المحامون خذلوا التونسيين ومطالب بتطهير القطاع … أي وجاهة لهذه المطالب؟ !
بقلم ريم بالخذيري
قطاع المحاماة في تونس يعدّ من أكثر القطاعات اثارة للجدل فهو من حيث الكمّ و الكيف يضم نخبة القوم وحرّاس العدالة ونصراء الضعفاء .
ومردّ الجدل أن المحامين لم يكونوا دوما في حجم اللحظة التاريخية و لم يفهموا التحوّلات الاجتماعية المتسارعة و العميقة ويقيت علاقتهم بالمجتمع و بالسياسة و بالإعلام علاقة براغماتية فيها من النرجسية و الأنانية الشيء الكثير وهم الأكثر كيلا بمكيالين في التعامل مع القضايا الوطنية رغم أنهم الأكثر استفادة في تونس ما بعد 2011 حيث كان النصيب الأوفر من المناصب الحكومية لهم و كذلك اقتحم عدد منهم مجال الاعلام وضيّقوا على أهل المهنة وشوهوه بقصد أو دون قصد.
هذا دون أن ننسى التضامن القطاعي الذي يقدّ على المقاس والذي ظهر في حادثة سنية الدهماني و حرم منه آخرون من نفس المهنة .
ما حدث بدار المحامي يوم 10ماي2024 يعدّ سابقة خطيرة و كشف حجم الخور الذي يعيشه قطاع المحاماة حيث احتمت محامية غير مباشرة تشتغل محللة في الاعلام صادرة فيها بطاقة جلب قضائية بهذا المقر للتفصّي من التحقيق معها .و الأغرب هو القرار الغريب الذي اتخذه المحامون بإقرار اضراب عام في محاكم تونس يوم الاثنين 13ماي 2024تضامنا معها ورفضا لتدخل قوات الامن لإخراجها من هناك وتقديمها للعدالة .فهذا القرار يعدّ قمّة العبث حيث أن لجوء المذكورة كان الدهماني بصفتها الإعلامية وقضيتها تتعلق بصفتها هذه و ليست بمهنتها كمحامية للاحتماء فيها للظهور بمظهر الضحية حينما تم ّ اقتحام الامن لتنفيذ بطاقة الجلب في حقها فهي و المحامون يدركون جيدا أن أمر تواجدها هناك غير قانوني و أن عملية الاقتحام ستتم بين الفينة و الأخرى لكنه سيناريو معدّ سلف لاختبار مدى قوة الدولة .
فالسيدة سنية الدهماني كغيرها لايمكن أن تحتمي بهيكل رسمي أو شبه رسمي .ثمّ الى متى كانت تتصور أنها ستبقى مرابطة هناك فما حصل كان سيحصل و جلبها كان بأمر قضائي.
هذا الحدث و الفوضى التي حدثت خطّط ولم تكن اعتباطا وما حضور وسيلة اعلام اجنبية لتغطية الاحتقان على المباشر سوى تأكيد على أن الامر دبّر ليل كما يقول المثل العربي.
محامون وراء القضبان
من المفارقات في تونس أن حماة القانون هم أكثر خرقا له حيث يعتبر قطاع المحاماة الأكثر فسادا في تونس و عدد المحامين المودعين السجن يثبت ذلك فهؤلاء يستغلون زي المحاماة المقدّس ليتحصلوا على مناصب وزارية و مناصب سامية في الدولة و بحكم درايتهم بالقوانين وثغراتها يقومون بالتربّح الغير المشروع وخدمة مصالحهم الذاتية و نسج علاقات مشبوهة بالخارج و التآمر على الدولة .
كما أن معاناة المتقاضين مع عدد من المحامين لا تحصى و لاتعدّ و ليس المجال هنا لتعدادها لكن من المهم التنويه على أن هذه العلاقة يستنزف فيها المتقاضي و ما يطلبه المحامون من أتعاب في قضايا بسيطة أصبح لايطاق فمجردّ استشارة تكلّف المواطن لدى المحامي بين 100و150دينار .كما أنّ عددا كبيرا من القضايا في التحيّل على الحرفاء مرفوعة في حق محامين والهيئة الوطنية للمحامين تكتفي في مثل هذه الحالات بقرارات تأديبية لاترتقي لمستوى الجريمة وقرارات عقوبات الاحالة على عدم المباشرة مؤقّتا يتم الالتفاف عليه من طرف المحامين حيث يبقى مكتب المحامي المعاقب مفتوحا لاستقبال الحرفاء و يقوم زميل آخر بالترافع بدل المحامي المعاقب .
أمّا الشطب نهائيا من المهنة فهو قرار وان كان متاحا للهيئة المذكورة لكنه لا يعتمد .
مطالب بالتطهير
حادثة دار المحامي التي تحدّثنا عنها و الاشراب العشوائي الذي أقره المحامون لم يجلب للمحامين التعاطف الشعبي المرغوب انمّا تعالت الأصوات بضرورة المحاسبة و تطبيق القانون على الجميع دون تمييز .كما أضاءت هذه الحادثة الجانب المظلم في المحاماة المتمثل في التحيّل و الابتزاز و الاضرار بالحريف وهو ما جعل البعض يدعو الى تطهير قطاع المحاماة مثلما تمّ تطهير القضاء الذي بدأ في التعافي .
فلا يمكن التحدث عن مرفق مثالي للعدالة في ظل ضلع مهم فيه معوجّ وهو ضلع الثالث المحاماة الى جانب القضاء و المتقاضي.
فهذه المهنة كانت ولاتزال و ستظل مقدّسة و الخيرون فيها والعاملون وفي أخلاقياتها ونواميسها أكثر بكثير من الذين تحدثنا عنهم و بالتالي فالاصلاح ممكن شرط أن تفتح الهيئة الوطنية للمحامين ومختلف فروعها الباب للمصلحين و المتصالحين مع ذواتهم ومهنتهم و تغلق الباب في وجوه من يثبت إساءتهم للمهنة وتتبرّأ ممّن يحاولون تسييس المحاماة .
المحاماة التونسية في سطور
نظّم المشرع التونسي مهنة المحاماة بعديد القوانين والأوامر حاولت أن تواكب التطور المجتمعي أهمها القانون عدد 87 لسنة 1989 المؤرخ في 7 سبتمبر 1987 والذي تم تعويضه بالمرسوم عدد 79 لسنة 2011 المؤرخ في 20 أوت 2011 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة.
ويتجاوز عدد المحامين في تونس الآن 8000 محام يتوزعون على12 فرعا جهويا. وتختلف وضعيات المحامين بين متمرنين ومحامين لدى الاستئناف ومحامين لدى التعقيب ويمارسون مهامهم إما في مكاتب منفردة أو مكاتب جماعية أو في إطار شركات للمحاماة.
وقد كانت للمحاماة التونسية دور بارز في مقاومة الاستعمار وفي النضال من أجل نصرة قضايا محقة حتى في فترة الرئيس الحبيب بورقيبة وبن علي فقد كانت في مقدمة المدافعين عن الموقوفين في القضايا الكبرى وخاصة منها المتعلقة بالاحتجاجات الشعبية وخاصة في 2011.
يتمتع المحامي بحصانة نص عليها الفصل 47 من المرسوم عدد 79 المؤرخ في 20 أوت 2011 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة وجاء فيه: “لا تترتب عن الأعمال والمرافعات والتقارير المنجزة من المحامي أثناء مباشرته لمهنته أو بمناسبتها أية دعوى ضده.ولا يتعرض المحامي تجاه الهيئات والسلطات والمؤسسات التي يمارس مهنته أمامها، إلا للمساءلة التأديبية وفق أحكام هذا المرسوم”.
و ينظر القضاة بريبة إلى مبدأ حصانة المحامي، ويتمسكون بأن تلك الحصانة أصبحت موازية لعدم المؤاخذة واستغلها المحامون كعذر للتعدي على القضاة خلال الجلسات العمومية إذ يستنكر القضاة تعمد عدد من المحامين إفشاء سرية التحقيقات ونسبة اتهامات لهم بعدم الحياد والضعف المهني بوسائل الإعلام للتأثير على قراراتهم دون أن يكون القضاة قادرين على ردّ التهم بسبب التزامهم بواجب التحفظ. فالمحامي بات فوق المؤاخذة القانونية حسب القضاة فلا يمكن أن يتم تتبعه من أجل تقاريره ومرافعاته ولو كان في تلك المرافعات والتقارير تعدّي ينال من حقوق المتقاضين أو كان فيها اعتداء مباشر على مجلس القضاء.
وعادة ما يتم سوء استغلال هذه الحصانة من طرف المحامين ويتحصنون بها حتى خارج المحاكم مثلما وقع في دار المحامي أو في حادث اقتحام مطار تونس قرطاج الشهيرة من قبل عدد من المحامين و التعدي على أعوان الامن في مارس 2021.