خدعة إسلاموفوبية.. استطلاع فرنسي يثير جدلاً سياسياً حاداً
أثار استطلاع أجراه معهد “إيفوب” حول الممارسات الدينية والهوية لدى الشباب المسلمين في فرنسا موجة جدل واسعة بين السياسيين ووسائل الإعلام ونشطاء التواصل الاجتماعي.
الاستطلاع، الذي ركّز على التطرف الديني لدى هذه الفئة، كشف عن نسب مرتفعة بين من يؤيدون تطبيق الشريعة أو المواقف الإسلامية المتشددة، الأمر الذي أثار ردود فعل متباينة بين اليسار واليمين على حدّ سواء.
“خدعة إسلاموفوبية”
في صفوف اليسار، أعرب نواب حركة فرنسا الأبية (LFI) عن رفضهم القاطع لنتائج الاستطلاع، معتبرين أن التقرير يمثل محاولة لتصوير المسلمين كخطر داخلي على المجتمع الفرنسي.
ووصف النائب بول فانييه الاستطلاع بأنه “خدعة إسلاموفوبية”، مشيراً إلى أن المسلمين يُصوَّرون وكأنهم إرهابيون محتملون، وهو ما اعتبره منافيًا للقيم الجمهورية وخطرًا يهدد النسيج الاجتماعي.
كما اعتبر عضو التنسيق الوطني للحركة، محمد عوض، أن التقرير يمثل هجومًا إعلاميًا مزدوجًا يهدف إلى تمييز المسلمين وشيطنتهم، وإلى محاولة الإضرار بالحركة السياسية في مواجهة اليمين المتطرف، مؤكدًا استمرار جهودهم السياسية رغم هذه الضغوط.
اليمين يحذر
وعلى الطرف الآخر، رأت الشخصيات السياسية اليمينية في نتائج الاستطلاع تحذيرًا من تنامي التطرف بين الشباب المسلمين.
واعتبرت زعيمة حزب “التجمع الوطني”، مارين لوبان، أن مكافحة “التطرف الإسلامي” يجب أن تكون قضية وطنية، مؤكدة ضرورة مواجهة أي أيديولوجية تهدد القيم الديمقراطية الفرنسية.
وشاركها الرأي وزير الداخلية السابق برونو ريتايو، الذي اقترح قوانين لحظر الحجاب في الجامعات والرحلات المدرسية والأنشطة الرياضية، مؤكدًا أن الاندماج يجب أن يعود ليكون هدفًا أساسيًا للمجتمع الفرنسي.
من جهته، رأى زعيم حزب الجمهوريين، لوران فوكويه، أن الاستطلاع يمثل إشارة تحذير يجب التعامل معها بجدية، محذرًا من أن التطرف يكسب الأرض بين الشباب، بينما يسعى اليسار المتطرف لتجاهل الظاهرة.
في حين اعتبر اليميني إريك زيمور أن استيراد ملايين المسلمين خلال خمسين عامًا مع الترويج لفكرة أن الإسلام متوافق مع فرنسا يمثل “الخطيئة الأصلية” التي ساهمت في ما وصفه بـ”اختراق الإسلام للبلاد”.
نتائج الاستطلاع
كشف استطلاع “إيفوب” أن:
-
59% من الشباب المسلمين يؤيدون تطبيق الشريعة.
-
38% يوافقون على كامل أو جزء من المواقف الإسلامية المتشددة، وهو ما يعادل ضعف الرقم المسجل عام 1998.
-
42% من الشباب بين 15 و24 عامًا يشعرون بالتعاطف مع الحركات الإسلامية.
-
43% منهم يرفضون الاتصال البصري أو الجسدي مع الجنس الآخر، مع نسب أعلى لدى النساء مقارنة بالرجال.
-
14% من النساء المسلمات لا يستمعن للموسيقى غير الإسلامية، مقابل 8% من الرجال.
-
80% من النساء اللواتي يرتدين الحجاب يفعلن ذلك التزامًا دينيًا، بينما قالت 44% منهن إنهن يفعلن ذلك لتجنب لفت الأنظار.
الجدل مستمر
واجه الاستطلاع انتقادات كبيرة من خبراء ومحللين، حيث أشاروا إلى أن هذه الأرقام لا يمكن تفسيرها بمعزل عن السياق الاجتماعي والاقتصادي والتاريخي للشباب المسلمين، خاصة في بيئة شهدت تصاعد الإسلاموفوبيا بعد عام 2015.
وأكد بعض المختصين أن حجم العينة التي شملها الاستطلاع، البالغ 515 شخصًا، صغير جدًا؛ ما يجعل النتائج قابلة للنقاش ومفتوحة لتأويلات مضللة.
وانتقد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الاستطلاع باعتباره أداة لتغذية وسائل الإعلام المناهضة للإسلام، ولخلق صورة نمطية سلبية عن المسلمين ووصمهم كمصدر للخطر، خاصة في سياق الحملات السياسية ضد حركة “LFI”.
إجراءات حكومية
أوضح مدير معهد IFOP أن الاستطلاع يظهر أن الشباب المسلمين يمرون بعملية إعادة إسلامية، وأن هناك ميلًا متزايدًا نحو الأيديولوجيات الإسلامية المتشددة، مع التأكيد على أن هذه الظاهرة تمثل تحديًا جديدًا للاندماج الاجتماعي.
وفي هذا السياق، أعلن وزير الداخلية، لوران نونييز، عن تعزيز الإجراءات الحكومية ضد الإسلام السياسي، مؤكدًا أن القوانين الجمهورية ستظل دائمًا فوق أي قوانين دينية، بما فيها الشريعة.
وأشار نونييز إلى نية الحكومة سن قوانين جديدة لمراقبة أماكن العبادة وضوابط قبول القاصرين، لضمان عدم المساس بالنظام الجمهوري.
ومع ذلك، حذرت جمعيات ودعاة حقوق الإنسان من أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تمييز جماعي ضد المسلمين إذا لم يتم التمييز بين الممارسات السلمية والتطرف، ما قد يزيد من شعور الإقصاء لدى الشباب المسلم.



