رئيس التحرير نزار الجليدي يكتب/ زيارة مسعد بول إلى الجزائر: رسائل مزدوجة بين المصالح الأمنية والمكاسب الرمزية

شكّلت زيارة مسعد بول، المبعوث الشخصي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى الجزائر محطة محورية في جولته المغاربية، وسط تحولات إقليمية ودولية متسارعة. لم تكن زيارة عادية في توقيتها ولا في مضامينها المعلنة والمضمَرة، بل كانت محمّلة برسائل سياسية معقّدة، في مشهد يوحي بهدوء دبلوماسي يخفي الكثير من التحولات في المواقف.
الزيارة، التي رافقته فيها السفيرة الأمريكية إليزابيث أوبين، واختُتمت بلقاء مع الرئيس عبد المجيد تبون، عكست محاولة أمريكية لإعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية في شمال إفريقيا، مع ملاحظة ارتياح واضح في تفاعل تبون مع السفيرة الأمريكية مقارنة بتفاعله مع بول، ما يوحي بحذر جزائري محسوب.
رغم عدم التصعيد الأمريكي تجاه الجزائر، خاصة بالنظر إلى علاقاتها الوثيقة مع موسكو وموقفها الثابت من القضية الفلسطينية، فإن هذا الحذر يعكس إدراكاً أمريكياً جديداً بأن الجزائر باتت فاعلاً إقليمياً لا يمكن تجاهله أو التعامل معه بأساليب الضغط التقليدية. ولعل هذا ما يفسّر حرص الجزائر على عدم إحراج بول علنًا، مقابل التمسك بثوابتها السيادية.
شراكة اقتصادية بطابع رمزي
اقتصاديًا، سعت الجزائر إلى إظهار توازن في المكاسب، رغم تفوقها في الميزان التجاري مع واشنطن. وتم الإبقاء على إعفاءات جمركية تصل إلى 30%، وهو ما قد يُفهم في سياق المزاج “الترامبي” المعادي لأوروبا التقليدية، خاصة فرنسا وألمانيا. كما أن الجزائر تحاول تقديم الشراكة مع الولايات المتحدة كبديل استراتيجي عن الهيمنة الأوروبية، دون التفريط في سيادتها.
ليبيا الحاضر الغائب
غياب أي ذكر مباشر لليبيا في تصريحات بول لا يعني غياب الملف نفسه عن كواليس الزيارة. بل إن تجاهله قد يعكس تباينات في المقاربات، خصوصًا بين واشنطن وأنقرة، ويمنح الجزائر موقع الطرف “المتزن” الذي يمكن الاعتماد عليه لتقريب وجهات النظر، وربما لتأمين وجود أمريكي غير مباشر في مناطق مثل فزان جنوب ليبيا، حيث تتقاطع مصالح الجزائر مع حفتر.
الأمن في الساحل ومخاوف التنسيق
في الشق الأمني، من المرجح أن تكون المباحثات قد تطرّقت إلى الوضع في مالي، خاصة مع تصاعد التوترات بين باماكو والجزائر. وقد تسعى واشنطن، لا سيما في عهد الجمهوريين، إلى دعم دور جزائري أكبر في محاربة الجماعات الإسلامية المسلحة، بما يخدم المصالح الغربية ويمنح الجزائر مزيدًا من الشرعية الإقليمية.
غير أن السؤال يظل مطروحًا: إلى أي مدى يمكن تصور تعاون أمني جزائري–أمريكي حقيقي؟ الجزائر، المعروفة بمقاربتها السيادية في ملف مكافحة الإرهاب، تميل إلى تنسيق معلوماتي محدود، دون الدخول في تحالفات تمسّ باستقلالية قرارها.
مقارنة محرجة… ولكن محسوبة
رغم أن بول لم ينجح في فرض سردية واضحة خلال زيارته، فإن غياب التوتر و”النتيجة المحايدة” بالمقارنة مع زيارته السابقة إلى تونس –التي تحوّلت إلى حالة إحراج دبلوماسي وإعلامي– يُعد مكسباً تكتيكياً له ولحملته الانتخابية. أما الجزائر، فقد خرجت برسالة مفادها أن التعامل مُمكن ولكن ضمن شروط محددة لا تمسّ ثوابتها، وفي مقدّمتها فلسطين وعلاقتها مع روسيا.
المغرب… محطة الترقب
المحطة التالية لبول ستكون المغرب، التي تُعد الأكثر حساسية في هذه الجولة. فإذا تجاهل بول ملف الصحراء الغربية، فإن أي تلميح من الرباط يمكن أن يُفسَّر مغربيًا كـ”تقليل من احترامها”. كما أن اختيار الجزائر محطة أولى قد يُستغل انتخابيًا لدعم إسرائيل أو قد يُغذي مخاوف الرباط من الحياد الأمريكي المتزايد.
الملخص أن زيارة مسعد بول إلى الجزائر هي محاولة أمريكية جديدة لإعادة ضبط العلاقات مع دول شمال إفريقيا على أسس أكثر براغماتية. في المقابل، وجّهت الجزائر رسالة واضحة: الانفتاح على الشراكة مُمكن، لكن بشروط متبادلة تحترم السيادة الوطنية، وتبتعد عن الإملاءات الصريحة أو التدخل في المواقف المبدئية.
ملخص تصريحات مسعد بولوس من الجزائر:
- “لي الشرف العظيم أن أتواجد في الجزائر نيابة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو، لتعزيز الشراكة بين البلدين.”
- “الولايات المتحدة الأمريكية تولي أهمية بالغة لعلاقاتها مع الجزائر.”
- “اللقاء مع رئيس الجمهورية سمح بتجديد التأكيد على الروابط الراسخة التي تجمع بين الولايات المتحدة والجزائر.”
- “أعربنا عن التزامنا القوي بتعزيز علاقاتنا في المجالات التجارية والأمنية وغيرها من القطاعات.”
- “شاركت مع رئيس الجمهورية رؤية الرئيس دونالد ترامب حول التعاون في سبيل تحقيق المصالح المشتركة، وتحقيق السلام، وهزم الإرهاب، وتأمين الحدود، وتعزيز التجارة العادلة التي تعود بالنفع على كل من الأمريكيين والجزائريين، وذلك في إطار الاحترام المتبادل والحوار.”
- “استمعت إلى وجهة نظر رئيس الجمهورية بشأن التحديات الحاسمة التي تواجه إفريقيا والمنطقة ككل، بالإضافة إلى الفرص العديدة التي تنتظرنا.”
- “نتطلع إلى بذل المزيد من الجهود المشتركة لمواجهة التحديات في منطقة الساحل والعمل سوياً من أجل تعزيز السلام والاستقرار.”
- “نحن نقدر بشدة حوارنا المستمر، بينما نعمل معاً لمواجهة بعض من أصعب المشاكل في العالم، لا سيما خلال فترة عضوية الجزائر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.”
- “الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية لديهما مصلحة مشتركة من أجل عالم أكثر سلاماً واستقراراً.”
- “تحادثت مع رئيس الجمهورية ووزير الشؤون الخارجية حول الإمكانات الهائلة لتعزيز التعاون التجاري بين البلدين في قطاع الطاقة ومختلف القطاعات الأخرى.”
- “كانت زيارتي إلى الجزائر مثمرة للغاية، وأتطلع إلى استكشاف سبل التعاون المشترك من أجل مستقبل مشرق وسلمي.”