول ، عملا بتوصيات صندوق النقد الدولي.
ما هي الحلول التي تقترحها لسد فجوة المزانية العامة للدولة ؟
كما أشرت إلى ذلك وأشار عدد من الخبراء لا يوجد حلول كثيرة على المدى القصير سوى بالاعتماد على المنح أو على قروض بفوائض معقولة من الدول الصديقة و الشقيقة.
أما على المستوى المتوسط و البعيد فلابد من تغيير منوال التنمية المتهالك و الاتجاه إلى الاقتصاد الرقمي المعتمد على القطاعات التكنولوجية و الذكية و فتح المجال أمام الشباب التونسي للتعامل المالي مع مختلف المؤسسات في العالم وذلك بإصدار قوانین التحويل الاموال تتماشى و المرحلة.
كذلك لابد من ملاحقة كبار المهربين و المشتغلين في السوق الموازية لاجبارهم على ضخ أموالهم في البنوك ومنحهم الضمانات الكافية و لم لا القيام بصلح مالي
معهم مع التشدد في ملاحقة المتهربين من دفع ضرائبهم .
كما أن اعادة هيكلة و حوكمة المؤسسات و الصناديق العمومية يبقى الحل الامثل للتحكم في المصاريف و ضمان أكبر قدر من المداخيل وهذا ما سيخفف من نسق الاعتماد على التداين الخارجي.