الزمخشري .. الإمام الكبير في التفسير والنحو واللغة وعلم البيان
الزمخشري – اسمه ونشأته:-
محمود بن عمر بن محمد، جار الله أبو القاسم الخوارزمي الزمخشري ، النحوي اللغوي المفسِّر المعتزلي، وُلِدَ في زمخشر التركمانستانية، يوم الأربعاء، 27 رجب، سنة 467هـ، وكان قد سافر إلى مكة المكرمة وجاور بها زماناً؛ لذلك صار يقال له: جار الله، فكان هذا الاسم علماً عليه.
ذكر ابن أخته أبو عمرو عامة بن الحسن السمساري بزمخشر، قال: “ولِدَ خالي برمخشر خوارزم يوم الأربعاء السابع والعشرين من رجب ( 467 هـ/104-74م)”.
وكان الزمخشري مقطوع الرِّجل، قد جعل له رِجلاً من خشب يستعين بها في المشي، ولما دخل بغداد واجتمع بالفقيه الحنفي الدَّامغَانِيّ سأله عن قطع رجله، فقال: دعاء الوالدة، وذلك أنني في صباي أمسكت عصفوراً وربطته بخيط في رجله، وأفلت من يدي، فأدركته وقد دخل في خرق، فجذبته فانقطعت رجله في الخيط، فقالت والدتي: قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله، فلما وصلت إلى سنِّ الطلب رحلت إلى بُخارى لطلب العلم، فسقطت عن الدابة فانكسرت رجلي، وعملت عليَّ عملاً أوجب قطعها.
مكانته العلمية:-
أخذ النحو عن أبي مضر محمود بن جرير الضبّي الأصبهاني النحوي.
يصف ياقوت الحموي أبي مضر بالقول: ” كان يلقَّب بفريد العصر، وكان وحيد دهره وأوانه في علم اللغة والنحو والطب، يُضرب به المثل في أنواع الفضائل، أقام بخوارزم مدَّة، وانتفع الناس بعلومه ومكارم أخلاقه، وأخذوا عنه علماً كثيراً، وتخرَّج عليه جماعة من الأكابر في اللغة والنحو، منهم الزمخشري؛ وهو الذي أدخل إلى خوارزم مذهب المعتزلة ونشره بها، فاجتمع عليه الخلق لجلالته، وتمذهبوا بمذهبه، منهم الزمخشري”.
وزاد ياقوت في سياق حديثه عن أبي مضر: “ولستُ أعرف له مع نباهة قدره وشياع ذكره مصنفاً مذكوراً، ولا تأليفاً مأثوراً، إلا كتاباً يشتمل على نتفٍ وأشعار وحكايات وأخبار، سماه زاد الراكب، مات بمرو بعد سنة (507/1113) ورثاه الزمخشري..”
لقي الزمخشري الأفاضل والأكابر، وصنَّف التصانيف في التفسير، وغريب الحديث، والنحو، وغير ذلك، وكان معتزلي الاعتقاد متظاهراً به، حتى نُقِلَ عنه أنه كان إذا قصد صاحباً له واستأذن عليه في الدخول، يقول لمن يأخذ له الإذن: قل له: أبو القاسم المعتزلي بالباب، وكان شديد الإنكار على المتصوفة، أكثر من التشنيع عليهم في «الكشاف» وغيره.
دخل خراسان وورد العراق، وما دخل بلداً إلا واجتمعوا عليه وتتلمذوا له، واستفادوا منه، وكان علَّامة الأدب، ونسَّابة العرب، وكان كثير الفضائل.
له شعر؛ منه هذه الأبيات:
وقال الزمخشري في رِثاء شيخه أبي مُضَر:
ويقول هنا عن نفسه وهو الذي طافت شهرته الآفاق لكنه عانى من قِلَّة ذات اليد:
الزمخشري يرد البادية والحجاز:-
بعد العراق؛ نزل الزمخشري مكة المكرمة، ليجد فيها الشريف الفاضل الكامل أبا الحسن علي بن عيسى الحسني، الذي عرف قدره ورفع أمره، وأكثر الاستفادة منه، وأخذا عن بعضهما العِلم.
ثم انتقل مقيماً لبعض الوقت في أرجاء الحجاز، حتى هبَّت على كلامه رياح البادية، وورد مناهل العرب العاربة، ثم استدار عائداً إلى خوارزم، ليُكثِر من التصانيف في التفسير وغريب الحديث والنحو وغير ذلك، حتى شرعت تُشَدُّ الرحال إليه في فنونه، ثم قَوي عزمه على الرحلة عنها والعودة للحجاز من جديد، فقيل له: “قد زجيت أكثر عمرك هناك، فما الموجب”؟، فقال: “القلب الذي لا أجده ثم أجده ها هنا”.
وكلما دخل بلداً تداعى إليه أهلها لينهلوا من معين علومه، واستفادوا منها ونقلوا عنه الكثير، وبعدما جاب أطراف الدنيا؛ قرر العودة إلى مسقط رأسه، حتى توفاه الله في خوارزم.
تلاميذ الزمخشري:-
- محمد بن سعد بن محمد بن محمد بن محمد الديباجي المروزي النحوي ابن النحوي أبو الفتح: قال ياقوت “شيخ جليل، عالم حسن العشرة، أخذ النحو عن أبيه، ولقي الزمخشري، وقرأ على تلميذه القالي“.
- يعقوب بن علي بن محمد بن جعفر أبو يوسف البلخي ثم الجندلي: أحد الأئمة في الأدب، أخذ عن الزمخشري ولزمه.
أقوال العلماء في الزمخشري:-
- قال ابن خَلِّكان عن الزمخشري : “الإمام الكبير في التفسير، والحديث، والنحو، واللغة، وعلم البيان، كان إمام عصره من غير مدافع، تُشَدُّ إليه الرحال في فنونه”.
- وقال ابن الأَهْدل: “كان من أئمة الحنفية، معتزلي العقيدة، عظم صيته في علوم الأدب، وسلَّم مناظروه له”.
- وقال عنه القفطي: ” وكان رحمه الله ممن يضرب به المثل في عام الأدب والنحو واللغة، لقي الأفاضل والأكابر، وصنَّف التصانيف في التفسير وغريب الحديث والنحو، دخل خراسان، وورد العراق..، وكان علَّامة الأدب ونسَّابة العرب..”.
كلام السامرائي عن الزمخشري:-
تناول الدكتور فاضل صالح السامرائي، مساهمات الزمخشري، وذلك في كتابه الذي حمل اسم “الدراسات النحوية واللغوية عند الزمخشري”، والمطبوع بمدينة بغداد في العام 1971 م.
مكانة وعلم:-
وقال السامرائي في مقدمة كتابه المذكور: “وأما الزمخشري؛ فلهُ في نفسي مكانة وإعجاب يقدرهما من عرفه، فهو صاحب الكشَّاف وهو صاحب المُفصَّل وكفى بهما شرفاً وفضلاً”.
وذكر السامرائي أن الزمخشري تعلَّم في خوارزم -وهي المدينة التي هيمن عليها الفكر الاعتزالي في عهد عالمنا- وقد أخذَ العلم عن جماعة من شيوخ المدينة العظيمة آنذاك، ومن بين أشهر معلميه؛ أبو مضر محمود بن جرير الضبي.
تم ارتحل الزمخشري إلى الحجاز، فأقام فيها مادة جاور فيها بمكة المكرمة مرتين، حتى اشتهر باسم “جار الله”، وقد اتصل في الديار المقدسة بعلي بن وهاس، ودخل خراسان، كما ورد بغداد غير مرة.
وقد قطعت رجل الزمخشري بسبب خُرّاج، وقيل بسبب إصابتها ببرّد الثلج، وقيل سقط عن الدابة؛ فانكسرت، ليصنع عوضها رِجلاً من خشب، وكان إذا مشى؛ ألقى عليها ثيابه الطِوال، فيظن من يراه أنه أعرج.
شخصية متكاملة:-
كان أبو القاسم – بالإضافة إلى علمه الغزير، وأدبه الوافر؛ محمود السيرة صاحب دين وورع تلمس ذلك فيما كتَب، ويقول السامرائي في هذا الصدد، “اقرأ ما كتبه الزمخشري في (أطواق الذهب) لتعرف من هو”، حيث قال: “احرص وفيك بقية على أن تكون لك نفسٌ تقيةٌ، فلن يسعد إلا التقي وكل عداه فهو شقي”.
فقد كان الزمخشري رجلاً صالحاً، يدعو إلى كبح جماح النفس كما قال في مقاماته ” ولا تُطعها إن النفس لأمَّارة بالسوء تطلبُ منك أن يكون مسكنها داراً قوراء وسكنها مهاة حوراء تجر في عرصتها فضول مرطها”.
الدعوة لعدم الزواج:-
والغريب أن الزمخشري لم يكتف بعدم زواجه، بل إنه دعا أيضاً إلى عدم الزواج، قائلاً : ” لا تُخطب المرأة لحسنها ولكن لحصنها، فإن اجتمع الحصن والجماك؛ فذلك هو الكمال، وأكملُ من ذلك أن تعيش حصوراً وأن عُمِّرتَ عصوراً”.. والانصراف إلى العلم عند أبي القاسم أجدر من الزواج، فيقول : ” تسويدٌ بخط الكاتب أملح من توريد بخد الكاعب”.
الإعتزال والعربية:-
وقد كان الإمام الزمخشري معتزلياً داعية إلى الإعتزال مجاهراً به، شديد الإنكار على غيرهم، حتى نُقل عنه أنه كان إذا قصَد صاحباً له واستأذن عليه في الدخول يقول لِمن يأخذ له الإذن : قًل له : أبو القاسم المعتزلي بالباب.
وقد كان الزمخشري – رحمه الله – محبا للعرب والعربية، قائلاً : “العرب نبع صلب المعاجم والغرب مثل الأعاجم”. وقال أيضاً في كتابه المفصَّل ” الله أحمد على أن جعلني من علماء العربية أو جبلني على الغضب للعرب والعصبية، وآبى لي إن أنفرد عن صميم أنصارهم وأمتاز، وأنضوي إلى لفوف الشعوبية وأنحاز”، بحسب ما جاء في كتاب السامرائي المذكور.
كتبه:-
- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، في تفسير القرآن العظيم.
- المفصَّل في صنعة الإعراب.
- الأنموذج، في النحو، اقتضبه من المفصَّل.
- الفائق في غريب الحديث والأثر.
- أساس البلاغة، في اللغة.
- ربيع الأبرار وفصوص الأخبار.
- متشابه أسامي الرواة.
- النصائح الكبار.
- النصائح الصغار.
- ضالة الناشد.
- الرائض في علم الفرائض.
- المفرد والمؤلّف، في النحو.
- رؤوس المسائل، في الفقه.
- شرح أبيات سيبويه.
- المستقصى في أمثال العرب.
- صميم العربية.
- سوائر الأمثال.
- ديوان التمثيل.
- شقائق النعمان.
- شافي العيّ من كلام الشافعي.
- القسطاس في علم العروض.
- معجم الحدود.
- المنهاج، في الأصول.
وفاته:-
توفي الزمخشري ليلة عرفة سنة 538 هجرية بجرجانية في خوارزم، وذلك بعد عودته من الديار المقدسة، وقيل: إنه أوصى بأن تُكتب على قبره هذه الأبيات: