احتجاجات الخميس سياسية بامتياز وليست ممارسة ديمقراطية ضد فساد مركزية اتحاد الشغل
بقلم:نزار الجليدي

التحركات الإحتجاجية أمام مقر الإتحاد التونسي للشغل يوم الخميس لم يكن تحركا عفويا ولا يمكن وضعه في خانة ديناميكية احتجاجية سببها الأزمة الداخلية المعلومة منذ مدة والتي يعيشها التنظيم النقابي الأكبر في تونس.
الإحتجاجات يوم الخميس كانت ممارسة سياسية بامتياز شاهدنا على مدى أيام التحضير لها والدعوات إلى تنظيمها. هناك من ينسبها إلى جهات مقربة من السلطة وهناك من يعتبرها من إنجاز المعارضة النقابية.
لكن ما حدث يوم 7 أوت 2025 لا علاقة له بمحاور الخلافات والمطالب التي ترفعها المعارضة النقابية داخل الهياكل او خارجها.
الشعارات التي رفعت بالأمس تُراوِح بين الدعوة لتطهير الاتحاد و تجميده مع نعته بأبشع النعوت و توجيه اخطر الاتهامات لقياداته.
هنا لابد أن نتوقف على مبدأ أساسي أصبح يحدد الحوكمة في تونس اليوم وهو أن لا أحد فوق المحاسبة وهذا ما يحصل مع عديد النقابيين وبعض المسؤولين منهم الجهويين أو حتى في المستوى المركزي وهذه معطيات وليست تحليلا.
هل إن السلطة اليوم التي تعتمد مبدأ أن لا إفلات من المحاسبة والعقاب سوف تعطل العمل بهذه السياسة خوفا من صدام مع الإتحاد.
قطعا لا وصخرة الاتحاد لن توقف هذا المسار بدون البحث عن شرعيته لأن كل الهياكل الحزبية والمنظمات والأشخاص وحتى المؤسسات أصبحت خاضعة لهذا المسار وخطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد عند لقاء الوزيرة الأولى كان واضحا في لفظه ومعناه الذي يقصد فيه الإتحاد صراحة.
المعطيات التي رَشَحت من اجتماع الطبوبي من مكتبه مع نقيب الصحفيين واحد رموز الصحافة المناضلة الفاهم بوكدوس تفيد أن الإتحاد وإن أعلن عن الدعوة الى هيئة إدارية مستعجلة لكنه أَبْلَغ بأنه لا يروم التصعيد وقدّم لذلك عربونا هو تأجيل إضراب النقل الجوي…
في حين شعارات الخميس طالبت بتجميد الاتحاد أو حله وتتواصل على مدار الساعة في الفضاء الإفتراضي.
اقول أن الصدام مع الإتحاد لا يكون من خلال أبواق متشنجة صارخة جوفاء لا تقرأ التاريخ ولا تعلم من الأبجدية السياسية إلا ألفها ولا نعلم حقيقة أجندتها.
الإتحاد العام التونسي للشغل شريك في الحكم منذ الإستقلال وآخر محطات مشاركته دوره بمناسبة الحوار الوطني وجزاؤه كان التتويج بنوبل للسلام وتواصل ذلك حين أيَّدَ الرئيس قيس سعيد في لحظة 25 جويلية.
الإتحاد يعاني اليوم تبعات لعنة تعديل الفصل عشرين من نظامه الداخلي لكن الحل توصّلت إليه الهياكل النقابية داخلها والمؤتمر الإستثنائي وقع تحديد تاريخه يعني أن الأزمة الأكبر وراء الإتحاد ورحَّلها المكتب التنفيذي إلى المؤتمر.
صحيح أن الإتحاد فقد الكثير من زخمه القاعدي وقوة تعبئته وتأثيره في مجريات الأحداث بسبب قيادته المركزية وبعض إطاراته الجهوية ووقوعها في أخطاء كبرى وربما بسبب فساد منسوب إليها نسمع عنه ولكن كل متهم بريئ إلى أن تثبت إدانته وصدور بعض الأحكام ضد أفراد قلائل من إطارات الإتحاد لا يمكن حاليا أن يبرر شعارات الخميس الداعية إلى فسخ الإتحاد بعد إحتجاج بعض المئات تحت شبابيك بطحاء محمد علي الصَّمَّاء.
أُذن الإتحاد صماء لأن مركزيته تعلم أن لها اعتمادات حقيقية تعول عليها عند الحاجة ولن تخذلها، وبعض القوى المتربصة يمكن أن تتسلل إلى غضب الإتحاد وتبحث عن تقاطعات معه لأن الأزمة السياسية في تونس حقيقية وكذا الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ويصبح الإتحاد في صف المعارضة.
إن ضرب الاتحاد او انكساره هو تدمير لحجر الزاوية في السلم الإجتماعي خصوصا بعد أن استبقت المركزية النقابية وتولت مدَّ يدها للصلح وبما تصبح خيمة للحوار الوطني المسؤول…