تونس بين فقدان القيمة و أزمة القيم.... - صوت الضفتين

تونس بين فقدان القيمة و أزمة القيم….

بقلم ريم بالخذيري

 

التّشخيص لما تمرّ به تونس من أزمات منذ 2011 و بعد 25جويلية 2021 ينحصر بين الخبراء و الملاحظين على الجوانب الاقتصادية و على التضخّم و الاحتكار و المؤامرات .وهذه حقيقة لكنّها لا تترجم الأزمة الحقيقية التي تعيشها البلاد. فهذه كلها نتائج موضوعية لأسباب حضارية و ثقافية لا يقع التطرّق اليها و هي من قبيل المسكوت عنه في مجتمعنا.
ولا يمكن تخطّي هاته الازمة المادية الجاثمة على الصدور قبل معالجة العوامل الثقافية المؤدّية اليها.
ومن المعلوم أنّ كل مجتمع عموده الفقري هو القيمة و القيم فهما المحرّكان للاقتصاد و للسياسة و للاجتماع .وكلما تراجعا أو انحسرا كان تأثيرهما كبيرا على مسيرة التنمية.وهو ما يحدث عندنا حيث فقدت قيمة العمل فضلا عن عيش أزمة قيم لا تخفى على أحد.
فماهي أهمية قيمة العمل و دور القيم في تطورّ المجتمعات؟
مفهوما القيمة و القيم متشابهان بل ان القيم هي جمع للقيمة لكن ما نتحدّث عنه هو القيمة بمفهومها الاقتصادي (Valeurs) و القيم بمفهومها الانساني و الاخلاقي (Valeurs éthiques) .
فالقيمة التي نتطلّع لوجودها في مجتمعنا هي ضرورة الاحساس بقيمة العمل و قيمة الشيء المنجز .حيث أن العمل فقد قيمته عند أغلب التونسيين وتحوّل الى واجب ثقيل وروتين يومي وهو ما يجعله دوما منقوصا .
غير أنّ العمل،هو من المتطلّبات الأساسيّة والضرورية في الحياة، وقيمته لا تكمن في مجرّد الحصول على الدخل المادي لسدّ رمق العيش، وإنما في قيمته المعنوية، فهو يُشكّل كيان الإنسان ويعطيه هدفاً سامياً لوجوده في الحياة.
وبالتالي لايمكن حصر قيمة العمل في وزارة تشرف على شؤونه كوزارة الشؤون الاجتماعية في تونس ووزارة العمل في دول .وقيمته ليست منحصرة في يومٌ عالمي يحتفل فيه ، فقيمة العامل من قيمة العمل الذي يقوم به مهما كان مهمّا أو أقلّ أهمّية.
ولاتقاس قيمة العمل بعدد ساعاته على أهميتها حيث رصدت دراسة دولية أعدت في 2017 أجريت لرصد متوسط ساعات العمل السنوي بين شعوب العالم والتعرف على الشعوب الأكثر عملًا وأوضحت أن متوسط ساعات العمل السنوي حسب تعريف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هو 1766 ساعة.في حين تبلغ متوسط ساعات العمل في تونس 2400ساعة غير بعيدة من المكسيك صاحبة ساعات العمل الأكبر ب المكسيك 2255 ساعة.مقابل ساعات أقل في دول متطورة حيث بلغت في الولايات المتحدة الأمريكية 1783 ساعة و إيطاليا 1730 ساعة و، اليابان 1713 ساعة و فرنسا 1472 ساعة، ألمانيا 1363 ساعة.وسويسرا بين 42و45ساعة أسبوعيا.
وفي المحصّلة فانّ العمل دون قيم يفقد قيمته فلا عمل يمكن أن يكون ذو فائدة مالم تصاحبه الثقة و التفاني و الحب فهو يصبح مجرّد حركات نقوم بها لا طائل من ورائها بل يكون تأثيره على المجتمع سلبيا و يصبح عامل جذب الى الوراء وسببا من أسباب التخلف و الفقر.
والقيم هي أساس القيمة بمفهومهما الاقتصادي وتكمن أهمية القيم بأنها أساس الحياة الانسانية، وهي عصب القواعد التي توجه الإنسان بشكل عام إلى السلوكيات الجيدة والعمل الجيّد، وهي ذاتها تقريبا بين كل الشعوب و الحضارات لكن ما يجعلها مفيدة هو مدى تمسك الفرد و المجموعة بها .
وهي تعكس درجة إحساس الشخص بالصواب والخطأ أو ما «يجب» أن يكون. وهي أساس المساواة في الحقوق للجميع وما يترتّب عنها من عدالة اجتماعية و جبائية و تساو أمام القانون .
وفي المحصّلة فإننا في تونس بحاجة الى احياء القيمة و القيم و اللتان تأثرتا بشكل كبير بالأزمة الاقتصادية الخانقة .وغرسها في أطفالنا وفي مناهجنا التربوية فلا سبيل الى أي اصلاح يستبعد هاتين القيمتين العمود الفقري لكل المجتمعات.

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق