المنطلقات الفكرية للتنظيمات الإرهابية وكيف تتمدد
صوت الضفتين -متفرقات
دراسة جديدة قدمها مركز “ضد التطرف ومقاومة الأفكار التكفيرية” بعنوان” المنطلقات الرئيسية للتنظيمات الإرهابية، وكيف تتحرك هذه التنظيمات وكيف تتمدد.
أكد المركز أنه يجب أن نسعى لفهم منطلقات التنظيمات الإرهابية الفكرية، وكيف تتحرك، ونحاول أولًا الإجابة على السؤال الأخطر كيف تتمدد هذه التنظيمات رغم الضربات المتتالية من قوات المسلحة المصرية ؟
أصل الصراع
واجابت الدراسة حتى يتضح الأمر (إنهم يحاربوننا)، وإنها حرب لا هوادة فيها، يقول أبو مصعب السوري، في حديثة عن حقيقة الصراع بين هذه الجماعات وبين الدولة في كتابة (دعوة المقاومة الإسلامية العالمية): ” إن صراعنا ديني الحقيقة، سياسي الطابع، عسكري الوسيلة، أمني الأسلوب.
فالحكام كفار قد سقطت ولايتهم، بمنعهم لتحكيم شرع الله، وموالاتهم لأعداء الله، أما جنودهم وشرطتهم ومن يدعمونهم فهم مرتدون”.
خلاصة ما يقول ” السوري”: إن كل مؤسسات الحكم وما يتبعها من إدارات وهيئات وسلطات سواء تنفيذية أو قضائية، فهي مؤسسات كافرة -كما ترى هذه الجماعات.
المراحل الاستراتيجية
ثم تناولت الدراسة بعد ذلك استراتيجيات جماعات الإرهاب والعنف قسمت المراحل وفق ما أورده أبو بكر الناجي في كتابة ” إدارة التوحش” والذي يعد من أهم الكتب عند الجماعات التكفيرية.
يقول الناجي: ” نبدأ بمرحلة شوكة النكاية والإنهاك، ثم إدارة التوحش، ثم شوكة التمكين”
هذه المراحل الثلاث التي ذكرها صاحب كتاب ” إدارة التوحش” هي المراحل التي تتحرك فيها كل الجماعات المتطرفة، فإن الهدف في المرحلة الأولى هي إنهاك الأنظمة وتشتيتها بعدد ضخم من العمليات أو البلاغات الكاذبة في أماكن متفرقة ومتباعدة.
ثم تكون المرحلة الثانية بإخراج بعض الأماكن من سيطرة الدولة، مع العمل على زيادة أعداد المنتمين لهذه التنظيمات.
ثم المرحلة الأخيرة وهي إقامة الدولة.
والناظر لهذه المراحل يجد هذه الجماعات تتحرك فيها سويًا، وليست على فترات، فهم يقسمون الدولة إلى أقسام كل قسم بها مرحلة مختلفة.
“الجيوش إذا تمركزت فقدت السيطرة، وإذا انتشرت فقدت الفاعلية”
هذه القاعدة العسكرية والتي تعد من أهم القواعد التي تعتمد عليها التيارات التكفيرية، فيقول أبو بكر الناجي في كتابة “تحفة الموحدين في بيان طريق التمكين” هذه القاعدة في شطرها الأول تُوجهنا إلى أن عمليتنا العسكرية يجب أن تستهدف إحداث إخلال في الموازنة بين تكتل قوات العدو وانتشارها، … أما الشطر الثاني من القاعدة وهو الأهم وله تأثير كذلك على الشطر الأول منها وهو أنه كلما انتشرت قوات العدو على أكبر رقعة من الأرض كلما فقدت فعاليتها وسهلت مواجهتها، ما ذكره “أبو بكر” ذكره وأصل له يوسف العبيري في سلسلة معسكر البتار، كذا أكده أبو مصعب السوري في حرب العصابات.
وتؤكد هذه الدراسة أن هذه العمليات إما أن تكون متتالية، أو على هيئة موجات تعلو فترة وتخبو أخرى.
وتعرف هذه الجماعات الإنهاك بأنه الإنهاك العسكري والاقتصادي، يقول “عبد الله العدم” و”أبو بكر الناجي”: أقرب وسيلة لهزيمة العدو الأقوى عسكريًا هي استنزافه عسكريًا واقتصاديًا؟.
ويقول وزير الدفاع الأمريكي السابق “رامسفيلد” عن الخسائر الذي لحقت بهم: “ما المطلوب منا أن نفعل أكثر من ذلك؟! لا تنسوا أننا ننفق المليارات في مواجهة عدو ينفق الملايين”.
تتنوع عمليات هذه الجماعات وفق دراسة مركز التطرف الجديدة ما بين عمليات اغتيالات أو تفجير مبان أمنية، أو هجوم على أكمنة للقوات المسلحة أو الشرطة، أو استهداف السياح.
كما حدث في اغتيال النائب العام المصري المستشار هشام بركات رحمه الله، أو كمحاولة إغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، والتي قام بها الرائد وليد بدر العضو بتنظيم أنصار بيت المقدس.
أو كعملية اغتيال مدير المكتب الفني لوزير الداخلية اللواء محمد السعيد، أو عملية اغتيال المقدم محمد مبروك ضابط الأمن الوطني الشاهد الرئيس في قضية التخابر.
وعددت الدراسة طرق استهداف الإرهاب للمجتمع ومؤسساته ومنها:
الجيش والشرطة في مواجهة الإرهاب
استهداف القوات المسلحة أو الشرطة
وهذا هو الغالب من العمليات التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية، سواء عن طريق استهداف كمائن ثابتة، أو دوريات، ولعل آخر الحوداث والتي حدثت أول أمس تكفي للاستدلال على هذا الأسلوب حيث استهدفت مجموعة إرهابية كمين جودة 3 بالعريش ليستشهد في الكمين 15 ابن من أبناء الوطن.
استهداف المباني الأمنية
أشهر هذه الحوادث هو استهداف مديرية الأمن بالدقهلية في 2013 ليسقط 15 قتيل وأكثر من 100 جريح، ثم تلاها مديرية أمن القاهرة في 2014 لتخلف لنا 4 قتلى من أبناء الوطن وعشرات الإصابات، ولا ننسى تفجير مبني الأمن الوطني بشرا الخيمة والذي خلف أكثر من 25 مصابًا.
استهداف السياح
وهذا أسلوب قديم حديث، فمن تفجيرات طابا، وأتوبيسات السياح فى التسعينات، إلى تفجير مبني القنصلية الايطالية، أو تفجير أتوبيس المريوطية من أسابيع قليلة.
وفي تطور جديد لجأ إليه تنظيم داعش الإرهابي، قام باختطاف المهندس الأمريكي “وليان هندرسون”، والمهندس الكرواتي “توموسلاف سلوبك” واختطاف عدد من العمال الهنود بالصحراء الغربية.
وبينت الدراسة عمل هذه التنظيمات، تناولت طرق هذه التنظيمات في العمل والتمدد على الرغم من قوة الضربات الأمنية، التي تقوم بها قوات المسلحة، والتي لم تتوقف منذ إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن العملية سيناء 2018.
فرغم تعرض هذه التنظيمات لضربات متتالية أفقدتها كثيرًا من عقولها المدبرة، وأحبطت الكثير من عملياتها الإجرامية إلا أنها ما زالت قائمة، والسؤال الآن لماذا؟
أجابت الدراسة بان السر في الكلمات الاربعة التالية:استقطاب – ذئاب – إعلام – خبرات:
استقطاب
تشكل حالة الاحتقان التي تمر بها البلاد منذ 2011 وحتى الآن فرصة ذهبية لانتشار هذه الجماعات، فمع فقد كثير من الشباب لأحلامه وآماله التي رسمها، ومع غياب القدوة والرمز والهدف، يكون سهل أن يقع هذا الشاب في خيوط هذه الجماعات.
فمع الحماسة الشديدة للشباب، والإطاحة بالرموز الشرعية والسياسية وتقديمها في أعين الشباب، ومنصة رابعة خير مثال، فالخطاب الذي كان على هذه النصة لم يترك رمز من الرموز إلا وأسقطه، وأعلى الخطاب الإعلامي لهذه المنصة لغة التكفير وتقسيم المجتمع إلى فريقين. وتزيد هذه الحالة بعض المعاملات الأمنية التي تزيد من تأجيج هذا الصراع.
فحينما يجد الشباب بعد كل هذه الإحباطات تنظيم يدعي القوة والحماسة، ويظهر له أنه أقوى من الحكومات التي يظن أنها كافرة، أو أنها تحارب الدين، فلن يفكر كثيرا.
ذئاب
تشكل آلية الذئاب المنفردة، الآلية التي لا تقهر كما تقول آدبيات التنظيمات الإرهابية، فعلى عكس الحكومات والأحزاب التي تعتمد النظام الهرمي، فإن الجماعات الإرهابية استبدلت الفكرة الهرمية في التنظيم، بأن يكون الفرد هو كل التنظيم، هو من يخطط وهو من يحدد الهدف وهو من يحدد وقت التنفيذ، بل وهو من يُعد المادة المتفجرة أو السلاح الذي سينفذ به عمليته.
فالذئاب المنفردة هي القنابل العنقودية التي تنفجر في أي وقت وفي أي مكان، فهو شخص يتحرك بيننا قد تشرب فكريًا بأفكار هذه الجماعات، يتحرك بلا تواصل مع أحد فيصعب على الأمن تقفي أثرة، فهو شخص بلا معلومات أو سجل مسبق.
يتلقى هذا الذئب توجيهاته وتعليماته وتدريباته، بل وعلمه- والذي يجعله تكفيري- عن طريق مواقع هذه التنظيمات، وقنواتها المنتشرة على الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
إعلام
أبدعت التنظيمات الإرهابية في إيصال أخبارها عن طريق إعداد الأفلام الهوليودية، والبيانات النارية، والأناشيد الحماسية. فشهدت هذه الجماعات تطورًا ضخمًا في تغطية عملياتها الإرهابية وتوثيق هذه العمليات بكاميرات وإخراج عالي جدًا
يهدف الخطاب الإعلامي لهذه الجماعات إلى خداع شباب جدد، وكسب المتعاطفين، والعمل على إضعاف هيبة الدولة ومؤسساتها، وتركز هذه الإصدارات على حلم إقامة الخلافة وتكسير الحدود وإقامة شرع الله، وتعتمد هذه التنظيمات في نشر إصداراتها على الإنترنت ومواقع التواصل، والمشكلة الأكبر في هذه الإصدارات أنها تكون بديلًا في كثير من الأوقات للخطاب المعتدل المنضبط فكريا.
قادة الإرهاب
خبرات
أبو بكر الناجي، هشام عشماوي، وليد بدر، سيف العدل، عماد يوسف، وغيرهم الكثير هؤلاء جميعًا كانوا ضباط، ولا شك أن لهم الدور الأكبر في إيصال الصورة العسكرية ومفاهيمها إلى هذه التنظيمات المسلحة، فحجم تحركات هذه التنظيمات يدل أنها تسير بمخططات إسترايجية – لا ننكر الدعم من بعض الدول.
هذه الخبرات العسكرية والتي ساعدت هذه التنظيمات على العمل، ذادت من صعوبة علم القوات المسلحة، فمما لا شك فيه أن جزء كبير من نجاح مخططات هذه التنظيمات إنما هو من استغلال لأخطاء، أو رصد لتحركات.
المتضرر الأكبر
وتناولت الدراسة بالشرح بعد ذلك من هو المتضرر الأكبر من العمليات الإرهابية في المجتمع المصري وحددت نطاق التأثير في الجانب الأمني والاقتصادي.
التأثر الاقتصادي
يتأثر الاقتصاد بمثل هذه العمليات شواء اقتصاد الدولة أو اقتصاد الأفراد، فالمبالغ الطائلة التي تنفق على مكافحة الأرهاب، وتأثير هذه العمليات على الأسواق، وعلى تدفق الاستثمارات الأجنبية، كل ذلك يضعف من الاقتصاد، والذي يؤثر بالسلب على المواطن.
التأثر الأمني
مع توسع دائرة العمليات، يكون رد الفعل من القوات الأمنية هو توسيع دائرة الاشتباه، والتي تطال أفراد بعيدين تمامًا عن الأمر، ومن الممكن بكلمة أن يتحول هذا الأمر نتيجة لظلم وقع عليه إلى فرد جديد في هذه التنظيمات، وهذا نذير شر لأنه يجعل الدائرة لا تتوقف.
الدراسة في مجملها هامة وإن كانت تناولت أشياء قديمة تطور الإرهاب بعدها بشكل كبير وملحوظ، منها استخدام الأسلحة الحديثة والطائرات وتكنولوجيا المعلومات، إلا أنها تلقي الضوء علي واقع الإرهاب ومستقبلة في الأيام القادمة.
*محمد البلقاسي
باحث في شؤون الجماعات المتطرفة