بين إعلاء القانون وتوظيف السياسة... محاكمة سنية الدهماني مثالا - صوت الضفتين

بين إعلاء القانون وتوظيف السياسة… محاكمة سنية الدهماني مثالا

بقلم:نزار الجليدي

 

 

في خضم التفاعل الواسع مع الأحكام الصادرة ضد المحامية والناشطة الإعلامية سنية الدهماني،(حوالي3سنوات) يبرز سؤال جوهري يجري على ألسنة الكثيرين وهو : هل نحن أمام تطبيق بحت للقانون، أم أن للسياسة يداً في تفاصيل المحاكمة وسياقه

وفقًا للمبدأ القانوني المعتمد في تونس وفي مختلف الأنظمة المقارنة، لا تُناقش الأحكام القضائية إلا ضمن أروقة المحاكم. لكن كثافة التغطية الإعلامية والتفاعل الشعبي، تفرض على أي مواطن معني بالشأن العام أن يُبدي رأيه، وخاصة حين تلامس القضايا المعروضة أبعادًا أوسع من مجرد تفاصيل قانونية.

أجواء الجلسة الأخيرة لسنية كانت مشحونة. فمحامو الدفاع أصروا على أن القضية سبق الحكم فيها سابقًا، وأن الألفاظ محل الاتهام قد خضعت سابقًا للتقاضي. كما طالبوا بتأجيل الجلسة لتقديم نسخة من الحكم السابق. وكان من الممكن أن يُحرج هذا التحرك المحكمة، لو قُدم فعليًا في جلسة الأمس. استبعاد المحكمة لهذا الحكم لاحقًا أظهر انقسامًا بين التأويل القانوني والتقدير السياسي.

المعروف أن سنية الدهماني ليست إعلامية بالمعنى المهني أو الأكاديمي، بل محامية في الأصل، وهي على دراية بمفهوم حرية التعبير وحدودها القانونية. غير أن مداخلاتها عبر الفضاء السمعي والبصري، وكذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، تخطّت — وفق رأي البعض — الخط الفاصل بين التعبير الحر والممارسة السياسية المؤدلجة. وهذا ما فتح الباب أمام المواجهة القانونية.

أما المرسوم عدد 54 الذي تم بموجبه تتبّع الدهماني، جاء نتيجة توافق على ضرورة وضع حد للفوضى الإعلامية التي سادت السنوات الأخيرة، ولقطع الطريق أمام المال السياسي الفاسد المتغلغل في الإعلام. ورغم هذا التوافق، فإن شدّة العقوبات التي يتضمنها المرسوم أثارت جدلاً واسعًا. من هنا، يبدو ضرورياً اليوم — وأكثر من أي وقت مضى — فتح حوار وطني حول ضرورة مراجعة هذا المرسوم وتعديله بما يتماشى مع واقع الإعلام الجديد، دون المساس بجوهر حرية التعبير.

أمام هذا المشهد المعقد، نجد من الضروري إطلاق مبادرة مجتمعية لإعادة صياغة الإطار القانوني المنظم للإعلام، بعيدًا عن النماذج الغربية التي تمنح الحرية عندما تتماهى مع مصالحها، وتسحبها حين تتعارض مع روايتها المهيمنة. فالإعلام العربي، خصوصًا في ظل السياق الإقليمي الحالي، لا يزال يعاني من هذه المفارقة المزدوجة في التعامل مع حرية الرأي.

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

French