مستقبل الصراع في ليبيا: بين الإصطفاف والوساطة النزيهة
صوت الضفتين_ أقلام الضفتين
يشهد الصراع في ليبيا منحى تصاعدي بين طرفي النزاع على الأرض، وكذلك بين القوى الداعمة لطرفي الصراع، خاصة بعد التدخل التركي المباشر، وتأثيره على موازين القوى، في ليبيا، حيث اضطرت قوات المشير خليفة حفتر الى التراجع، وفقدت السيطرة على الكثير من المناطق الاستراتيجية في محيط العاصمة طرابلس، في نفس الوقت نشهد تحرك روسيا لدعم حليفها، حتفر في مواجهة حكومة السراج، والجناح التركي، بينما يزيد الواقع الليبي مأساوية، وفي كل مرة يصبح الوصول الى اتفاق وانهاء حالة المواجهة، ضربا من الخيال، وهذا بسبب طبيعة الصراع، وطبيعة القوى الراعية له، رغم انها في نفس الوقت تقدم نفيها كوسيط لحل الازمة الليبية، وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، لكن يبدوا ان الصراع قد خرج من بين يدي الليبيين، واصبح بين يدي القوى المتصارعة بالنيابة، داخل الاراضي الليبية.
وربما يمكن القول ان: حفتر والسراج، اصبحا مهما الوسطين بين القوى الاقليمية والدولية المتصارعة حول مصالحها في ليبيا.. سنوات طويلة والكل يدعي انه يبحث عن حل في ليبيا، والفرقاء الليبيون، منقسمون على انفسهم، ومنقسمون على داعميهم ايضا، وكل ما تحرك الوسطاء من اجل تضييق هوة الخلاف، وتقريب وجهات النظر، زادة المسالة الليبية تعقيدا، واصبح طرفي الصراع اكثر تنافرا، وتباعدا في مواقفهما، فهل يعقل ان تكون نتائج الوساطة بهذه العكسية؟ الا اذا كان التفاوض ليس من اجل حل الازمة الليبية، بل من اجل مصالح القوى الدولية والإقليم، الراعية للصراع وللحوار في نفس الوقت، في ظل ضعف ليبي غير مسبوق، وتحول الاطراف المتصارعة في ليبيا، الى راعية لمصالح داعميها من القوى الاجنبية، في الداخل الليبي، اذ يمكن القول ان: السراج لا يبحث عن حل يضمن الاستقرار في ليبيا، بقدر ما هو يبحث عن حل يرضي تركيا وشركائها في الكعكة الليبية، نفس الشيء بالنسبة لحفتر، هو مرتبط بالقرار السعودي الاماراتي، والروسي، والحل قبل ان يقبله الجيش الوطني الليبي كما يسمي نفسه، يجب ان تقبله الجهات الراعية لفحتر وقواته، هذا المشهد يجعلنا ندرك سبب تأزم الوضع في ليبيا في كل مرة، حيث يزيد طرفي الصراع ضعفا، بينما تتنامى مصالح الاطراف الراعية للصراع على الاراضي الليبية، وتزداد قوتها وتحكمها في تطورات الازمة.
تركيا ليست وسيطا ولا مصر ولا الامارات العربية، ولا السعودية، ولا روسيا، هؤلاء جميعا اطراف في النزاع الليبي، وكل دولة منهم تبحث عن مصالحها، ونفوذها بالدرجة الاولى في ليبيا، وفي منطقة شمال افريقيا، والساحل الافريقي، وهي غير مهتمة بتسوية الملف الليبي، ولذلك اختارت شخصيات ضعيفة وغير مأثر لا داخليا ولا خارجيا، لتوكل اليها مهمة ادارة الصراع في ليبيا، وتقويض اي فرصة جادة، وابعاد اي وسيط نزيه، ويهمه الشأن الليبي، ولذلك نجد رغم عدم توفر شروط الوساطة في القوى سابقة الذكر، لكن رغم ذلك ينسق معها الليبيون، سواء حكومة السراج، او المشير خليفة حفتر، كون بقاء هذين الاخرين مرتبط ببقاء الاطراف الراعية للازمة الليبية، والمستفيدة من حالة التكافؤ بين القوى المتصارعة، وعدم السماح بتحقيق نصر كامل، او حتى الجلوس لطاولة الحوار، بوجهات نظر قابلة للدراسة وللتفاوض، كما ان غياب صفة الوسيط، سواء عن الجناح التركي او الجناح الاماراتي، يتجلى في التعامل مع طرفي الصراع كخصمين، مثلا لم نسمع ان السراج قد زار الامارات، او السعودية، او مصر، وفي نفس الوقت لم نرى حفتر يتباحث مع الاتراك، او القطرين، لان كل من السعودية والامارات تنظران الى السراج، على انه عدو، وليس طرف في النزاع يجب الاستماع اليه، وحتى تركيا تعتبر حفتر عدو يجب دحره، وليس التفاوض معه، ولذك في كل مرة تفشل كل فرص الحوار، واللقاء بين الفرقاء في لبيا، ومن وجهة نظري ان الامر تجاوز طرفي الصراع، اي حتفر والسراج، الى القوى الراعية والى الاملاءات والتوجيهات التي تسدلها.
في نفس الوقت لماذا ينفر كل من حكومة الوفاق، والجيش الوطني الليبي، من الواسطة الجزائرية؟ رغم انها الاقرب الى ليبيا، والاكثر نزاهة في التعامل مع طرفي الصراع، حيث ان الجزائر تستقبل كل من السراج وحفتر، وتعمل دائما على ان يكون الحوار ليبي، ليبي، وبرعاية إفريقية، بعيدا عن القوى الخارجية، لكن في كل مرة يتم تتفيه المقترحات الجزائرية، او تغييبها، وفي نفس الوقت نجد الاعلام سواء المحسوب على حكومة السراج يشيطن نوايا حتفتر اتجاه الجزائر، ونفس الشيء يقوم به الاعلام المحسوب على حفتر في شيطنة نوايا محكومة الوفاق اتجاه الجزائر، رغم ان الجزائر ترفض التدخل الاجنبي، وترفض تدويل الصراع، وهي تطالب بتسوية داخلية، وترفض اي مساس بوحدة الاراضي الليبية، او اي تواجد عسكري على راضيها، لأي جهة كانت، لكن رغم ذلك لا احد من اللبيين يلتفت الى المواقف الجزائرية، والى امكانية لعب الجزائر لدور الوسيط النزيه، والذي يمكن ان يؤدي الى حل الصراع، بعد تحييده، وابعاد القوى الخارجية، الطامعة في المصالح الليبية، لكن عندما يكون طرفي الصراع في ليبيا بعيدين تماما عن الواقع الليبي، بل هما يؤديان دور في تراجيديا الأزمة الليبية، عن طريق خدمة مصالح القوى الخارجية، والحرص على اهدافها، اكثر من الحرص على المصالح الليبية، فان غياب الجزائر كجارة يصبح اكثر من عادي، وبينما تتحول دول بعيدة عن ليبيا إلى راعي ومتحكم في المشهد الليبي الداخلي، وهذا ما يطيل في عمر الصراع، ويزيده تعقيدا يوما بعد يوم.
الصراع في ليبيا ليس بحاجة الى اصطفاف، لان من شروط صحة الوساطة، الحياد الايجابي، والنزاهة، والمعرفة الحقيقة بواقع الصراع، والانفتاح على كل الاطراف، وقبول كل الاطراف، بتلك الوساطة وبالطرف الذي يقوم بها، اضافة الى جدية الطرف الوسيط، وقدرته على حل النزعات بطرق سلمية، اي يجب ان تكون له تجربة، ويجب أن يكون مرحب به في مختلف المحافل الدولية، وان تكون سياسته الخارجية قائمة على مبدا احترام سيادة الدول، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية، ورفض الحلول العسكرية، واهم شيء قدرته على خفض حدة التوتر، وجلوس كل الاطراف الى طاولة الحوار، وتقديم تنازلات لا تخدم اي طرف، بل تخدم القضية محل النزاع، وتساهم في عودة الثقة بين الطرفين، هي شروط وصفات نراه غائبة تماما، في من يقومون بدور الوساطة في ليبيا الان، ولذلك لن يكون هناك حل بالمنظور القريب في ليبيا، سواء عسكريا او سياسيا، بل يمكن القول اننا متجهون نحو افغنة الصراع الليبي، وانتشار مليشيات في كل منطقة، وبقاء الدولة الليبية على الورق، او محصورة في طرابلس، بينما سنجد دولة وحكومة وجيش في كل منطقة، مما سيزيد من صعوبة التوصل الى تسوية في المدى القريب او المتوسط، وفي نفس الوقت نجد شروط الوساطة متوفرة في الجزائر، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لا يقبل الليبيون بالواسطة الجزائرية؟ وربما الجواب ان امر الليبيين لم يعد بايديهم.
بقلم كرايس الجيلالي