ورقة تاريخية رحلة الدساتير التونسية مع التنقيحات و الاستفتاءات ضرورة حتمية أم شهوات ذاتية
بقلم:نزار الجليدي
منذ تأسيس الجمهورية التونسية في 20 مارس 1956 حكمت تونس بدستورين و دستور صغير و بينهما تنقيحات و تعديلات و استفتاءات فيها من اقتضته الضرورة الحتمية و أغلبها خضع لشهوات ذاتية لاعلاقة لها بمصالح الشعب .
وفيما يستعدّ التونسيون للمصادقة على ثالث دستور للبلاد و الذي سيؤسس لجمهورية جديدة نتعرّض في هاته الورقة الى تاريخ الدساتير في تونس و أبرز التنقيحات التي حدثت على بعضها .
دستور 1959 وبناء الدولة
لم يكن ميلاد أول دستور لتونس المستقلّة بالأمر الهيّن فقد تواصلت كتابته لثلاث سنوات كاملة من 1956 إلى حين الامضاء عليه من طرف الحبيب بورقيبة في 01جوان 1959، وقد تخللت إعداده نقاشات ساخنة بسبب تباين الرؤى بين نواب المجلس القومي التأسيسي و بين نواب الحكومة من جهة ونواب إتحاد الشغل والنواب المستقلون وكان أبرزهم الدكتور محمود الماطري .
وكان هذا الدستور مطلبا ملحا للحركة الوطنية.. لذلك وبعد أيام قليلة من الإعلان عن استقلال تونس تم انتخاب المجلس القومي التأسيسي الذي عهدت له مهمة إعداده.وورد في 78فصلا.
وبعد اقراره لم يصمد الدستور حيث كان عرضة للتنقيحات، إلى أن تم سنة 1975 تفجيره برمته بإقرار الرئاسة مدى الحياة. وكان ذلك نتيجة حتمية لعدم توفر من يراقب دستورية القوانين وه ما جعل القوانين أعلى من الدستور الذي ظلّ ظل نصا تراثيا ولم يكن نصّا مؤسسا حيث أنّ نصوصا دستورية أخرى سبقت إعداد الدستور على غرار مجلة الأحوال الشخصية التي نص الدستور على ضرورة احترامها وبالتالي فقد نزلها منزلة دستورية.
وهذا ما أدّى الى خلق الجسم القانوني للدولة قبل الرأس.وهو ما يفسّر ضعف هذا الدستور وعدم صموده أمام رغبات و شهوات الحكام.
دستور بورقيبة
دستور 1959 هو دستور الحبيب بورقيبة بامتياز والترجمة السياسية لرغبة الزعيم الذي استجاب لمناشديه في مؤتمر حزبه سنة 1974 بتولي الرئاسة مدى الحياة .حينها قال “هذا الاقتراح عُرض عليّ منذ عام 1959 في المجلس التأسيسي فرفضته، ثم عُرض في المؤتمر الماضي، إلّا أنّه كان هناك من يضايقه هذا الاقتراح، والآن أنا مستعدّ لقبوله إن كان بالإجماع وأنا من خُلقت في خدمة الشعب”، وسرعان ما ترجمت هذه الكلمات الى تنقيح للدستور في فصله عدد 39 المؤرخ في 19 مارس 1975 جاء فيه: “وبصفة استثنائية، واعتبارا للخدمات الجليلة التي قدّمها المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة للشعب التونسي، إذ حرّره من ربقة الاستعمار، وجعل منه أمة ودولة مستقلّة وعصرية كاملة السيادة، يعلن مجلس الأمة إسناد رئاسة الجمهورية مدى الحياة إلى الرئيس الحبيب بورقيبة”.
وقد شكّل هذا التنقيح بداية النهاية لحكم بورقيبة بعد أن تحوّلت البلاد لشبه ضيعة محكومة من الحاشية بتوجيه من قوى خارجية.وبدأ شيئا فشيئا عزل الزعيم في قصره واكتفاءه بالتقارير المغلوطة التي تصور الحياة وردية و المعارضين خونة وكان لابدّ من عملية جراحية للبلد العليل فكان “الانقلالب الناعم” للرئيس زين العابدين بن علي .الذي استقبله الشعب مساء 07نوفمبر 1987 بكثير من الفرح و التهليل .لكنه استغل هطا الزخم الشعبي لتبيت أركان حكمه ثم تأسيس دستوره الخاص.
دستور بن علي
لم يعمد الرئيس زين العابدين بن علي الى تغيير دستور 1959 بل اتّجه لتطويعه لصالحه و قدّد على مقاسه مستعملا آلية الاستفتاء الشعبي الشكلي في يوم 26 ماي 2002 على الاستفتاء . لإنهاء حد للولايات الرئاسية الثلاثة التي يمكن أن يشغلها رئيس الجمهورية التونسية وبكسر الحاجز العمري المقدر ب70 سنة ورفعه ل75 سنة الذي يمكن لشخص أن يترشح لهذا المنصب. تم كذلك إنشاء غرفة برلمانية ثانية وهو مجلس المستشارين.
وقد تمت الموافقة على هذا التعديل الدستوري بنسبة 99.52%، بينما كانت نسبة المشاركة ب95.59%. لكن هذا الاستفتاء كان مزور ووصفته المعارضة بالمسخرة. المستفيد من هذا الاستفتاء هو الرئيس زين العابدين بن علي.
وبهذا التعديل كرّس الرئيس بن علي مبدأ الرئاسة مدى الحياة بشكل اخر وهو ربمّا أحد أهم الأسباب التي عجلّت بالثورة عليه والاطاحة به من قبل ثورة 17ديسمبر 14 جانفي.
دستور تونس أم الاخوان؟
بعد تعليق العمل بدستور 1959 في 2011 و انتخاب المجلس التأسيسي الذي أفرز اغلبية نهضاوية اخوانية بدأ الاعداد لدستور جديد وكان الاتفاق أن يتم ذلك في سنتين على الأقصى الاّ الترويكا المهيمنة حينها في البرلمان و المشكلة للحكومة و لرئاسة الجمهورية بقيادة النهضة مطّطت المدّة لثلاث سنوات حيث تم التصويت على الدستور الجديد في 27جانفي 2014.
وقد ردّد كاتبوه من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي أنه خير دستور و يعتبره العديدون أنه دستور ملغّم ساهم في تفكّك الدولة و تشتّت السلطات وأفقد الدولة هيبتها .