الأطفال التونسيون و الأفارقة ضحايا الهجرة السرّية : خطر الموت يتهددهم و استغلال تجّار البشر يترصّدهم - صوت الضفتين

الأطفال التونسيون و الأفارقة ضحايا الهجرة السرّية : خطر الموت يتهددهم و استغلال تجّار البشر يترصّدهم

ريم بالخذيري

 

على امتداد ثلاثة آلاف سنة، كانت ولاتزال تونس منطقة عبور وأحد أهم شرايين البحر الابيض المتوسط الذي يربط جنوبه بشماله .وكانت منطلقا وممرّا مهمّا للتّجارة البينية و حركات الهجرة.
من الحضارة البونيّة والرومانيّة ووالندالية والبيزنطية ثم الحضارة العربية إلاسلامية فالعثمانية والحسينية وصولا لزمن الحماية الفرنسية أين نشطت حركات التحرر الوطني حيث كانت نقطة الوصل بين الجزائر و ليبيا والمغرب.
وحافظت تونس على نفس الصورة منذ استقلالها سنة 1956 و لغاية 2010 أين كانت الهجرة عاملا منشّطا للاقتصاد ووضعت تونس في قلب المتوسّط .ويحسب لتونس أنها كانت أوّل بلد جنوب متوّسطي يُبرم اتفاق شراكة أورومتوّسطية مع الاتحاد الأوروبي في 17 جويلية 1995 والذي دخل حيز التنفيذ في 01 مارس 1998. و اتفاق تجاري سياسي ثقافي يهدف إلى تعزيز علاقات التعاون في جميع المجالات وإلى إرساء منطقة للتبادل الحر بين الجانبين وتبادل الخبرات و اليد العاملة المختصة.
وفي المحصّلة كانت الهجرة ومخرجاتها لغاية التاريخ المذكور (2010) خير كلها لتونس غير أنها لم تعد كذلك بل انّها تحوّلت الى عبء على تونس وذلك بعد تنامي ظاهرة الهجرة السرّية و بعد تحوّل تونس الى منطقة عبور للمهاجرين السريين من مختلف الدول الافريقية .
أرقام صادمة
بحسب الأرقام الرسمية لمعهد الدراسات الاستراتيجية فان أكثر من 40ألف تونسي ركبوا البحر و هاجروا سرّا بين سنة 2011 و2017 منهم 26ألفا في سنة 2011.
وفي اخر تحيين فقد وصل منذ بداية سنة 2022 والى حدود موفى شهر ماي من نفس السنة، 2206 مهاجرا أي بنسبة 11 بالمائة من جملة الواصلين الى ايطاليا من جنسيات أخرى.و بلغ عدد المجتازین الذین تم منعھم من الهجرة السرية في نفس الفترة 24116 مھاجرًا.
القاصرون”الحارقين” من و الى تونس
من الملاحظ أن الهجرة السرّية للقاصرين تحدث من و الى تونس و قد بدأت بالتنامي بشكل مقلق و خطير ونحن في المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسّط نبذل جهودا كبيرة في الوصول للأرقام الصحيحة كما نحمل على عاتقنا ما أمكننا ذلك الاحاطة بهؤلاء القصّر سواء من الأفارقة المتواجدين في تونس أو من التونسيين في مراكز الايواء في الخارج وخاصة في ايطاليا .
وينقسم المهاجرون السرّيون القصّر في تونس الى فئات شتّى نلخصها في فئتين كبيرتين تختزلان بدورهما فئات أصغر .
الفئة الكبرى الأول:
*الأطفال التونسيون المهاجرون سرّا من تونس نحو ايطاليا أو اسبانيا (عبر المغرب) و ينقسمون بدورهم الى:
– فئة تجبر على الهجرة وركوب قوارب الموت من طرف الأب و الأم أو أحدهما وهو ما يعرف في مجتمعنا ب”الحرقة العائلية” وتشير آخر الأرقام أنّ 655قاصرا وصلوا مع مرافق مقرّب واحد على الأقل خلال سنة 2021.وتتراوح أعمارهم بين السنتين و 14سنة.وقد سجّلت في هذا الاطار عديد الحوادث المميتة و التي ذهب ضحيتها أطفال ورضّع لاذنب لهم سوى أنهم أبناء لأولياء لامسؤولين مع الأسف.
وهنا نذكر بكل ألم حادثة وفاة عائلة رضا بن ميزوني بن الطاهر البوكحيلي أصيل معتمدية فرنانة من ولاية جندوبة في 22جوان 2022 و التي راح ضحيتها الزوج والزوجة الحامل و ابنهما 10سنوات وابنتهما 12سنة.وهي عيّنة لهاته الظاهرة الخطيرة.
-فئة تهاجر سرّا و اختياريا أو بمساعدة الاولياء ماديّا وقد بلغوا 1421قاصرا في نفس الفترة المذكورة آنفا وصلوا لمراكز ايواء القصّر في ايطاليا . والملاحظ في هاته الفئة أن اعمارها تتراوح بين 14و17سنة وتتمّ امّا بالمساعدة المادية من الأولياء أو بدفع منهم .
و امّا تكون اختياريّا و أغلبهم من العاملين العرضيين في القطاعات المهمّشة و الذين يستقطبهم و يغريهم تجار البشر و منظمو رحلات الهجرة السرّية فيقدمون على “الحرقة” دون اعلام عائلاتهم .ومنهم الكثير من المفقودين الى حد اليوم.
وبالمناسبة فنحن نطالب بتدخل الحكومة التونسية في هذا الاطار لإقناع الأوربيين و خاصة الايطاليين و الاسبان بمنحنا و منح الناشطين في هذا المجال التراخيص الضرورية .
كما نطالب الدولة التونسية بحثّ الشركاء الأوربيين احترام المعاهدات الممضاة في مجال مقاومة الهجرة السرية وخاصة فيما يتعلّق باحترام حقوق القصّر في مراكز الايواء و التي تنعدم فيها المعاملة الانسانية و يكثر فيها الاستغلال و التحرّش ما يجبر البعض من هؤلاء القصّر على الفرار من هذا الجحيم مع ما يرافق ذلك من أخطار كبيرة تهددهم تصل لحد التعرّض للقتل مثل حادثة الطفل التونسي “قصي الظويفي” البالغ من العمر 17سنة و الذي توفّي في ظروف غامضة في أحد مراكز أطفال القصّر. و الشبهات تحوم حول تعرضه للعنف الشديد مما أدى إلى الوفاة وإمكانية تعرض الضحية إلى الإختناق مما أدى لأزمة قلبية إثر مشادة كلامية بينه وبين المشرفين على المركز .
قصّر أفارقة في تونس
بدأت ظاهرة خطيرة في التنامي بتونس وهي الهجرة السرّية لأطفال قصّر صحبة عائلاتهم أو بمفردهم من دول جنوب الصحراء الى تونس .
و الملاحظ أن هاته الهجرة السرّية يشرف عليها سماسرة دوليون و بالتنسيق مع سماسرة في تونس و ترتقي لجريمة الاتجار بالبشر.
و كانت تعدّ تونس منطقة عبور لهؤلاء لكن مع التضييقات الأمنية التونسية الكبيرة و احباط الكثير من هاته الرحلات تحوّلت تونس من منطقة عبور الى منطقة لجوء مؤقّت .
الأطفال الحارقون من جنوب الصحراء نحو تونس كان عددهم ضئيلا و كان العدد أقلّ من عشرة أطفال سنويّا ولكن اليوم وصل الى 400طفلا ومن المتوقع أن يتضاعف العدد.
و السبب في تنامي هاته الظاهرة هي رغبة هؤلاء القصر و الذين تترواح أعمارهم بين 15و17سنة في الهجرة لأوروبا عبر تونس التي يقضون فيها فترات تترواح بين الست أشهر و السنة يحاولون بلوغ مرادهم وهم يعرفون أن تونس من أكثر الدول الضامنة لحقوق الطفل في افريقيا.
فيقومون بالفرار من مراكز الايواء و ينتشرون في المدن التونسية و الشوارع و يشتغلون في أعمال شاقة وفي ترويج المخدرات حتى تحوّلوا الى قنابل موقوته تهدّد السلّم الاجتماعي في تونس.
وهنا نسوق دليلا على ذلك جريمة القتل الأخيرة التي أقدم عليها طفل افريقي يبلغ من العمر 17سنة في حي الزهروني بالعاصمة والتي راح ضحيتها شاب تونسي في العقد الثالث من العمر و ذلك بسبب خلافات على علاقة بعالم الاجرام و الجريمة.
هذا بالإضافة الى ايداع عدد من الأطفال القصّر في سجون مدنية بسبب عدم تحوّز هؤلاء على أوراق هويةّ تثبت أعمارهم الحقيقية.مع ما يصاحب ذلك من تهديد مباشر لهؤلاء القصّر.
اننّا نعتبر أن ظاهرة الهجرة السرّية للقصّر بأنواعها التي ذكرنا لاتهدّد جيلا كاملا فحسب و انما تهدّد المجتمع بأسره وتعرّض السّلم الاجتماعي للخطر.

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *