العالم والطبيب “إبن النفيس” واحد من أبرز رواد الحضارة الإسلامية
عالمٌ موسوعي وطبيبٌ مسلم، له إسهاماتٌ كثيرة في الطب، ويعتبر مكتشف الدورة الدموية الصغرى وأحد رواد علم وظائف الأعضاء في الإنسان، حيث وضع نظرياتٍ يعتمد عليها العلماء حتى الآن.
نبذة عن إبن النفيس
عالمٌ وفيزيائي عربي يعد أول من شرح الدورة الدموية الصغرى، حيث أنه من خلال التوصل إلى أن الجدار الفاصل بين بطيني القلب الأيمن والأيسر جدار صلب لا مسامات فيه، عارض رأي غالين الذي كان يرى أن الدم يمر مباشرة من الجانب الأيمن إلى الأيسر، فأكد ابن النفيس على نحوٍ واضحٍ أن الدم يمر من البطين الأيمن إلى الأيسر عبر طريق يمر بالرئتين، إلا أن هذا الاكتشاف لم يلقَ أي اهتمام، بل في الواقع ظل مجهولًا من قبل الفيزيائيين الغربيين ولم يخرج إلى الضوء حتى القرن العشرين.
دراسته
درس “إبن النفيس” في دمشق على يد الفيزيائي إبن الدخوار، وإرتحل إلى مصر ليصبح مسؤولًا عن المستشفى الناصري في القاهرة، كتب ابن النفيس العديد من المؤلفات عن أمراض العين والأنظمة الغذائية، كما كتب شروحاتٍ لمؤلفاتٍ في الطب لكل من أبقراط وابن سينا وحنين ابن إسحاق.
حياة “إبن النفيس” الشخصية
قيل في وصفه أنه كان شيخًا طويلًا، أسيل الخدين، نحيفًا، ذا مروءة، وكان قد ابتنى دارًا بالقاهرة، وفرشها بالرخام حتى إيوانها، ولم يكن متزوجًا فأوقف داره وكتبه وكل ما له على البيمارستان المنصوري.
بدايات “إبن النفيس”
كان معاصرًا لمؤرخ الطب الشهير ابن أبي أصيبعة، صاحب عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ودرس معه الطب على ابن دخوار، ثم مارسا في الناصري سنوات، ولكن ابن أبي أصيبعة لم يأتِ في كتابه على ذكر ابن النفيس، ويقال أن سبب هذا التجاهل هو خلافٌ حصل بينهما.
غير أن “لابن النفيس” ذكرًا في كثيرٍ من كتب التراجم، أهمها كتاب شذرات الذهب للعماد الحنبلي، و حسن المحاضرة للسيوطي، فضلاً عن كتب المستشرقين أمثال بروكلمن ومايرهوف وجورج سارتون وسواهم.
إنجازات “إبن النفيس”
لم تقتصر شهرة “إبن النفيس” على الطب، بل كان يُعدّ من كبار علماء عصره في اللغة، والفلسفة، والفقه، والحديث، وله كتبٌ في غير المواضيع الطبية، منها: الرسالة الكاملية في السيرة النبوية، وكتاب فاضل بن ناطق، الذي جارى في كتاب حي بن يقظان لابن طفيل، ولكن بطريقة لاهوتية لا فلسفية.
شهرته
أما في الطب فكان يعد من مشاهير عصره، وله مصنفات عديدة اتصف فيها بالجرأة وحرية الرأي، إذا كان، خلافًا لعلماء عصره، يناقض أقوال ابن سينا وجالينوس عندما يظهر خطؤها. أمّا كتبه فأهمها: المهذّب في الكحالة (أي في طب العيون)، والمختار في الأغذية، وشرح فصول أبقراط، وشرح تقدمة المعرفة، وشرح مسائل حنين بن إسحق، وشرح الهداية، والموجز في الطب (وهو موجز لكتاب القانون لابن سينا)، وشرح قانون ابن سينا، وبغية الفِطن من علم البدن، وشرح تشريح القانون الذي بيّن أن ابن النفيس قد سبق علماء الطب إلى معرفة هذا الموضوع الخطير من الفيسيولوجيا بحيث أنه وصف الدوران الرئوي قبل عصر النهضة بقرون.
اكتشافه الدورة الدموية الصغرى
“لإبن النفيس” إنجازاتٌ علمية لا تعد ولا تحصى من مؤلفاتٍ ونظريات واكتشافات وغيرها، أشهر إنجازاته كان إكتشافه للدورة الدموية الصغرى التي مهدت لاكتشاف الدورة الدموية الكبرى بعد ذلك، ويقول عنها “إن الدم يُنقّى في الرئتين من أجل إستمرار الحياة وإكساب الجسم القدرة على العمل، إذ يخرج الدم من البطين الأيمن إلى الرئتين، حيث يمتزج بالهواء، ثم إلى البطين الأيسر”.
وبهذا الاكتشاف دحض “إبن النفيس” الرأي الذي كان سائدًا قبل ذلك والذي يقول بأن الدم يتكون في الكبد أولا ثم ينتقل إلى البطين الأيمن في القلب، وليس القلب هو المتحكم الرئيسي في عملية ضخ الدماء.
لم تعرف العصور الحديثة اكتشاف “إبن النفيس” هذا إلّا في عام 1924، وكان ذلك عن طريق الصدفة، حيث عثر العالم محيي الدين التطاوي أثناء دراسته لتاريخ الطب العربي في العاصمة الألمانية برلين على مخطوطةٍ عنوانها “شرح تشريح القانون” والتي كان “إبن النفيس” قد كتبها بخط يديه يشرح بها طريقة سريان الدماء في الجسم فيما يعرف بالدورة الدموية الصغرى، حيث تم إخفاء تلك المخطوطة لعدة سنوات وسرقة محتواها العلمي.
منهجه العلمي
تميز “إبن النفس” بأصالة الرأي وإستقلال الفكر واعتماد المنهج التجريبي في إثبات الحقائق العلمية من رصد، ومشاهدة، ومقارنة، وملاحظة، وإجراء للتجارب، كما أنه كان يؤمن بحرية القول وضرورة الاجتهاد، وكان لا يتردد في نقد أخطاء كبار الأطباء السابقين كجالينوس وابن سينا وغيرهم. وكانت طريقته في العلاج تعتمد على تنظيم الغذاء أكثر من إستخدام الأدوية، ثم إنه كان يفضل الأدوية المفردة على المركبة ولذلك يقول الدكتور محمد أمين فرشوخ: “وإبن النفيس” كان يخضع أبحاثه لمنهجٍ علمي واضح، فقد درس أعمال من سبقه من العلماء والأطباء قبل أن يحكم على غير السليم منها ويعتمد الجيد لبناء نظرياتٍ جديدة. وقد اهتم بالظواهر والعوامل المؤثرة في جسم الإنسان أكثر من إهتمامه بالطب العلاجي، لذلك يمكننا اعتباره عالمًا محققًا، بل كان رائدًا في علم وظائف الأعضاء، مع تسجيلنا إنجازاته التي سبق بها عصره، كما أنه كان الأول فيمن كتب في أصول الفقه وعلم الطب”.
أشهر أقوال ابن النفيس
وربما أوجب استقصاؤنا النظر عدولاً عن المشهور والمتعارف، فمن قرع سمعه خلاف ما عهده، فلا يبادرنا بالإنكار، فذلك طيش، فرُبَّ شنعٌ حق ومألوفٌ محمودٌ كاذب، والحق حقٌ في نفسه، لا لقول الناس له، ولنذكر دومًا قولهم: إذا تساوت الأذهان والهمم، فمتأخرُ كل صنعةٍ خيرٌ من متقدمها.
وأَمَّا الأَخبارُ التى بأيدينا الآن، فإنما نتَّبعُ فيها غالبَ الظنَّ، لا العِلْم المحقَّق.
وأما نصرة الحق وإعلاء مناره وخذلان الباطل وطمس آثاره فأمر قد التزمناه في كل فن.
وربما أوجب استقصاؤنا النظر عدولاً عن المشهور والمتعارف، فمن قرع سمعه خلاف ما عهده، فلا يبادرنا بالإنكار، فذلك طيش، فرُبَّ شنعٌ حق ومألوفٌ محمودٌ كاذب، والحق حقٌ في نفسه، لا لقول الناس له، ولنذكر دومًا قولهم: إذا تساوت الأذهان والهمم، فمتأخرُ كل صنعةٍ خيرٌ من متقدمها.
وأَمَّا الأَخبارُ التى بأيدينا الآن، فإنما نتَّبعُ فيها غالبَ الظنَّ، لا العِلْم المحقَّق.
وأما نصرة الحق وإعلاء مناره وخذلان الباطل وطمس آثاره فأمر قد التزمناه في كل فن.
وربما أوجب استقصاؤنا النظر عدولاً عن المشهور والمتعارف، فمن قرع سمعه خلاف ما عهده، فلا يبادرنا بالإنكار، فذلك طيش، فرُبَّ شنعٌ حق ومألوفٌ محمودٌ كاذب، والحق حقٌ في نفسه، لا لقول الناس له، ولنذكر دومًا قولهم: إذا تساوت الأذهان والهمم، فمتأخرُ كل صنعةٍ خيرٌ من متقدمها.
وفاة إبن النفيس
توفي “إبن النفيس” في العاصمة المصرية القاهرة وتحديدًا في المستشفى المنصوري الذي كان يعمل به كبيرًا للأطباء، ومرض قبل وفاته مرضًا شديدًا لعدة أيام، فحاول الأطباء علاجه باستخدام الخمر ولكنه رفض ذلك رفضًا شديدًا قائلاً جملة شهيرة “لا ألقى الله وفي جوفي شيءٌ من الخمر”.
وبعد نحو ستة أيام من المرض، وافت “إبن النفيس” المنية عن عمر ناهز الثمانين عامًا يوم الجمعة الموافق 17 كانون الأول/ ديسمبر 1288، وآخر ما قاله وهو يوصي تلامذته وزملائه على الحفاظ على قيمة وأهمية العلم “إن شموع العلم يجب أن تضيء بعد وفاتي”.
حقائق سريعة عن إبن النفيس
يعتبر “إبن النفيس” مكتشف الدورة الدموية الصغرى، وقد ظل الغرب يعتمد على نظريته حتى اكتشف ويليام هارفي الدورة الدموية الكبرى.
تذكر دائرة المعارف الإسلامية أن “إبن النفيس” وُلد على مشارف غوطة دمشق وأصله من بلدة قريشية قرب دمشق.
درس “إبن النفيس” أيضًا الفقه الشافعي، كما كتب العديد من الأعمال في الفلسفة، وكان مهتمًا بالتفسير العقلاني للوحي. وخلافًا لبعض معاصريه والسلف، اعتمد ابن النفيس على العقل في تفسير نصوص القرآن والحديث، كما درس اللغة والمنطق والأدب.
أصبح طبيبًا خاصًا للسلطان الظاهر بيبرس بين عامي 1260 و1277.
كان “لإبن النفيس” مجلس في داره يحضره أمراء القاهرة ووجهاؤها وأطباؤها، كما كان ابن النفيس أعزبًا فأغدق على بناء داره في القاهرة، وفرش أرضها بالرخام حتى إيوانها.