لينكولن.. الرئيس الملتحي الذي وحد أميركا وحرر عبيدها - صوت الضفتين

لينكولن.. الرئيس الملتحي الذي وحد أميركا وحرر عبيدها

ابراهام لينكولن محام وسياسي ورئيس أميركي سابق، ارتبط اسمه بالحرب الأهلية الأميركية وبإلغاء الرق في بلاده عام 1863. يعد أول نائب من ولاية إلينوي يصل الرئاسة، ويعتبر الرئيس الأكثر تقديرا في التاريخ الأميركي، وكانت مواقفه وقراراته نموذجا ملهما للكثير من السياسيين الأميركيين. وقد ظلت ديانته الحقيقية لغزا غير قابل للكشف.
المولد والنشأة
وُلد أبراهام توماس لينكولن يوم 12 فبراير/شباط 1809 في محافظة هاردن بولاية كنتاكي شرقي الولايات المتحدة، لأسرة متواضعة الحال إذ كان والده توماس نجارا.
ووفقا لروايات يهودية فإن اسم عائلته “لينكولن” هو اسم البلدة البريطانية التي هاجر منها “أجداده اليهود”، في حين يرى باحثون -بينهم الدكتور المغربي علي بن المنتصر الكتاني والباحث الأميركي بروند كينيدي- أن عائلة لينكولن من شعب “الميلونجونس” الذين يعتقد أن أصولهم تعود إلى المسلمين المهاجرين من الأندلس هربا من اضطهاد محاكم التفتيش.
الدراسة والتكوين
تلقى لينكولن تعليما مدرسيا محدودا، ولكنه كان مثقفا ملما بمختلف المعارف عبر مطالعاته الغزيرة لأمهات الكتب الغربية. وفي عشرينيات عمره درس القانون بتشجيع من أحد أعضاء المجلس التشريعي بمنطقته، لكنه لم يحصل على مؤهل جامعي.
الوظائف والمسؤوليات
مارس لينكولن في مراحل حياته الأولى عدة أعمال متواضعة، من بينها أنه عمل نادلا في إحدى الحانات، ثم اشتغل في التجارة والنقل البحري للبضائع إثر انتقاله عام 1831 إلى قرية نيوسالم في مقاطعة سانغامون، لكنه سرعان ما تعثرت تجارته فخسر.
وفي 1832 انتخِب قائدا لمليشيا إلينوي خلال “حرب بلاك هوك” القصيرة مع الهنود الحمر. ثم مارس مهنة المحاماة إثر دراسته الحرة للقانون وحصوله على رخصة بمزاولتها عام 1836، فانتشر بواسطتها صيته واستغنى من عمله فيها.
التجربة السياسية
استفتح لينكولن مسيرته السياسية بترشحه عام 1832 لعضوية الجمعية العمومية بولاية إلينوي عن “حزب الويغ” (Whig Party) اليميني، الذي تحول فيما بعد إلى “الحزب الجمهوري” وأصبح الحزب الأبرز في البلاد إلى جانب الحزب الديمقراطي.
مثّل مقاطعة سانغامون في مجلس نواب إلينوي في دورات أعوام: 1836 و1838 و1840، وفي 1856 التحق بالحزب الجمهوري عند تأسيسه وأصبح أحد مرشحيه لمجلس الشيوخ عام 1858.

اعلان

وفي 1860 ترشح لينكولن باسم حزبه لمنصب الرئاسة في انتخابات ذلك العام ففاز بها وأصبح الرئيس الأميركي السادس عشر. وقد أثار نجاحه سكان الولايات الجنوبية المؤيدة لاستمرار العبودية في البلاد، وهي 11 ولاية أعلنت -إثر فوزه بالرئاسة- انفصالها عن الحكومة الاتحادية، فكونت دولة مستقلة وأصدرت دستورا خاصا بها.
أعلن لنكولن في خطابه -الذي ألقاه بمناسبة تنصيبه رئيسا يوم 4 مارس/آذار 1861- رفضه لانفصال الولايات الجنوبية ولدستورها الذي اعتبره باطلا، وأكد تصميمه على بقاء الولايات الأميركية موحدة كما كانت. وحين تجاهل الجنوبيون دعوته هذه؛ تفجرت في 12 أبريل/نيسان 1861 أحداث الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب التي استمرت حتى مايو/أيار 1865.
أصدر الرئيس أبراهام لنكولن في 22 أيلول/سبتمبر 1862 إعلانه القاضي بالتحرير المبدئي للعبيد اعتبارا من 1 يناير/كانون الثاني 1863. وفي العام التالي كسب سباق الرئاسة مجددا ففاز بمنصبها لولاية ثانية لكنها لم تكتمل.

ارتبط اسم لينكولن في أذهان الأميركيين بتحقيق ثلاثة إنجازات وطنية كبرى إبان حكمه رغم الصعوبات التي واجهها من قبل خصومه السياسيين داخل مجلس النواب، وهذه الإنجازات هي: الحرب الأهلية التي أعاد فيها الولايات الانفصالية إلى الحكم المركزي بقوة السلاح، والتعديل الدستوري رقم ١٣ القاضي بتحرير العبيد وحظر العبودية في البلاد.
أما الإنجاز الثالث فهو توحيد النظام المصرفي الذي كان لعائلة روتشيلد اليهودية هيمنة عليه، وكان لها دور كبير في دعم الحرب الأهلية لتستمر سيطرتها على حركة الاقتصاد ويزداد تحكمها في النظام المالي الذي كان يسمح بتعدد العملات.
ولذلك كان من أبرز مواقفه معارضته لفكرة البنك المركزي الاتحادي التي جسدها خطابه للشعب الأميركي الذي قال فيه: “إن القوى المالية في الدولة تصلي للشعب وقت السلم وتتآمر عليه في المحن، وإن ذلك أكثر استبداداً من الملكية وأكثر غطرسة من الحكم المطلق وأكثر أنانية من البيروقراطية”.
وأضاف لينكولن: “إنني أرى في المستقبل القريب أزمة قادمة تستفزني وتصيبني بالارتعاش خوفاً على سلامة الوطن. لقد تم تتويج الشركات، وسيتبع ذلك عصر من الفساد تسعى فيه القوى المالية لإطالة أمدها على حساب مصلحة الشعب، حتى تتجمع الثروة في أيدي البعض ويفنى الشعب”.
ورغم اتهام الكثيرين بتحجيم شخصية لينكولن أحيانا وتحويلها إلى مجرد “صورة ثقافية وطنية نمطية”، فإنه يعتبر الرئيس الأكثر تقديرا في التاريخ الأميركي. ويصفه الكثيرون بأنه كان نصيرا للعدالة والحرية قادرا على التعامل مع الظروف السياسية الاستثنائية التي واجهها، مع المحافظة على إدارة الحكم وسير البلاد قدما خلال أصعب فترات تاريخها.
فقد كان لينكولن أول رئيس أميركي طالب بمشاركة المرأة في التصويت الانتخابي، وأول رئيس أميركي يسمح للحاخامات بالعمل في الجيش كرجال دين، كما عين لأول مرة يهوديا قنصلا في الخارجية. وفي عهده قـُبل الرجال السود في القوات المسلحة الأميركية، وإليه يعود تأسيس جهاز الاستخبارات الأميركي، وتدشين “المقبرة القومية” في غيتسبورغ.
ظلت ديانة لينكولن التي كان يعتنقها مثار جدل كبير وكذلك مستوى التدين عنده؛ فمنهم من يقول إنه كان مسيحيا، ومنهم أكد يهوديته، في حين ذهب آخرون إلى أنه كان مسلما يكتم إيمانه، ويستشهد هؤلاء بأن بعض خطبه تضمنت آيات من القرآن الكريم الذي اطلع عليه عبر نسخة المصحف الخاصة بالرئيس الأميركي توماس جيفرسون، وببعض قراراته التي تتفق مع تعاليم الإسلام.
وحتى القائلون بأنه كان مسيحيا يؤكدون أنه لم يكن متدينا كوالديه المسيحيين اللذين حافظا على الصلاة في الكنيسة المعمدانية، فهو لم يزر كنيسة قط منذ شبابه الأول فضلا عن أن يزور كنيسا يهوديا، وكانت له تصوراته الخاصة حول الخالق لا علاقة لها بالإنجيل ولا بالتوراة. وظل مترددا بين الشك في وجود الله ووجود العناية الإلهية التي تدير شؤون الحياة والبشر، كما يُتهم بأنه كان كثير الانتقاد “للإنجيل”.
أما يهودية لينكولن فقد تكرر الحديث عنها على ألسنة مؤرخين وكتاب وصحفيين بسبب ما يتوفر من “معلومات يهودية” عن علاقته باليهود واليهودية، ولكونه لم يكن رئيسا عاديا بالنسبة لليهود الأميركان، إذ كان محبوبا من مجتمعهم الذي يعتقد معظمه أن أجداده كانوا يهودا.
كانت حياة وسيرة لينكولن مجالا خصبا للدراما الأميركية، فقد تم تناول شخصيته مرات عدة في مواضيع مختلفة وعبر أفلام كثيرة، منها فيلم “الكنز القومي.. كتاب الأسرار” (عام 2007)، وفيلم “اغتيال أبراهام لينكولن” (2009)، وفيلم “لينكولن” (عام 2012) للمخرج الأميركي اليهودي ستيفن سبيلبرغ، وقد تصدر سباق جوائز الأوسكار بترشيحه لاثنتي عشرة جائزة.
وفي 2009 قرر الرئيس الأميركي المنتخب حينها باراك أوباما -الذي كثيرا ما استشهد بأقوال لينكولن- أداء اليمين في حفل تنصيبه رئيسا على نسخة الإنجيل التي أقسم عليها لينكولن عند تنصيبه عام 1861 وتحتفظ بها مكتبة الكونغرس. وهو ما اعتبِر “بادرة رمزية بليغة” من أول رئيس أسود في البلاد تجاه الرجل الذي أعلن نهاية العبودية فيها.
الوفاة
تعرض أبراهام لينكولن لإطلاق نار في الرأس يوم 14 أبريل/نيسان 1865 أثناء مشاهدته هو وزوجته لمسرحية “ابن العم الأميركي” على “مسرح فورد”، ثم مات في اليوم الموالي وهو في مطلع ولايته الرئاسية الثانية، فكان أول رئيس أميركي يتم اغتياله في التاريخ.
وتشير عدة مصادر إلى أن قاتله جون ويلكز بوث “يهودي”، وأن اغتياله كان بتحريض من أكبر مجموعة مالية يهودية آنذاك وهي مؤسسة عائلة روتشيلد، وذلك انتقاما من لينكولن لإجراءات اتخذها ضد بنوكها.
وقد تعرض قبر لينكولن في سبرينفيلد لعمليات سرقة عدة مرات مما أدى لنقل جثمانه 17 مرة وفتح تابوته 5 مرات؛ ففي 1876 حاول لصوص سرقة جثمانه وطالبوا بفدية قدرها 200 ألف دولار أميركي، وفي 1890 أخِذ سيف كان مثبتا على تمثال جندي أعلى قبره. وفي 2011 تعرض للسرقة من مجهول، كما طالته عمليات تدنيس كانت إحداها 1987 حين وُجدت عليه رسوم عنصرية.

شارك المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *