مضيق هرمز بين التصعيد والردع: إيران تلوّح بخنق شريان الطاقة العالمي...تداعيات ذلك؟ - صوت الضفتين

مضيق هرمز بين التصعيد والردع: إيران تلوّح بخنق شريان الطاقة العالمي…تداعيات ذلك؟

في لحظة تُعد الأخطر منذ عقود على مستوى الخليج والمنطقة، تقف إيران على مفترق استراتيجي بالغ الحساسية. فبعد الضربة الأميركية المفاجئة التي استهدفت مفاعل “فوردو” النووي مساء 22 يونيو 2025، دخل المشهد مرحلة جديدة من التصعيد، حيث لم يعد الحديث عن التهديدات النظرية، بل عن قرارات قابلة للتنفيذ في أي لحظة. وفي قلب هذه التطورات، يبرز ملف مضيق هرمز، لا كعنصر جغرافي فقط، بل كسلاح استراتيجي في يد طهران قادر على تغيير قواعد اللعبة الدولية.

مضيق هرمز ليس مجرد ممر مائي، بل هو شريان الاقتصاد العالمي الذي تمر عبره نحو ثلث صادرات النفط المنقولة بحراً. تعطيله لبضعة أيام فقط قد يؤدي إلى اضطرابات شاملة في أسواق الطاقة، خاصة لدول شرق آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند، التي تعتمد اعتماداً شبه كامل على نفط يمر من هناك. ومع تصاعد التهديدات، لم تعد التكهنات الاقتصادية بعيدة عن الواقع، بل تحذّر مؤسسات دولية كـ”بلومبيرغ” من أن أسعار النفط قد تتجاوز 200 دولار للبرميل، إذا قررت إيران المضي في خيار الإغلاق.

الرد الإيراني على ضرب “فوردو” لم يأتِ حتى الآن بصيغة عسكرية مباشرة، لكنّه تجسّد في قرارات سياسية حاسمة: البرلمان الإيراني صوّت بأغلبية ساحقة على منح القيادة العليا الضوء الأخضر لإغلاق مضيق هرمز، في خطوة وُصفت بأنها الأولى من نوعها بهذا الوضوح منذ سنوات. تزامن ذلك مع تحركات عسكرية بحرية واسعة، شملت تفعيل “خطة الطوارئ 77” الخاصة بالانتشار البحري، والتي تتضمن نشر ألغام ذكية، زوارق هجومية، وطائرات مسيّرة انتحارية، إضافة إلى أوامر مباشرة برفع الجاهزية القصوى لوحدات الحرس الثوري وتعديل قواعد الاشتباك.

هذه التحركات لم تأتِ بمعزل عن التصريحات السياسية النارية التي أطلقها كبار المسؤولين. فحسين شريعتمداري، ممثل المرشد الأعلى، صرّح بأن “المضيق لن يبقى مفتوحاً للسفن الأميركية والبريطانية والفرنسية إذا استمرت الاعتداءات”، فيما شدد وزير الخارجية عباس عراقجي على أن “جميع الخيارات مطروحة، بما في ذلك إغلاق المضيق، رداً على أي عدوان يمس منشآت إيران الحيوية”.

المفارقة أن الغرب لا يزال يتعامل مع هذا التهديد باعتباره ورقة ضغط إيرانية تقليدية، لكن الواقع على الأرض يقول غير ذلك. التصريحات الرسمية، الإجراءات البرلمانية، والخطط العسكرية المفصلة، تؤكد أن الإغلاق لم يعد تهديداً محتملاً، بل سيناريو مطروح بقوة على طاولة التنفيذ، إذا استمرت الضربات الأميركية أو الإسرائيلية ضد الداخل الإيراني.

وفي ظل هذا التوتر، لا يمكن تجاهل المخاطر الكبرى على الاقتصاد العالمي. فوفق خبراء الاقتصاد، فإن أي إغلاق مؤقت للمضيق سيؤدي إلى اضطرابات عنيفة في أسواق المال، خاصة في آسيا وأوروبا، وسينقل العالم سريعاً إلى حالة من “الركود التضخمي” في وقت لم يتعافَ فيه بالكامل من أزمات متتالية، أبرزها جائحة كورونا وحرب أوكرانيا.

لكن خلف كل هذه التفاصيل، تقف عقيدة الردع الإيرانية التي تعتبر أن الحرب لم تعد محصورة في إطلاق الصواريخ، بل في القدرة على تحريك المفاتيح الحيوية للنظام الاقتصادي العالمي. ومن هذا المنطلق، تقول طهران بلغة صارمة: “إذا كان ردنا بالصواريخ يؤلمكم، فانتظروا قرارنا بإغلاق مضيق هرمز… حينها سيتوقف قلب الاقتصاد العالمي عن النبض.”

هنا لم تعد المسألة لعبة عضّ أصابع أو تبادل تهديدات، بل مسألة سيادة وطنية ومكانة إقليمية تتحدى كل قواعد الهيمنة التقليدية. فإما أن يعود الغرب إلى طاولة الحوار على أساس الاحترام المتبادل، أو أن يواجه واقعاً جديداً يبدأ من مياه الخليج ولا أحد يعلم أين ينتهي.

*مضيق هرمز في سطور

  • الموقع الجغرافي: يفصل بين السواحل الجنوبية لإيران والسواحل الشمالية الشرقية لسلطنة عُمان، ويُعد البوابة البحرية الوحيدة للخليج العربي نحو بحر العرب والمحيط الهندي.

  • الأهمية الاستراتيجية: يُعد المضيق أحد أكثر الممرات البحرية حيوية في العالم، حيث يمر عبره ما بين 17 إلى 20 مليون برميل من النفط يوميًا، أي ما يعادل نحو 30% من إجمالي صادرات النفط المنقولة بحرًا عالميًا، وفق بيانات وكالة الطاقة الدولية.

  • الحركة التجارية: يعبر المضيق أكثر من 1,200 ناقلة نفط سنويًا، إلى جانب ناقلات الغاز الطبيعي المسال، حيث تُصدر قطر وحدها عبره حوالي 77 مليون طن سنويًا من الغاز المسال (حوالي ربع تجارة العالم في هذا القطاع).

  • أبعاده الملاحية: يبلغ عرضه نحو 33 كيلومترًا، لكن الممرات المخصصة للملاحة البحرية لا تتجاوز 3 كيلومترات للذهاب و3 كيلومترات للعودة، يفصل بينهما منطقة عازلة بطول 3 كيلومترات أيضًا.

  • الدول الأكثر تأثرًا: تعتمد كليًا أو جزئيًا على المضيق في وارداتها النفطية دولٌ كبرى مثل الصين (44% من وارداتها النفطية)، الهند (80%)، كوريا الجنوبية (59%)، واليابان (66%).

  • التهديدات المتكررة: يعتبر المضيق نقطة توتر دائمة، خصوصًا في ظل العقوبات الغربية على إيران. وسبق لطهران أن هددت بإغلاقه عدة مرات، خصوصًا خلال أزمات 2008، 2012، والآن في تصعيد 2025.

  • الوضع القانوني: يُعد المضيق ممرًا دوليًا وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (1982)، إلا أن إيران تُصر على أنه يمر ضمن مياهها الإقليمية، وتحتفظ بحق السيادة عليه ضمن شروط الردع والدفاع عن النفس.

* المصادر والمراجع:
وكالة رويترز، تقرير 13جوان 2025، حول مقتل قائد الحرس الثوري في ضربة إسرائيلية.

صحيفة نيويورك بوست، تقرير 22 جوان 2025، حول قرار إيران بإغلاق مضيق هرمز.

وكالة تايمز أوف إنديا، تقرير 22 جوان 2025، حول تصويت البرلمان الإيراني وخطط المجلس الأعلى للأمن القومي.

صحيفة كيهان الإيرانية، تصريح حسين شريعتمداري بتاريخ 22 جوان 2025.

وكالة إرنا، مؤتمر صحفي لعباس عراقجي، 22 جوان 2025.

وكالة نور نيوز، تقرير خاص حول خطة الانتشار البحري رقم 77، 22 جوان  2025.

مؤسسة بلومبيرغ، تقرير اقتصادي، 21 جوان 2025، عن تأثير إغلاق مضيق هرمز على الاقتصاد العالمي.

صحيفة فايننشال تايمز، تقرير 20 جوان 2025، عن توتر مضيق هرمز وتأثيره

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

French