توتر المشهد السياسي: أزمة ثقة بين التونسيين ونخبهم السياسية
صوت الضفتين-مقال رأي بقلم الناشطة السياسية ريم بالخذيري
يسيطر الغموض والتذبذب على المشهد السياسي التونسي هذه الأيام بعد مساجلات ساخنة في مجلس النواب وتنافر كبير بين السياسيين لم يسبق له مثيل في تونس، مشهد أقل ما يقال عنه أنه يطفح بالقذارة الاخلاقية والسياسية يكرره النواب يوميا في جلساتهم التي انحصرت في تصفية حسابات سياسية وإيديولوجية بعيدة كل البعد عن مشاغل الشعب وانتظاراتهم، الشعب الذي طحنته أزمة كورونا من جهة وزادته إجراءات الحكومة التعسفية التي تعامله كخزّان رئيسي لميزانيتها المتداعية من جهة أخرى، زادته يأسا وغضبا وتململا.
من جهة أخرى، تصدّر زعيم حركة النهضة ورئيس مجلس النواب راشد الغنوشي قائمة معدومي الثقة لدى الشعب التونسي بنسبة 68%، رقم كشف الرفض الشعبي للنهضة التي ظنّت أنها استأثرت بالحكم وزارات وبرلمانا وأن لا محيد عن تحكمها في المشهد الحالي، لكن التونسيين أداروا ظهورهم، ليس فقط لحركة النهضة وزعيمها بل لكل النخب السياسية والحزبية التي لم تنفك تصدع رؤوسنا بلغو الكلام وسقط الفعل (لا سقط المتاع) فبما تطحن الأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة والبطالة ثلثي الشعب التونسي دون أن يحرك القائمون على القرار من برلمان وحكومة ساكنا لإنقاذ التونسيين.
تعيش تونس فترة حالكة، فكلام رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم الإربعاء 1 جويلية خلال لقائه برئيس الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي كان واضحا، هناك محاولات “لتفجير الدولة من الداخل” وأكد أن الدولة ستتصدى لجميع هذه المحاولات والمناورات الهادفة لسلب التونسيين كرامتهم.
الحديث عن “تفجير للدولة” يعني اعترافا صريحا بوجود مؤامرات لإيصال البلاد للهاوية، ورغم هذه الوضعية الخطيرة نجد أن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ يراقب في صمت مريب المناوشات الجارية محاولا تحديد موقف- لا كي يغلّب المصلحة الوطنية لا سمح الله- بل كي يحتفظ بمكانته ومكاسبه السياسية حتى ولو على حساب البقية.
هذه الأزمة كان من الطبيعي أن تتعالى معها أصوات منادية بحل البرلمان وتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة وتشكيل حكومة تصريف أعمال مصغّرة تتولى ترميم التصدعات التي سببتها “صرعات وشطحات” النخب.
تضارب المواقف السياسية خاصة رئيس البرلمان راشد الغنوشي وتجاوزاته المستمرة لصلاحياته التي كشفت عن هوس بالسلطة وازدراء لثوابت الدولة التونسية وولائه لغير راية تونس خلق أزمة حادة بين مختلف الأطياف السياسية استأثرت بالأضواء والاهتمام الوطني في وقت كان من المفروض فيه التركيز على الوضع الإقتصادي المتدهور والعمل بجدية على تجاوز تداعيات أزمة كورونا والتي تقتضي تضافر الجهود على جميع الأصعدة وتجاوز الخلافات الجانبية والحسابات السياسية الضيّقة
في نفس هذا الوقت الذي نشهد فيه انحطاطا اخلاقيا وقيميا على مستوى الخطاب السياسي والبرلماني بطريقة مستفزة ومهينة لتونس وشعبها، طفت على السطح قضية لا تقل خطورة عما سبق ذكره، فنجد رئيس الحكومة، متهما بالفساد وتضارب المصالح ولم تمض إلا أشهر قليلة على تسلمه منصبه.
مشهد سريالي مضحك مبك في آن عندما نرى الفساد يكشف عن وجهه القبيح بكل فجاجة دون محاسبة بل ويحشد حوله المدافعين عنه المتمعشين من وجوده، الذين يرتعبون من فكرة سقوط الفخفاخ لأنها تعني سقوطهم أيضا فينبرون للدفاع عنه بكل ما أوتوا من قوّة، بل ونجد وجوها طالما صدعت رؤوسنا بديباجة مقاومة الفساد والدفاع عن حقوق الشعب مثل غازي الشواشي ومحمد عبو تشرّع الفساد وتذود عنه خوفا من اهتزاز كراسيهم.
جوقة زاعقة من المطبلين والمفسدين الذين تربعوا على أعلى هرم للسلطة وأثبتوا أن الفساد لم يتغلغل فقط في قواعد الدولة بل أصبح يترأس أعلى المناصب فيها، وله حلّة رسمية وحرس ومعاونون، وتصبح مقاومته هي مقاومة للسلطة والدولة التونسية الذي يريد هؤلاء اختزالها في شخص الفخفاخ وكأن سقوطه يعني الطامة الكبرى وسيدخل تونس في حالة من الفوضى والعدم الاستقرار، والحال أن خروج الفخفاخ يعني رحيل كل بطانته من المستفيدين من بقائه في السلطة و ضياع كل مصالحهم.
لكن الحقيقة أن تغيير رئيس حكومة في الدول الديمقراطية أمر عادي ولا يمثل أي خطر على مصلحة الدولة العليا ولا على استمرارية عملها.
وجود رئيس برلمان ثبت بالأدلة القاطعة خيانته لتونس عبر التواصل مع جهات أجنبية مستغلا عباءة البرلمان، ووجود رئيس حكومة مثل الفخفاخ فاقد للشرعية الانتخابية بعد تحصله على 0.33% من الأصوات عند ترشحه للانتخابات الرئاسية، لفظه التونسيون من الباب الانتخابي فعاد من شباك رئاسة الحكومة وبدا مباشرة في النسج على منوال سابقيه من تثبيت لمركزه وتشكيل حزام من الانتهازيين من سياسيين وإعلاميين وغيرهم هو ما أدى لفقدان الشعب التونسي ثقته في قياداته ونخبه.
حاليا لم يبق أمام ملايين التونسيين من أمل إلا رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي انتخبه الشعب مفضلا إياه على منافسه نبيل القروي لا لشيء إلا للقطع مع منظومة الفساد وأعاد الثقة للناس في وجود قائد شعبي منتخب قادر على إعادة الأمور لنصابها الصحيح وتنفيذ وعوده الانتخابية بحفظ كرامة التونسيين التي ينتهكها هؤلاء الفاسدون علنا دون خوف أو محاسبة.
تغيير الحكومة الحالية أصبح واجبا وطنيا فرئيس الجمهورية المعروف لدى الرأي العام بنزاهته و نظافة يديه و مناهضته الشديدة للفساد و حرصه على المال العام ومصالح المواطنين لا بد وأن يتخذ موقفا حازما من وجود هكذا مفسدين يعتبرون أنفسهم ومصالحهم فوق القانون وفوق إرادة الشعب التونسي الحرّ.