استدعاء قيس سعيّد للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة: رمزية اللحظة وإمكانية التحوّل الدبلوماسي
بقلم رئيس التحرير نزار الجليدي

يُعتبر استدعاء رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد للمشاركة في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة حدثًا ذا دلالة سياسية ودبلوماسية كبرى، خاصة مع تسجيل توقيت خطابه يوم 25 سبتمبر على الساعة التاسعة صباحًا بتوقيت نيويورك، أي في نفس اليوم الذي يصادف الذكرى الخامسة لقراره التاريخي يوم 25 جويلية 2021.
هذا التوقيت لم يأتِ بمحض الصدفة، بل يحمل رسالة رمزية مزدوجة: أولاً، تأكيد استمرار الحضور التونسي على الساحة الدولية رغم كل العزلة التي حاول البعض تسويقها؛ وثانيًا، الرد الضمني على الخطاب الذي يطعن في شرعية الرئيس ويتّهمه بـ”الانقلاب”، من خلال دعوة رسمية موجهة إليه من أعلى منبر أممي، وفي لحظة رمزية بامتياز.
صحيح أن حضور تونس في مثل هذه المناسبات أمر طبيعي، لكن السياق السياسي العالمي والإقليمي يجعل من هذه الدعوة حدثًا استثنائيًا، خاصة في ظل التسييس المتزايد للمنظمات الأممية وميولها نحو محاور بعينها. من هذا المنطلق، فإن توجيه الدعوة إلى الرئيس التونسي، وفي تاريخ رمزي كهذا، يحمل رسالة واضحة إلى الأطراف التي تراهن على ضرب شرعية الدولة التونسية من بوابة العلاقات الدولية.
لكن الأهم من كل ذلك ليس فقط في رمزية الحضور، بل في ما يمكن أن يُبنى عليه دبلوماسيًا. إذ تأتي هذه الدورة الأممية بعد مؤتمر مستقبل الدولة الفلسطينية يومي 28 و29 جويلية الجاري في نيو يورك، والذي تترأسه كل من فرنسا والمملكة العربية السعودية. ومن المنتظر أيضًا عقد قمة مصغّرة في سبتمبر المقبل، تسبق انطلاق الجمعية العامة، ويرجّح أن تشهد مبادرة فرنسية-سعودية لإعادة صياغة الموقف الدولي من الملف الفلسطيني.
وفي هذا السياق، تبرز فرصة تاريخية للدبلوماسية التونسية كي تعيد تموقعها كلاعب فاعل في الملف الفلسطيني، خاصة وأن موقف تونس المبدئي والمساند للحقوق الفلسطينية لطالما حظي باحترام واسع داخل الأوساط الأممية، فضلًا عن كون تونس لم تدخل في حسابات المحاور أو الصفقات المشروطة.
إذا أحسن الرئيس قيس سعيّد استثمار هذا الظرف الإقليمي والدولي، فإن تونس قد تكون في موقع ريادي للدفع نحو مبادرة سياسية جديدة تخرج الملف الفلسطيني من دائرة المزايدات الكلامية إلى أفق ديبلوماسي فعّال. وبالتالي، فإن الجمعية العامة المقبلة لن تكون فقط مناسبة لاستعراض المواقف، بل ربما تكون منطلقًا لتحول دبلوماسي تونسي نوعي، يعيد بناء الجسور مع محاور متعددة، ويمنح تونس صوتًا مسموعًا في لحظة إقليمية مفصلية.
سنعود لمتابعة تطورات الأيام الثلاثة الحاسمة التي ستشهدها نيويورك من 23 إلى 29 سبتمبر، حيث سيكون العالم في حالة ترقب… وتونس أمام اختبار.