لتقليص النفوذ الروسي في ليبيا …أوروبا تسعى للتفاوض مع حفتر

مع تصاعد التدخل الروسي في المشهد الليبي، تزايدت مخاوف الاتحاد الأوروبي من تمدد موسكو على حدود جنوب المتوسط، الأمر الذي يمسّ الأمن الأوروبي بشكل مباشر لاسيما في ما يتعلق بملف الهجرة، لذلك بات التوجه حتميا بالنسبة لبروكسل نحو الشرق وفتح قنوات التواصل مع المشير خليفة حفتر.
وقال مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية والهجرة، ماغنوس برونر، إنه ينبغي على بروكسل أن تظل مستعدة للتفاوض مع قائد قوات القيادة العامة حفتر، لإدارة أزمة الهجرة غير القانونية عبر ليبيا، في ظل القفزة الملحوظة لأعداد المهاجرين الوافدين إلى اليونان انطلاقا من الشرق الليبي.
ودعا برونر، في تصريحات لجريدة بوليتيكو الأميركية نُشرت الثلاثاء، الاتحاد الأوروبي إلى الاستعداد للتفاوض مع حفتر من أجل منع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من استخدام تدفقات الهجرة سلاحا ضد أوروبا.
نقطة ارتكاز لموسكو في جنوب المتوسط، مع قلق متزايد من فقدان السيطرة على المجال الحيوي الأوروبي. ولتجاوز هذا التحدي، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تبني سياسة موحدة وفعالة تجمع بين الدبلوماسية والأمن والتنمية في ليبيا.
وأضاف المسؤول الأوروبي في أعقاب قمة لوزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي “علينا الانخراط في ليبيا حيث تعزز روسيا نفوذها داخل البلاد وهو مثار قلق كبير بالنسبة إلينا، ولهذا السبب علينا أيضا التحرك.”
وتعكس هذه المخاوف تحوّل ليبيا إلى نقطة صراع على النفوذ بين القوى الكبرى، وتبرز فيها روسيا كطرف فاعل يسعى لتعزيز موقعه في شمال أفريقيا. حيث تسعى روسيا لتأمين نفوذ إستراتيجي في الهلال النفطي الليبي وعلى السواحل الغربية والشرقية، ما يمنحها قدرة على التأثير في سوق الطاقة الأوروبية.
وتعتبر بعض الدول الأوروبية أن النفوذ الروسي يُعقّد المسار السياسي المدعوم من الأمم المتحدة، ويعزز الانقسام بين الشرق والغرب. وأي زعزعة إضافية في استقرار ليبيا قد تؤدي إلى موجات جديدة من المهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا، وتمنح الجماعات الإرهابية مساحة جديدة للانتشار، وهو ما يثير قلقًا أمنيًا أوروبيًا كبيرًا.
وأوضح برونر “هناك بالتأكيد خطر من أن تستخدم روسيا المهاجرين وقضية الهجرة بأكملها سلاحا ضد أوروبا. هذا التسلح قائم بالفعل، وبالطبع نخشى أيضا أن تفعل روسيا الأمر نفسه في ليبيا.”
وتتركز المخاوف الأوروبية حول النفوذ الروسي، ومحاولة بوتين استغلال أزمة الهجرة من ليبيا كما فعل في شرق أوروبا، حيث شن ما وصفه مسؤولو الاتحاد الأوروبي بـ”حرب هجينة على الكتلة تتضمن تسليح الهجرة.”
وتتهم الدول الأوروبية روسيا وبيلاروسيا بتسهيل عمليات العبور غير النظامي للمهاجرين وطالبي اللجوء إلى بولندا وليتوانيا، بهدف الضغط على الحكومات الأوروبية.
وفي ما يتعلق بمصير المحادثات مع السلطات في شرق ليبيا، أشار برونر إلى وجود قنوات اتصال قائمة بالفعل على المستوى التقني مع ممثلي حفتر، وتعمل بشكل جيد للغاية.
وأضاف “القلق بشأن النفوذ الروسي في ليبيا لم يترك خيارا أمام أوروبا سوى التفاوض مع حفتر، وطرح خياراتنا على الطاولة في ما يتصل بدبلوماسية الهجرة. قد يستلزم ذلك ربط المحادثات بشأن الهجرة بقضايا، مثل مساعدات التنمية أو تسهيل حصول الليبيين على تأشيرات أوروبية.”
وتشير تصريحات برونر، إلى نية الاتحاد الأوروبي استئناف المحادثات مع حفتر، على الرغم من تحفظات لدى القادة الأوروبيين بشأن كيفية التعامل معه. وتأتي تصريحات برونر بعد أيام من أزمة دبلوماسية نتجت عن طرد برونر على رأس وفد أوروبي من مدينة بنغازي، وإعلان الحكومة المكلفة من مجلس النواب المسؤول الأوروبي “شخصا غير مرغوب به.”
الاتحاد الأوروبي ينوي استئناف المحادثات مع حفتر، على الرغم من تحفظات لدى القادة الأوروبيين بشأن كيفية التعامل معه
وأجرى برونر، إلى جانب وزراء من مالطا وإيطاليا واليونان، زيارة إلى العاصمة طرابلس، في الثامن من يوليو الجاري، حيث عقد نقاشات مع حكومة الوحدة الوطنية الموقتة بشأن الهجرة.
وتعليقا على الأزمة، قال برونر “في بنغازي، لم نعلم من هؤلاء الجالسين أمامنا. لم يكن الأمر واضحا بشكل كامل. لهذا السبب لم تنعقد المحادثات في النهاية.” لكنه أكد في الوقت نفسه استعداد بروكسل لمواصلة المحادثات بشأن أزمة الهجرة مع السلطات في شرق ليبيا في أي وقت، وقال “أعتقد أن هذا الأمر ضروري بشكل عاجل.”
وتعمل دول الاتحاد الأوروبي، ولاسيما إيطاليا واليونان، انطلاقا من شعور متنامٍ بالقلق إزاء قفزة ملحوظة في أعداد المهاجرين الوافدين عبر البحر المتوسط من ليبيا.
وفي حين انخفضت عمليات العبور غير النظامية إلى الاتحاد الأوروبي 20 في المئة في النصف الأول من العام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ازدادت أعداد الوافدين عبر طريق وسط البحر المتوسط من شمال أفريقيا، مما جعل هذا المسار هو الأكثر ازدحاما على الإطلاق، حيث مثّل 39 في المئة من إجمالي الوافدين غير النظاميين.
وقررت الحكومة اليونانية تعليق طلبات اللجوء للمهاجرين القادمين من شمال أفريقيا ثلاثة أشهر على الأقل، وهي خطوة قوبلت بانتقادات واسعة من قِبل منظمات حقوق الإنسان.
ومن المقرر أن يناقش وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي، في قمة غير رسمية الثلاثاء بكوبنهاغن، أزمة الهجرة غير القانونية من ليبيا وكيفية إدارتها. وتظل ليبيا مثار قلق، خاصة بالنسبة إلى دول الاتحاد الأوروبي، مع وجود أكثر من 600 ألف مهاجر داخل البلاد، بحسب بيانات مفوضية الأمم المتحدة للهجرة.
ويواجه الأوربيون جملة من التحديات في هذا المجال على رأسها تباين المواقف داخل الاتحاد حيث تختلف أولويات فرنسا، إيطاليا، وألمانيا بشأن ليبيا، مما يضعف وحدة الموقف الأوروبي. كما أنه بالمقارنة مع روسيا وتركيا، لا تملك أوروبا أدوات ضغط قوية على الفاعلين المحليين في ليبيا. وصعود موسكو وبكين مقابل تراجع نفوذ واشنطن، وضع أوروبا أمام واقع جديد يصعّب من قدرتها على السيطرة على جوارها الجنوبي.