تأثير أزمة كورونا على القطاعات الاقتصادية
صوت الضفتين-اقتصاد /بحث و دراسة بقلم : سمير باشا
لن يترك انتشار أزمة كورونا أي قطاع اقتصادي دون تأثير سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذه هي طبيعة الأحداث الكبرى.
منذ بداية انتشار الوباء في العام الماضي في مدينة ووهان الصينية، ونحن نراقب الارتدادات المختلفة على جميع اقتصاديات العالم، ولنا أن تخيل أن إحدى الدراسات تتحدث عن احتمالية خسارة 195 مليون وظيفة حول العالم، قد يكون حصة العالم العربي منها 5 مليون وظيفة، وكما يتضح يبدو أننا نشهد بداية تغيير المقولة الشهيرة بأنه اذا عطس الاقتصاد الأمريكي أصيب العالم بالزكام.
وقد بدأ التغيير بالفعل منذ الحالات الأولى في الصين، فمدينة ووهان الواقعة في وسط الجمهورية الشعبية الصينية على مساحة أكثر من 8 آلاف كيلومتر، هي أحد المراكز الصناعية الرئيسية للسيارات في الصين، كما أنها مركز هام لصناعات الألياف وأشباه الموصلات، وتلعب دورًا هامًا في سلاسل التزويد للإلكترونيات والسيارات على المستوى العالمي، ويكفي أن تعلم أن 300 من أكبر 500 شركة على مستوى العالم لديها مكاتب في مدينة ووهان.
وبالنظر إلى الاقتصاد العالمي، يمكن الجزم بأن بعض القطاعات تأثرت أكثر من غيرها، ثلاث قطاعات اقتصادية على التحديد تضررت بشكل كبير ومباشر بسبب السياسات المتبعة لمحاولة وقف انتشار الفيروس، فالتباعد الاجتماعي والإغلاق العالمي لجميع الأنشطة الاقتصادية غير الأساسية أثر على النقل، صناعة السيارات وصناعات الإلكترونيات والتجارة والنقل
يعد هذا القطاع الأكثر تأثراً من أزمة كورونا، فدول العالم أغلقت حدودها البرية والبحرية والجوية أمام حركة المسافرين المدنيين، بعبارة أخرى إغلاق حركة السياحة العالمية، ولك أن تتخيل أن عدد السياح الصينين سنوياً يصل إلى 60 مليون ينفقون أكثر من مليار دولار في مختلف وجهاتهم.
ستعاني شركات الطيران تحديداً أكثر من غيرها من تأثيرات الجائحة، إلا أننها لن تكون متساوية، فعلى الأغلب ستحظى الشركات الوطنية بخطط إنقاذ من حكوماتها، بينما ستتعرض خطوط الطيران منخفض الكلفة ذات المديونية المرتفعة أصلاً لضغوط متعددة قد تدفعها إلى الإفلاس أو الدخول تحت الإدارة الطوعية، كما حدث مع شركة فيرجين استراليا والتي أعلنت إفلاسها ودخلت تحت الإدارة الطوعية لشركة ديليوت المحاسبية، على أمل أن يتم إعادة هيكلتها وإنقاذها. وبشكل عام تقدر خسائر قطاع النقل بأكثر من 100 مليار دولار، وبالنسبة للمنطقة العربية فبحسب رئيس منظمة إياتا للشرق الأوسط، إن شركات النقل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد خسرت 23 مليار دولار.
ولن تنتهي خسائر هذا القطاع حتى لو أعيد فتح الحدود وخففت القيود على الحركة، فشركات الطيران ستصبح مجبرة على ترك مسافات بين الركاب، وأن تلجأ إلى التعقيم بشكل كامل.
السيارات
بالطبع فإن مبيعات السيارات حول العالم ستكون أكثر المتأثرين من أزمة كورونا، فمن سيفكر بتغير السيارة وأغلب الإجراءات تدور حول تقييد الحركة، ولا يبدو أنه في المدى منظور أي تطوير للقاح للفيروس، وقبل أن يبدأ التأثير على المبيعات، تأثرت الصناعة نفسها من أوائل أيام انتشار أزمة كورونا، فمدينة ووهان الصينية هي المركز الرئيسي لصناعة السيارات داخل الصين (تلقب بمدينة السيارات)، ولاعب رئيسي في سلسلة تزويد قطع السيارات للشركات الأوروبية والأمريكية مثل جنرال موتورز، بيجو، سيتروين، هوندا ورينو، وحتى شركة السيارات الكهربائية مثل تسلا كانت قد افتتحت مصنعًا لها بمدينة شنغهاي لإنتاج 500 ألف سيارة في العام، واضطرت إلى إغلاقه بعد شهر واحد فقط.
كما أن الصين أكبر المنتجين للسيارات فهي أكبر سوق عالمي لهذه السلعة (30% من السيارات الجديدة في العالم تباع في السوق الصيني)، بمقارنة بسيطة، فإن عدد السيارات المباعة انخفض بأكثر من 80% في الربع الأول من هذا العام مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
وستكون معاناة الشركات الصغيرة خصوصًا تلك الناشئة والمختصة بصناعة السيارات الكهربائية أكبر من غيرها ما لم تتلقى أي مساعدات حكومية، فهي ذات مديونية مرتفعة وأغلبها لم تسجل أي أرباح.
وحتى لو تم تخفيف قيود الحركة، فمن المتوقع أن تعاني السيارات أيضاً من ضعف الطلب، فالسيارات لا تعد من السلع الأساسية، وفي حال دخل العالم كما هو متوقع بحالة ركود، فإن هذه الصناعة ستكون الخاسر الأكبر.
الإلكترونيات والسلع غير الأساسية
مرة أخرى يظهر تأثير الصين على الصناعة العالمية، ففي بداية الأزمة تحدثت تقارير عن خوف شركة آبل من حدوث تأخير في تسليم سماعاتها الجديدة بسبب حالات الإغلاق في الصين، وخصوصاً في مدينة ووهان صاحبة أطول فترة إغلاق ومركز رئيسي لصناعة أشباه الموصلات، وكانت أغلب الدول تبحث عن بدائل في دول أخرى، إلا أنه مع انتشار الأزمة في مختلف دول العالم وعدم استعداد المصانع في هذه الدول لهذا الحجم من الطلب.
وفي بداية الأزمة على المستوى العالمي (شهر مارس)، قدر حجم الانخفاض في الطلب بـ10%، ومع مرور الوقت وانخفاض السيولة في السوق، فمن المتوقع أن ينخفض الطلب بشكل أكبر، وبالتالي فإن هذه الصناعات تتعرض لضربتين؛ الأولى على مستوى العرض بسبب عدم توفر القطع من معالجات وأشباه الموصلات كنتيجة للإغلاق في الدول الآسيوية والصين، والأخرى على الطلب بسبب انخفاض السيولة في أيدي المستهلكين وحتى المصنعين والشركات الكبرى في أوروبا وأمريكا.