قليلها سينجو: دروس تعلمتها الشركات السياحية من أزمة كورونا
صوت الضفتين- مقال رأي بقلم سمير باشا
قد يكون للأضرار التي يتعرض لها قطاع السياحة آثارًا أطول من الضرر الفعلي الناجم عن تفشي وباء كورونا المستجد. فشركات القطاع السياحي تواجه وبشكل متزايد حوادث تنطوي على مخاطر ، سواء كانت طبيعية ، أو إرهابية ، أو حوادث متعلقة بالصحة العامة ، مما يتطلب من الإدارة الناجحة أن تعد مسبقًا استراتيجية إدارة الأزمة بشكل واضح ومتكامل لإدارة المخاطر الخاصة بالصناعة ، لتكون مستعدةً للتعامل مع الأحداث المحتملة ، وذلك لحماية أعمالها وعملائها وموظفيها.
لذا يستوجب على كل شركة تعمل في هذا القطاع التفكير بإدارة المخاطر والتعامل معها ولا تنتظر حدوث الأزمة لتشرع في وضع الخطط الاستراتيجية ، مما يستوجب على الشركات أن تكون قد وضعت خططها مسبقًا لتجنب أي أزمة تواجهها ، وخصوصًا أن أزمات القطاع السياحي مفاجأة مما يستوجب العمل السريع والفوري لتخفيف الضرر الناتج عن ذلك.
وأدى انتشار وباء كورونا ، وفي غضون أيام ، إلى
اختفاء قطاع السياحة تقريبا في كل مكان في العالم ؛ مما شكل شللًا للسياحة عالميا . فذهبنا إلى حالة عدم اليقين بشأن متى وكيف ؟ يمكن إعادة هذا القطاع الذي تم إغلاقه تمامًا.
وأوحى هذا الوباء أن هناك فرصة سانحة للتفكير في إعادة بناء القطاع السياحي ، من خلال خلق رؤية جديدة تكون أكثر انسجامًا مع التحديات الكبيرة التي ستواجه مستقبلًا ؛ ومن أهمها التغيير في سلوك السياح ومنظمي الرحلات السياحية.
استراتيجية إدارة الأزمة
على الرغم من أننا لا نعرف إلى متى سينتهي هذا الوباء ، ليتمكن قطاع السياحة من الاستجابة والقدرة على التكيف على الوضع الجديد ، هناك بعض الدروس التي علينا تعلمها ولا ينبغي نسيانها هذه المرة:
من المهم الكشف المبكر عن الظواهر ذات التأثير المحتمل على التدفقات السياحية. وأيضًا أن تكون لدينا ثقافة استباقية تشجع على تحليل متعمق وتطوير بروتوكولات وقائية وخطط طوارئ تسمح لنا بالتفاعل في أسرع وقت ممكن ، وتجنب الاستجابات المتأخرة والمرتجلة لضغوط الحاجة إلى العمل بسرعة.
وينبغي من الآن فصاعدًا ، أن تؤخذ استراتيجية إدارة الأزمة بجدية أكبر ، وفي عالم شديد الترابط ؛ يجب أن يولي اهتمامًا خاصًا للعلاقات المتبادلة والعواقب أو ردود الفعل التي تولدها مثل هذه الأزمات. فعلى سبيل المثال ، الحراك الكبير الذي أتاحته وسائل النقل الحديثة ، والذي أفاد قطاع السياحة كثيرًا ، يجعل تفشي الأمراض المعدية يتحرك بسهولة في جميع أنحاء العالم.
يجب على القائمين على قطاع السياحة ، تشكيل رؤية عالمية للسياحة ، وتشمل سياق ودراسة خاصة لكل مشكلة على حدا. فعلى سبيل المثال ، لمعالجة انتعاش السياحة الدولية ، علينا أن نكون على دراية بأن الأسواق لن تتعافى جميعها بنفس السرعة ولن تتطلب نفس النوع من الإجراءات لتحقيقها. فلكل سوق وضع خاص.
قد لا تهدف استراتيجية إدارة أزمة قطاع السياحة للخروج من التعثر الحالي فحسب ، بل قد تكون أيضًا إعادة تشكيل لخدمات هذا القطاع على أساس القيم التي تعزز العلاقة مع العملاء والموظفين والمتعاملين ، حيث أظهر وباء كورونا القاتل ، مدى هشاشة البشروكيف يمكن تعديل تخطيطهم وأنشطتهم في فترة زمنية قصيرة.
التسويق .. أحد أولويات استراتيجية إدارة الأزمة في قطاع السياحة
وكشفت أزمة كورونا حاجة القطاع السياحي الماسة لخدمات وخبرات تسويقية متميزة ، في الوقت الذي كانت العمليات التسويقية في السياحة متخلفًا مقارنةً بالقطاعات الاقتصادية الأخرى.
يعزو البعض هذا القصور في التسويق للسياحة ؛ إلى المسار الوظيفي التقليدي في صناعة السياحة ، حيث عمل المديرون والمديرون التنفيذيون في طريقهم إلى المناصب التنفيذية و الإدارية ، على سبيل المثال ، يستهدف الكثيرون الترقية إلى منصب المدير العام.
وهناك اعتقاد شائع مفاده بأنه لكي يكون المرء رائدًا في صناعة السياحة ، يجب على المرء أن يفهم العمليات من الداخل إلى الخارج ، لذا كان تدريب المديرين وتطويرهم يعتمد على القدرات الفنية والوظيفية، بدلاً من الدهاء التسويقي.
وتعتبر السياحة نشاط معولم ، وعابر ، وغير متجانس ، ومتعدد الثقافات ، ومتعدد الأبعاد ، ومتعدد التخصصات ، ويلبي طلب معولم ومتزايد وديناميكي و متغير، وله مكون هام من الذاتية في إدراك العرض. هذه العوامل تعطيها خصائص محددة للغاية للخدمات والمنتجات السياحية ، فإن لم يكن هنالك منتج مناسب لتحفيز الطلب ، فلن تتمكن من تحقيق مبيعات.
لذا من الضرورة الحفاظ على التجديد المستمر للأسواق المستهدفة ، ضمن استراتيجية إدارة الأزمة التي يشهدها القطاع ، بالإضافة إلى وتطوير عملية الابتكار المستمرة في الاقتراحات وطرق بناء ولاء العملاء ، لتوليد التكرار في عمليات الشراء. فالمنتجات والخدمات السياحية معرضة بشدة للتقلبات في الطلب ، والتي تكون عرضة لجميع أنواع التغييرات في ظروف الاقتصاد والمجتمع والمناخ والبيئة السياسية. لهذا يجب أن تكون إجراءات الترويج والمبيعات عالية الاستجابة لاستيعاب التقلبات في الطلب.
لا شيء يدوم .. دروس تعلمها قادة قطاع السياحة من الوباء
ومن المتوقع ، أن تكون السوق الوطنية ذات الأولوية لقطاع السياحة هذا الموسم ، إلى جانب سوق القرب الإقليمي. و سيكون السفر عن قرب هو مفتاح الانتعاش على المدى القصير ، حيث سيتعين على وكالات السفر إعادة ابتكار نفسها لبيع المنتج للسوق الوطنية ، وستكون أهداف التنمية النوعية أكثر أهمية من الأهداف الكمية :
يتم تدريجيًا إدراج تأثير السياحة ورفاهية السكان المقيمين وتنميتهم ، والإحساس بالتعاون السياحي من قبل السائح ، في مفهوم الإنتاجية والقدرة التنافسية.
على القائمين على هذه الصناعة التفكر والتأمل بما أصاب هذا القطاع ، حيث أن الأزمة الحالية قاسيةٌ للغاية ولكنها لن تدوم.
القادة الذين يمكنهم رسم صورة لهذا المستقبل ، وحشد الفرق حول استراتيجية إدارة الأزمة سيكونون ناجين وفائزين.
القادة الذين يمكنهم إظهار هذا المستوى من القدرة على التكيف سيكونون الأبطال.
من شأن تدخل الدولة في قطاع السياحة ، أن يتم إصدار سلسلة من اللوائح الجديدة التي ستغير طريقة السفر. و بالتالي ، سيتغير الهيكل الداخلي للشركات أيضًا ، وفي بعض الحالات سيتم إنشاء عمليات جديدة تتضمن وظائف حديثة مما يؤدي إلى اضطرار شركات السياحة إلى إعادة الهيكلة.
آفاق مستقبلية لقطاع السياحة بعد كورونا
مستقبلًا ، سيكون العامل الأساسي لنجاح الشركات السياحية ، إعادة العمل إلى حالته الطبيعية بسرعة من خلال مواجهة التحديات الفورية ، واتخاذ الإجراءات التي تسمح بحل جميع المشاكل التي تنشأ مع الموظفين والعملاء وقنوات البيع ، وضمان الحد الأدنى من شروط السيولة. ومعرفة كيفية إدارة الأزمات التي يفرضها الوضع.
من المرجح ، اهتمام الحكومات بمستقبل السياحة لمساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي ، وتوفير العملات الأجنبية ، وتخفيض البطالة ، وأيضًا هنالك مجموعة صناعات وخدمات مرتبطة بهذا القطاع ، إلا أن تدخل الحكومة سيؤدي إلى تغييرات كبيرة في تنظيم قطاع السياحة.
لقد أصبحت هنالك حاجة إلى إعادة التفكير في مفهوم السياحة بعد مرور هذه الأزمة ، حيث ستكون القدرة الاستيعابية للوجهات محدودة ؛ بسبب القيود الصحية وتيسير إدارتها بواسطة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي التي تسمح بالتحكم بشكل أفضل في تدفق السياح.
وتحدد شركات هذه الصناعة كيف سيكون مستقبلها ولكن بعد أن يتم التأكد من عدم تعرض عملائها وموظفيها والمتعاملين معها للخطر. وأيضًا من المهم عدم الذعر أو المبالغة . فالمجتمع الدولي يعمل بجد لاحتواء الفيروس وتداعياته الاقتصادية المحتملة.
في النهاية ، وباء كورونا سيكلف الكثير من الأرواح والخسائر وفقدان الوظائف ، كما سيرى الموظفون خيارات معيشتهم تتضاءل – خاصة تلك الموجودة في البلدان التي ليس لديها شبكات أمان مالية. وبالتالي ليس هناك حاجة لانتظار إعلان نهاية الوباء حيث نخرج جميعًا إلى الشوارع لاحتضان أنفسنا.
أخيرًا، يجب أن نتعلم من قصص نجاح رواد الأعمال الذين لم ينجو من الأزمات السابقة ، نتيجة عدم وضع استراتيجية إدارة الأزمة ، ومن المؤكد أن هذه القصص ستعلمنا الكثير والكثير. فصناعة السفر والسياحة مرنة للغاية ، والرغبة والحاجة إلى السفر هائلة ، وستعود إلى طبيعتها عندما يشعر الناس أنها آمنة بشكل معقول للقيام بذلك. فهناك شريحة من السكان أكثر استعدادًا للقفز على متن أول طائرة والسفر إلى الخارج.