هل يتم نفض الغبار عنه ويقول القضاء كلمته فيه / تقرير صادر عن اللّجنة التونسية للتحاليل المالية فضح الفساد و التعاملات المشبوهة للاخوين الدايمي
كشف تقرير صادر عن اللّجنة التونسية للتحاليل المالية سرّب في جانفي 2019 و الذي أكد تورّط الأخوين الدايمي وهما عبد المنعم ومنير في عمليات تبييض أموال وشبهات تمويل الإرهاب وتحويلات مخالفة للقوانين وتلقّي تمويلات من الخارج خاصة من قطر وبريطانيا عن طريق جمعية “الإغاثة الاسلامية عبر العالم مكتب تونس”.
حقوقيون و نشطاء بالمجتمع المدني دعوا لنفض الغبار عن هذا التقرير ودعوة القضاء للتحرك السريع و فتح هذا الملف وملف الجمعيات المشبوهة.
ووفق ما تناقلته صحف عديدة حينها فان الأخوان الدايمي، المشتبه بهما رسميا بعد عمليات التدقيق المعمّق الذي قامت به لجنة التحاليل المالية، وذلك على خلفية التحويلات المالية الضخمة التي كانت تجري تحت عناوين إنسانية مثل الإغاثة ومقاومة الفقر ومساعدة المحتاجين، غير أنّ ارتباط عبد المنعم ومنير بشقيقهما عماد الدايمي عندما كان مسؤولا مهمّا برئاسة الجمهورية، يثير مشكلا جديّا متعلّقا بأمن الدولة.
بيزنس نيوز Business News تحصّلت على نسخة من مشروع قرار ختم الأعمـال الصادر عن لجنة التحاليل المالية.
و جمعية الإغاثة الإسلامية تأسست في بريطانيا سنة 1984 وتمّ بعث فرع لها بمدينة جرجيس في تونس بعد الثورة سنة 2012 كعين قطرية، وحسب نظامها الداخلي وما ورد بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 95 والذي حدّد أهدافها بالأساس في ” مقاومة الفقر وتقديم الأموال والملابس والمواد الغذائية والدواء إلى المحتاجين وإنشاء أو المساعدة على إنشاء مراكز التربص والمدارس والمستشفيات والمصحات…”
جمعية الإغاثة الإسلامية عبر العالم فرع تونس فتحت ثلاثة حسابات بنكية في تونس وقد تبيّن حسب لجنة التحاليل المالية أنّه تمّ تسجيل عدد هام من عمليات السحب نقدا دون أن تتوفر معلومات حول مآل هذه الأموال.
تقرير ختم الأعمال الذي أجرته لجنة التحاليل المالية والذي تناول قضيّة التلاعب بالأموال وتلقي التمويلات الأجنبية واستعمالها في غايات مشبوهة، من قبل الأخوين الدايمي تكشف عن فضيحة من الحجم الثقيل، زمن كان فيه عبد المنعم الدائمي يرأس ”جمعية تونس الخيرية” عين قطر في تونس، لم تتم اثارتها من قبل القضاء رغم كشف وسائل الاعلام عن العديد من التجاوزات وخاصة في موقع بيزنس نيوز Business News حيث” تمت الإشارة الى التمويلات التي كان يتلقاها الدايمي عبر وزارة المرأة في فترة سهام بادي القيادية السابقة في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي كان يقوده عماد الدائمي.
وكشف التقرير الذي أجرته لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي أنّ منير الدائمي المقيم بقطر و الذي يشغل خطة مدير التكوين بقناة الجزيرة و هو شقيق عماد الدائمي الرئيس السابق لديوان رئيس الجمهورية و أمين عام حزب المؤتمر من أجل الجمهورية آنذاك. كما أنّه شقيق عبد المنعم الدائمي رئيس جمعية “تونس الخيرية” و هي جمعية خيرية تحوم شبهات حول مصادر تمويلها من ذلك المنحة التي تحصّلت عليها بأمر من الوزيرة السابقة لشؤون المرأة سهام بادي.
بعد انتخابات 2014 غادر عبد المنعم الدائمي مثله مثل سهام بادي تونس، ومع ذلك فلقد تواصلت التحويلات المالية بشكل غير شرعي.
تقرير ختم أعمال لجنة التحاليل المالية كشف بوضوح أنّه بعد مغادرة الدائمي للبلاد التونسية اتضح أنّه بتاريخ 13 جوان 2014 ، قام مهدي بن مراد بصفته مديرا للبرامج الدولية لمنظمة الإغاثة الاسلامية عبر العالم، بتعيين عبد المنعم الدائمي شقيق عماد الدائمي أمين عام حزب المؤتمر من أجل الجمهورية آنذاك ، مديرا محلّيا لفرع المنظمة بتونس و ذلك للفترة الممتدّة بين 28 ماي 2014 إلى غاية 28 ماي 2015.
كما تمّ بتاريخ 17 نوفمبر2015 تعيين مدير جديد لمكتب الاغاثة الاسلامية بتونس يدعى عبد المجيد الناصري وهو مغربي الجنسية. كما قرر المكتب التنفيذي لفرع المنظمة بتونس في 03 جانفي 2017 تعيين متصرفين جديدين بحساب الجمعية وهما وليد بن حميدة وعلي جماعي.
وهنا تتساءل لجنة التحاليل المالية وتعتبر أنّ ”تعدد المتصرّفين بحسابات الجمعية و استغلال أشخاص يبدو أنّهم غير نافذين بها على غرار المكلّف “بمراقبة النقل بالجمعية” ما قد يعكس رغبة مسيّري هذه الجمعية و الذين كانوا في أغلبهم من ذوي الجنسيات الأجنبية، إلى تنفيذ برامجهم وعملياتهم المالية بتوقيعات راجعة إلى منظوريهم قصد التخفي و درء الشبهات عنهم.”
اللجنة كشفت أيضا عن مسك منظمة “الإغاثة الاسلامية عبر العالم مكتب تونس” حسابا لدى البنك العربي لتونس بتاريخ 06 فيفري 2013 وهو نفس تاريخ اغتيال الشهيد شكري بلعيد و قد تمّ غلقه بتاريخ 14 فيفري 2017 بمبرّر تغيير مقر الجمعية، كما أنّ تغذية هذا الحساب منذ فتحه قد ارتكزت على قبول تحويلات من الخارج صدرت أساسا عن حساب شركة INT FCSTONE و عن حساب المنظمة الأم: “الإغاثة الاسلامية عبر العالم” المتواجد مقرها بالمملكة المتحدة و ذلك بنسبة 85% و هو ما يمثّل 7 فاصل 5 مليون دينار.
ووفقا لبحث أجرته لجنة التحاليل المالية من خلال المصادر والبيانات المفتوحة فإنّ شركة INT FCSTONE فهي شركة موجودة بالمملكة المتحدة متخصصة في تقديم خدمات الدفع بالعملات المحلية للدول المرسل إليها الأموال. وقد رجّح تقرير ختم الأعمال أن تكون هذه التحويلات قد صدرت عن أشخاص أو هيئات موجودين ببريطانيا و تعمّدوا عنونة أوامر التحويلات المراد ارسالها إلى فرع المنظمة بتونس بالدينار التونسي عوضا عن الجنيه الاسترليني و تمت الاستعانة بخدمات هذه الشركة المتخصصة في هذا النوع من التحويلات و التي تجعلها تبرز كالآمر بالدفع عوضا عن هؤلاء الاشخاص الذين يرجّح انهم فضلوا عدم الافصاح عن هويتهم و التخفي وقد تعلّقت هذه التحويلات بمبالغ 4 فاصل 5 مليون دينار.
الحساب الثاني مفتوح لدى التجاري بنك وقد اتضح من كشوفاته بالفترة المتراوحة بين 13 مارس 2015 و غرّة فيفري 2016 أنّه قد تمّ استغلالها في خلاص صكوك و في تحويلها لفائدة عدة مستفيدين مثل شركات بيع مواد غذائية و حلويات و أجهزة إعلامية و أثاث مكتبي و ألعاب غير أنه تمّ الوقوف بين ثنايا هذه العمليات على مجموعة من العمليات المالية التي تبدو مسترابة، حيث تمّ تسجيل عدد هام من التحويلات التي استفادت منها وكالات أسفار ، منها ما تعلّق بمبالغ زهيدة من قبيل 122 و 582 دينار و قد استفاد منها كل من “بن قردان للأسفار” و “Mahdi Tours” و منها ما تعلّق بمبالغ تعتبر مرتفعة نسبيا.
وهنا طرح تقرير لجنة التحاليل المالية العلاقة التي تربط جمعية تهدف إلى “مقاومة الفقر و تقديم الاموال و الملابس و المواد الغذائية و الدواء إلى المحتاجين” بوكالات أسفار و عن مبررات التحويلات التي تلقتها هذه الوكالات و التي فاقت 20 ألف دينار في فترة وجيزة جدّا.
مع الإشارة الى أنّ وكالة الأسفار Mena Tours قامت خلال الفترة من 24 ماي 2015 إلى 30 سبتمبر 2015 بتنظيم رحلات إلى تركيا مع تقديم تسهيلات في الدفع وهي فترة اتسمت بتسفير إرهابيين الى سوريا عبر تركيا.
كما سجّل، حسب نفس التقرير، الحساب مجموعة من التحويلات لفائدة شركة ”الاخوة النالوتي” تعلّقت بمبالغ هامة مقارنة بطبيعة نشاط هذه الشركة التي اتضح وفقا لبحث أجري على موقع السجل التجاري أنّه يتمثّل في تجارة الوقود بالتفصيل بمدنين بالإضافة إلى أنشطة ثانوية، و في إطار البحث عن المبررات المحتملة لهذه العمليات المالية، حسب لجنة التحاليل المالية فلقد اتضح من كشف الحساب أنّ الجمعية قامت خلال الفترة بين 25 جوان و 21 سبتمبر 2015 ، بإصدار مجموعة من التحويلات لفائدة شركتي DJERBA RENT A CAR و LINA CAR المتخصصتين في كراء السيارات و قد فاق مجموع هذه التحويلات 20 ألف دينار في فترة لم تتجاوز الثلاثة أشهر.
مع الاشارة إلى أنّه على الرغم من أنّ هذه التحويلات غير متزامنة و تلك التي انتفعت بها محطة بيع البنزين “شركة الإخوة النالوتي” غير أنه يرجّح أنها تندرج ضمن عمليات خلاص لاحق لفواتير اقتناء البنزين و العنصر الأهم في الموضوع أنّ هذه الفواتير قد تعلّقت بمبالغ جدّ مرتفعة مما يعكس أهمية عدد السيارات التي تمّ تزويدها بالبنزين بالإضافة إلى أهمية المسافات التي تمّ قطعها. وهو ما يعني شبهة التنقّل الى ليبيا، وقد استنتجت اللجنة ”أنّ هذه العمليات المسترابة تكتسي خطورة أكبر ما إذا تمّ دعمها بالعنصر الجغرافي ألا وهو الجنوب التونسي مكان مقر الجمعية الذي من بين العناصر المميزة له قربه من القطر الليبي الذي يشكو من انفلات أمني و تناحر مسلّح بين جميع الطوائف به (و التي من بينها داعش) مما يزيد من حجم التهديدات الارهابية التي يمثّلها.
كما تمّ تسجيل عدة تحويلات من الحسابات البنكية للجمعية خلال فترة وجيزة و عمليات خلاص صكوك لفائدة مجموعة من الفنادق يتواجد أغلبها بالجنوب التونسي وهي فنادق ذات نوعية متدنية مما يستدعي بالنسبة الى لجنة التحاليل المالية التعمق في البحث عن المنتفعين من هذه الحجوزات و مدى ارتباطهم بالجمعية و نشاطها.
وقد تبيّن أنّ المصدر الحقيقي لتلك الأموال هي التحويلات الواردة من الخارج و الصادرة عن حساب الجمعية الام ببريطانيا. وكلّها تحويلات تمثّل خرقا واضحا لمقتضيات الفصل 38 من المرسوم عدد 88 المنظم للجمعيات.
لجنة التحاليل المالية استخلصت بوضوح أنّه وفقا لكلّ تلك المعطيات فإنّه لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير التحويلات المهمّة والمرتفعة التي تلقّاها عبد المنعم الدايمي من بريطانيا خلال سنة 2016 و بداية 2017على أنها راتبه مقابل إدارته فرع المنظمة بتونس لا يمكن التسليم بأنه راتب شهري مقابل العمل بجمعية تعنى بمحاربة الفقر و هوما يدفعنا للتساؤل عن المبررات الحقيقية لهذه التحويلات.
كما اعتبرت لجنة التحاليل المالية أنّ عددا من العمليات المالية المسجلة بالحسابات البنكية لجمعية “الإغاثة الاسلامية – مكتب تونس” تعتبر مشبوهة و يرجّح أنّها لا ترتبط بنشاط الجمعية المصرّح به حيث أنّها تعلّقت بخلاص فنادق و وكالات أسفار و شركات كراء السيارات بالإضافة إلى خلاص فواتير هامة جدّا تتعلّق باقتناء البنزين مما يدعو للتساؤل حول المبررات الفعلية لهذه المصاريف التي تكبّدتها جمعية يفترض أنّ نشاطها يتمثّل في ”رمقاومة الفقر و تقديم الاموال و الملابس و المواد الغذائية و الدواء إلى المحتاجين…”.
و تجدر الإشارة الى أنّ المبالغ المشبوهة قد تبدو محدودة مقارنة بالمبلغ الجملي بحسابات الجمعية المثارة الذي كشف عنه التقرير، إلا أنّه يذكّر في هذا الجانب أنّ جميع الدراسات التي تمّ إنجازها حول تمويل الإرهاب و التسفير إلى بؤر التوتر أثبتت محدودية المبالغ التي تمّ اعتمادها في مثل هذه العمليات و هو ما تمّ اعتباره كأحد عوامل انتشار هذه الظاهرة و في نفس الوقت أحد أهم العوامل المفسرة لصعوبة السيطرة عليها و تحديد المتسببين بها. و يشار أن التحقيق في هوية المستفيدين من الحجوزات بالفنادق و لدى وكالات الاسفار هو الكفيل بتحديد ما إذا كانت هذه العمليات تندرج ضمن نشاط الجمعية من عدمه.
واستنتج تقرير ختم أعمال لجنة التحاليل المالية أنّ موارد الجمعية ارتكزت على التمويل الأجنبي وتتميز إدارتها بتركيز أشخاص أجانب و أشخاص سياسيين ممثلي المخاطر وهم الذين تمّ تعريفهم وفقا للمعايير الدولية على أنهم ”الأفراد الذين يشغلون أو سبق لهم أن شغلوا وظائف عمومية بارزة في دولهم أو بدول أجنبية كما تمّ تعريفهم في القانون التونسي على أنّهم الأشخاص الذين باشروا أو يباشرون وظائف عمومية عليا أو مهام نيابية أو سياسية في تونس أو في بلد أجنبي أو أقاربهم أو أشخاص ذوي صلة بهم” اذ أنّ المشتبه به عبد المنعم الدائمي، شقيق عماد الدائمي الذي كان في مراكز اتخاذ القرار و هي عوامل مرفّعة لمخاطر استغلال حسابات الجمعية في أنشطة غير تلك المصرّح بها.
وبذلك استخلصت اللجنة من خلال الأبحاث المعمّقة التي أجرتها ومن خلال التحريات والتحاليل وجود قرائن قوية و متضافرة على أنّ الحسابات البنكية لجمعية الإغاثة الاسلامية مكتب تونس قد تمّ استغلالها في أنشطة غير تلك المصرّح بها في خرق لأحكام الفصل 37 من مرسوم الجمعيات عدد 88 لسنة 2011 كما أنّ حركة الحسابات الشخصية لكل من المدعو عبد المنعم الدائمي و شقيقه منير الدائمي قد اتسمّت بأهمية التمويلات الخارجية كمصدر أساسي لتمويلها وتغذيتها.
وهو ما جعل اللّجنة التونسية للتحاليل المالية تقرّر إحالة التصاريح بالشبهة إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس.
لقد اثارت بيزنس نيوز Business News في أكثر من مرّة قضيّة الاتجار بالعناوين الانسانوية والاتجار المربح لدى بعض المنظمات غير الحكومية، وفي كلّ مرّة نتعرّض الى حملات مغرضة من قبل أولئك المأجورين من الخارج والمتورّطين في عمليات مشبوهة ومضرّة بأمن تونس وسلامتها، وآخر تحقيقاتنا حول منظمة مراقبون I Watch.
لقد أنجزت لجنة التحاليل المالية عملا دقيقا، وأحالت أعمالها على أنظار وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس حيث ينتظر توسيع مجال التحقيقات ليتم الكشف بكلّ صرامة ودقّة عن كلّ من ستكشف عنه الأبحاث من المتورّطين، كما يُنتظر من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئيسها شوقي الطبيب التحرّك بشكل فعّال وأن تقوم بما هو مطلوب منها قانونيا وأخلاقيا وتاريخيا مثلما قامت به لجنة التحاليل المالية لوضع حدّ لنزيف الفساد والاضرار بتونس.
المصدر (بيزنس نيوز و مصادر اخرى)